الشيخ حسن عيسى عبد الظاهر  العالم والمربي والداعية والفقيه

بقلم الأستاذ محمد صبرة 


توفي أمس العالم والمربي والداعية والفقيه د. حسن عيسى عبد الظاهر، أستاذ ورئيس قسم الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة بجامعة قطر «سابقا». وقد وافته المنية بمنزله صباح الأربعاء بعد رحلة مع المرض دامت أكثر من عامين.
وتم دفنه بمقبرة أبو هامور بعد صلاة العصر بحضور لفيف من أهله وزملائه وتلاميذه ومحبيه.
وبوفاته أسدل الستار على حياة حافلة بالعطاء الفكري والدعوي والإنساني دامت أكثر من 82 عاماً.
شغل الفقيد عدة مناصب دعوية وعلمية في مصر وقطر، وسافر مبعوثاً للأزهر في عدد من البلدان الإسلامية، واستقر به المقام في قطر عام 1978، حتى وافاه الأجل أمس.
واشتهر د. عبد الظاهر بغزارة علمه، وكثرة عطائه، وطيب معشره ولين جانبه وأدبه وتواضعه، وغيرته على الإسلام والمسلمين. وأحبه زملاؤه وطلابه وإخوانه الدعاة.
وعرفه الجمهور خطيباً مفوهاً اعتلى منبر جامع إسحاق بأم غويلينا «زيد بن حارثة» حالياً، وجامع حصة السويدي المجاور لمحطة بنزين الجامعة –بطريق جامعة قطر-.
وتخرج على يديه مئات الأساتذة والباحثين، وتتلمذ على علمه وخبرته مئات الدعاة.
وهو الذي اكتشف الداعية المصري الشهير عبد الحميد كشك، عندما كان مفتشاً للمساجد بوزارة الأوقاف المصرية وتنبأ له بمستقبل واعد في مجال الخطابة والدعوة قبل أن يعرفه أحد.
ولد د. عبد الظاهر في 16 أغسطس عام 1928 بمدينة شبين القناطر بمحافظة القليوبية -20 كليومترا شمال القاهرة- لأسرة تنتمي لأصول عربية وفدت إلى مصر من السعودية واستقر بها المقام في الصعيد، ثم رحل الوالد والجد إلى شبين القناطر حيث ولد شيخنا.
أتم حفظ القرآن في سن العاشرة ولم يكن هو وحده الذي أتم الحفظ في تلك السن، فقد سبقه أشقاء له وزملاء في الدراسة. فقد كان أصغر إخوته الذين حفظوا القرآن، ولذلك كان ختم المصحف عادياً في حياته وحياة أسرته.

الأزهري الصغير
عندما بلغ سن الـ 12 تحول من الدراسة النظامية إلى الدراسة في الأزهر، وقد اختبروه في حفظ القرآن كاملاً، ونجح حتى واقفوا على التحاقه بالابتدائية الأزهرية، وأشار إلى أن سن الدخول في الابتدائية الأزهرية على أيامه كان 12 سنة.
أمضى 4 سنوات في الابتدائية الأزهرية و5 سنوات في الثانوية الأزهرية و4 سنوات في كلية أصول الدين التي تخرج منها عام 1954، وكان عمره وقتها تجاوز 25 عاماً.
وخلال دراسته بالجامعة كان له عشرة زملاء اعتبرهم إخوانه أولهم العلامة د. يوسف القرضاوي ومعه د. أحمد العسال رئيس الجامعة الإسلامية العالمية في باكستان»سابقا» والشيخ محمد الراوي والشيخ مصباح والشيخ عبد التواب هيكل (خطيب الجمعة بالجامع الكبير بالدوحة- سابقا) وآخرون.
وذكر د. عبد الظاهر أنه ود. القرضاوي والشيخ هيكل والشيخ الراوي تخرجوا في كلية واحدة هي كلية أصول الدين بالقاهرة.. لكن د. القرضاوي والشيخ هيكل كانا يستبقانه بعام دراسي واحد وتخرجا قبله بسنة.
الطريق إلى الجامعة
رحلة د. عبد الظاهر مع الدراسات العليا بدأت من نيجيريا عندما كان مبعوثا من الأزهر الشريف للخطابة والوعظ في أكبر بلد بالقارة السمراء.. خلال فترة بعثته التي استمرت أربع سنوات .
وقد انعكست الظروف السياسية والفكرية التي أحاطت به خلال بعثته على اختياره لموضوع رسالتي الماجستير والدكتوراه.
رسالته للماجستير كانت عن موضوع (القاديانية) وقد جاءت كتابته لهذه الرسالة بحكم احتكاكه بالقاديانيين.
وقد ذكر لي يرحمه الله أن القاديانيين أهدوه كتباً توازي حمل بعير، ودعوه لزيارة مساجدهم ومناقشتهم.
وأشار إلى أن النشاط القادياني كان وما زال متغلغلاً عند الساحل الغربي لإفريقيا.
الدعوة الإسلامية في غرب إفريقيا وقيام دولة الغولاني كان موضوع الرسالة التي تقدم بها الشيخ عبد الظاهر لكلية أصوال الدين بالقاهرة لنيل درجة الدكتوراه. وقد أشرف على الرسالة د. عوض الله حجازي عميد الكلية وقتها ورئيس جامعة الأزهر فيما بعد، والشيخ عبدالعزيز عبيد والشيخ محمد الغزالي.
وعندما سألت فضيلته عن سبب مشاركة الشيخ الغزالي في مناقشة تلك الرسالة قال: التقاليد المتبعة بجامعة الأزهر كانت تشترط مشاركة عضو من خارج أساتذة الجامعة لمناقشة رسائل الماجستير والدكتواره.. وقد كان الشيخ الغزالي وقتها معنيا بالموضوع حيث يشغل منصب مدير إدارة الدعوة بوزارة الأوقاف المصرية.
21 بحثاً ودراسة وكتاباً
حدثني الشيخ عن مؤلفاته على النحو التالي:
قال عندما كنت في مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر شاركت في مشروع ضخم هو موسوعة السنة النبوية، الذي أسفر عن إصدار كتاب الجامع الكبير للإمام جلال الدين السيوطي، وهذا الكتاب الضخم يضم ما لا يقل عن مائة ألف حديث نبوي، وما زال يصدر حتى اليوم في صورة أجزاء شهرية، وأضاف قائلا اشتركت في اللجنة التي تعد لإصدار ذلك الكتاب الهام مع مجموعة من العلماء حتى الفصل 25، وكنا نقوم بتحقيق تلك الأجزاء قبل صدورها.
وإلى جوار ذلك الكتاب ذكر أنه شارك في إصدار التفسير الوسيط الذي ينشره مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر حتى اليوم، وكان دوره أن يكتب تفسيراً لسورة النور وقد كتبه ولا يدري عنه شيئا حتى وفاته.
وعندما كان يعد لرسالة الماجستير كتب بحثا عن الفرق الإسلامية، وأعجب به الشيخ محمد بن فتح الله بدران أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر ونشرته في مجلة نور الإسلام.
وكتب رسالة الماجستير عن القاديانية وطبعها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر.. كما طبعت مرتين بعد ذلك.
وبعدها أصدر رسالة الدكتوراه عن ((الدعوة الإسلامية في غرب إفريقيا وقيام دولة الفولاني)) ثم كتب مؤلفات دراسية منها ((فصول في الدعوة الإسلامية)) و((من نبع المرسلين)) واشترك في عمل كتاب في الثقافة الإسلامية مع مجموعة من الأساتذة.
أما كتاباته المنشورة في الصحف والمجلات فهي كثيرة. كان يكتب مقالاً شهريا في مجلة ((الدوحة)) في عهدها الأول قبل التوقف في نهاية الثمانينيات، وكتب سلسلة مقالات عن القبائل التي قامت بنشر الإسلام في غرب إفريقيا، وتقدم بها في الترقية من أستاذ مساعد لأستاذ بكلية الشريعة بجامعة قطر، وتضمنت مقالات عن ((الفولاني)) وعن ((الهاوسا)) وعن ((أوروبا)) وعن ((تشاد)).
وقبل الترقي لدرجة الأستاذية تقدم الشيخ بـ 21 بحثاً ما بين كتاب وبحث ودراسة للحصول على هذه الدرجة التي نالها باقتدار عام 1985.
وللشيخ أبحاث كثيرة مخطوطة أو منشورة في مجلات ولم تطبع في كتب منها:
• أبو الأعلى المودودي وجهاد نصف قرن في الإسلام، وكان أول بحث يعد عنه بعد وفاته
• الجيلاني قصة مجاهد إسلامي كبير
• أبو حامد الغزالي
• بلاغ مكة.. وقفة مع النفس والأحداث
• الإعلام الإسلامي في ميثاق جاكرتا
• بحث مطول عن الجامع الكبير للسيوطي
• المسجد ودوره الحضاري في دولة قطر
• المسائل المهمة التي يحتاج إلى معرفتها أهل السودان
- ما يعرف الآن بدول غرب إفريقيا لأمير المؤمنين الشيخ عثمان دان فودي
• الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني
• المواطن القطري والتربية الإسلامية نهجا وتطبيقا
جامع إسحاق مسجده المفضل
روى فضيلته كيف جاء إلى الدوحة فقال: خلال مناقشة رسالتي للدكتوراه التقيت بأخي وأستاذي د. يوسف القرضاوي الذي تربطني به صلة زمالة وأخوة ومحبة في الله منذ كنا طلابا لمدة أربع سنوات بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر ويومها عرض علي فكرة المجيء إلى قطر، قلت له: إن أمامي ثلاث سنوات لا بد أن أمضيها مدرسا بجامعة الأزهر حتى يحق لي الابتعاث للخارج، قال: استقل ونتعاقد معك مباشرة، قلت له: إن من حق الجامعة التي منحتني شهادة الدكتوراه أن أوفي لها حقها.. وبعد أن أمضيت المدة المحددة للتدريس بجامعة الأزهر أصبحت الفرصة سانحة أمامي للابتعاث للخارج.
وذكر فضيلته أن الفرصة تهيأت له للسفر إلى السعودية لكن الأقدار شاءت أن يتم السفر إلى قطر.. وفي تفصيل ذلك يقول: جاء إلى القاهرة أحد الأساتذة الأفاضل وكان عميداً لإحدى الكليات بالسعودية، ولأني أعطيت د. يوسف وعداً بالسفر إلى قطر، اعتذرت للأخ السعودي، قال لي: سأستأذن الشيخ يوسف في ذلك، قلت له افعل.. فلما خاطب د. القرضاوي في ذلك رفض الإذن له بالتعاقد معي.
وأضاف الشيخ قائلا: واعتذرت للأخ السعودي، وشاء الله عز وجل أن آتي إلى الدوحة عام 1978.. وجئت إليها متعاقداً للتدريس في كلية الشريعة والقانون وما زلت بها حتى تقاعدت.
رحلة د. عبد الظاهر مع المنبر تحتل جزءاً كبيراً من مسيرة حياته الدعوية.. وقد ذكر لي فضيلته أنه بدأ الخطابة منذ كان طالبا في المرحلة الابتدائية، وكان يخطب محتسباً دون أجر في مساجد مختلفة وفي فترات متقطعة.
أول «مطوع» جامعي
حدثني الشيخ عبد الظاهر عن معلم هام من معالم سيرته الدعوية وهو الخطابة في جامع إسحاق بأم غويلينا، سألته لماذا فضل هذا الجامع عن غيره، ولماذا ظل يخطب فيه كل هذه السنوات؟
الإجابة عن تلك الأسئلة فصلها الشيخ قائلا: عندما جئت إلى الدوحة كان مدير المساجد هو الأخ أحمد الأنصاري، وكان سمعني في إحدى الخطب بجامع النور بالعباسية بالقاهرة، فلما علم بأني سأقيم في قطر عرض علي الخطابة في مسجد إسحاق.. وكان السماح لمدرس بالجامعة بالخطابة في أحد المساجد أمراً غير مألوف في قطر قبل 20 عاماً..
وكان عمل الأستاذ الجامعي في وظيفة ((مطوع)) غير مستحب.. لأن المطوع في الأعراف السائدة هنا موظف مثل خادم المسجد ومؤذن المسجد وإمام المسجد.
وكان خطباء الجمعة من ((المطاوعة)) لهم منهج وتقليد في الخطبة لم ألتزم به، واتبعت منهجا عصرياً في الخطابة، وقد شجع ذلك باقي زملائي أساتذة الجامعة للخطابة في المساجد القطرية.
منذ ذلك الوقت فضلت الخطابة في جامع إسحاق ولم أحب الانتقال لغيره من المساجد..
وقد عرض علي ذلك، فرفضت لأن المسجد في رأيي يشبه الجامعة، ولو تنقلت من مسجد لآخر فسوف ينصرف الجمهور عني وسأظل أكرر في موضوع واحد أربعة أسابيع.. أما في المسجد الواحد فأنا ملتزم بالتغيير والتجديد في الخطبة حتى لا يمل الجمهور