الشيخ حسن عبدالله العفالق (رحمه لله)

قَدمتُ إلى المملكة العربية السعودية منذ زُهاءَ عُقُودٍ أرْبَعٍ قضيتُها في ربوعها المعطاءة كانت من أزهر أيام حياتي وأكرمها عطاءً وقِطافاً حفظ الله بلاد الحرمين وأدام عليها نِعَمَهُ وأسبغ عليها دواماً فضلَهُ إنَّهُ سميعٌ مُجيب.

وقد استقرَّ بي المقام في هَجَرٍ في واحة الأحساء حيث تعاقدت مع الحرس الوطني السعودي عام 1402هـ زاده الله رِفْعَةً ومِنْعَةً ،أجل تعاقدت كطبيب أسنان حيث كنت أعالج منسوبي الحرس الوطني وأهالي الأحساء وقد نشأت بيني وبين أهل الأحساء ورجالاتها علاقاتٌ مُتميَّزةٌ ولعل مايُميِّزُ أهل هذه البلدة الطيبة هو ذيَّاك النَّهر العظيم من المشاعر الإنسانية المنسابةُ سجيةً وطبيعةً من صدور أهلها وحناياهم أجل هذا ماعشته معهم ،ورأيته منهم ،ولمسته من تعاملاتهم وأخلاقهم ،ولعلِي أذكرهنا جاراً لي قَدِمَ إلى رحمة ربِّهِ وجِواره طيَّب الله ثراه ،وأحسن مثواه، كان نِعم الأخُ والصَّاحبُ والصَّديقُ والجارُ إنه الشيخ الفاضل حسن عبدالله العفالق رحمه الله هذا الذي قامت بيني وبينه علاقةٌ وطيدةٌ ، وصداقةٌ متينةٌ ، مبنيةٌ على الوِدِّ والاحترام ،ممهورةٌ بالتَّقدير والإخلاص ، ماشابها كَدَرٌ، ولا تخلَّلَها عَكَرٌ ، كان الودُّ فيها مرفرفاً بطيوره في واحات الجمال، وكان الاحترام فيها بساطاً مخملياً ما أُحَيْلاه وما أجمل حبكتهُ وأبهى ألوانه، وكان التَّقديرُ بيننا هواءً نتنفسه نقيَّاً عَبِقَاً في لقاءاتنا ومجالسنا، كما كان الودُّ واحةً خضراءَ مشرقةً كنخيل الأحساء لننسج بعلاقتنا الأخوية على صفحةِ الآفاق لوحةً محبوكةً بخيوطِ الشمسِ الذَّهبية المتألِّقة في رأد ِ الضحى .

أجل كان رحمه الله طلْقَ المُحيا ،خفيفَ الظِّل ،صاحبَ ودٍّ ، متميزاً بالدعابات و(القفشات) حتى أصبحت من طبعهِ، لا تغادر مجالسه ،ولا يملُّ مؤانسه ، كان كريمَ الوِفادة، طيِّب المعشر، جميل السَّجايا، دمث الأخلاق، سؤالهُ عنِّي لايفتُر، وزياراتي له لا تنقطع حتى أيامه سواءً في بيته القديم ،أو في بيته الجديد، وكذلك في مزارعه التي كان لسان حاله يقول (هي في خِدمتك) وكان هذا واقع الحال فكم وكم وكم أقمت بها من مناسبات وندوات وحفلات وكان حفل تكريمي بعد ربع قرنٍ لي في الأحساء من قِبل إثنينية النعيم الثقافية في مزرعته قرب عين الحارة كان هذا بتاريخ 12\3\1427 فيها وكانت أمسيةً من أجمل الأماسي في حياتي حيث حضرها مايقرب من مائة وأربعين من الأُدبَاء والشعراء والوجهاء من الأحساء وخارجها وكان فيها البوح للأحساء حُبَّاً وعِشقاً وأُنساً ومقاماً في أوج حالاته وكان حاضراً إذ ذاك نجله العزيز الأستاذ صالح العفالق حفظه الله كان هذا الحال في حياته واستمر هكذا الحال حتى بعد وفاته حيث أبناؤه الأكارم الذين نهجُوا نهجَه، واتبعوا خطوه ، وماتغير وُدُّهم ،ولا نقضُوا غزلَهُم ،ولم ألمس منهم إلى كل ودٍ وتقديرٍ ومحبةٍ وبر ،زادهم من فضله ،ورزقهم صلاح النِّية والذُّرِّية.

وقد كان بين الشيخ الفاضل حسن العفالق ووالدي الأديب الشاعر صلاح الدين العكاري رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته علاقةُ ودٍ، وصحبةٌ طيبةٌ، وزياراتٌ متبادلة، ومسامراتٌ ينسكب فيها الود كنهرٍ عذبٍ يروي جميع الحضور، وقد كان تعرف عليه منذ قدومي إلى المملكة حيث كان والدي دائم الزياراتِ للأحساء وقد كان الشيخ الفاضل حسن العفالق من أحبِّ وأخلصِ وأقربِ أصدقائه في الأحساء وقد زاره الشيخ حسن أيضا في الشام رحمهما الله وجمعنا بهم في مستقر رحمته.

و لازلت أذكر قصةً قديمةً معه إذ دعاني رحمه الله ذات ليلةٍ قبل أكثر من ثلاثة عقود إلى بيته القديم وإلى سهرةٍ أحسائيةٍ أدبيةٍ ممتعة وكان حاضراً فيها الشاعر الغضنفر الشيخ عبد الرحمن الحواس رحمه الله والد الدكتور طارق ونعما هو ووالده قدراً ومكانةً وعلماً وفضلاً،وقد عرفني ليلتها بالدكتور وليد الناظر طبيب الأطفال الشهير الذي يعرفه كل بيتٍ في الأحساء بعلمه، وفضله ،وإتقانه لمهنته، وكريم أخلاقه، ولما عرَّفني به قال (هذا الذي طهَّرَ هذا وليد طهر وليد) وأشار إلى ابنه وكان المقصود حينها نجله البكر الأستاذ وليد العفالق حفظه الله ورعاه وكان شاباً يافعاً ،كانت دعابة لطيفة من الشيخ ،وكانت الأمسية في غاية الأنس والبهجة.

أذكر أنه عندما طار نبأ وفاته بتاريخ 26\2\م2005 الموافق 17\1\1426 هـ كان نبأً حزيناً للكثيرين من أهالي الأحساء ومعارفه وأصحابه ومحبيه وعند تشييعه كان المسجد يعجُّ بالمودعين من المشيعين وكفاهَ شهادةً له بذلك ،وقد صلينا في نفس اليوم عليه وعلى الشيخ ناصر بن زرعة رحمهما الله وكان كلاهما من رجال الأعمال المرموقين الناجحين المتميزين في الأحساء ،وكلاهما كانت له أيادٍ بيضاء في الخير والبر والمعروف وقد كان حدثني الشيح حسن رحمه الله قبيل وفاته عن وقفه بناءً لمشروع خيرٍ وبرٍ يرعى فيه كبار السن وقد كان وسمي فيما بعد باسمه( مستشفى حسن العفالق للعناية التأهيليه )رحمه الله هو الأجل الذي لا مفرَّمنه لجميع خلقه كل بأجله وميقاته.

وكأن درساً عظيماً تجلَّى لنا وتبدَّى لمن حضر الدَّفنَ بأنَّ ساحة المنافسة الحقيقية ندَّخرها لهذا اليوم أجل ابتغاء الأخرة وهي الفاخرةأي والله أعوذ بالله من الشيطان الرجيم “وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولاتنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك “٧٧القصص فهنيئاً لمن يزرع المعروف في حياته ويترك أجمل البصمات إحساناً للناس رحم الله شيخنا الفاضل حسن عبدالله العفالق وتغمده بواسع رحمته وفضله وكل من قَدِمَ إلى رحمة ربه ممن ذكرت وأسكن الجميع فسيح جناته وتقبلهم في عليين والحمدلله رب العالمين.