الشيخ المهاجر: حسن رزوق رحمه الله

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد, وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:

 

الشيخ حسن رزوق عالم موسوعي، فقيه شافعي محدث من طبقة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة وأقرانه، لكنه كان مغموراً ، ضيعه تلاميذه وأصحابه, فلم يأخذ حظه من الترجمة والعناية ، للمحسوبية الضيقة في حلب كونه لم يكن حلبياً, وإنما هو من الريف الحموي، ولأنه يأبى أن يتحدث بغير لهجته الريفية التي تستعصي في قافها العربية على أن تتحول همزة حموية مخففة, أو همزة حلبية مفخمة, مع العلم أنه أطال المكث في حلب لأكثر من ثلاثة عقود، وتزوج امرأة حلبية من حيِّ الكلاسة.

 

ومن باب الوفاء للعلم وأهله رأيت من الواجب أن أكتب عنه, وإن لم أكن من تلامذته, بل لم ألتق به أصلاً, غير أنه من حق الأمة أن تسطر بكل اعتزاز تراجم عظمائها وكبرائها ليقتدي بهم من بعدهم، ولعل هذه الترجمة الموجزة القاصرة تدفع تلاميذه إلى استيفاء أخباره والترجمة الوافية التي تليق بمقامه العلمي.

 

صفاته وسمته:

 

الشيخ حسن رزوق عالم موسوعي، حافظ لكتاب الله عز وجل, جميل الصوت رخيمه يترنم بالقرآن، وكان موسوعة في التاريخ وأخبار الصحابة رضي الله عنهم، ويحفظ الكثير من الأخبار الاسرائيلية، وكان متميزا في علوم اللغة والأدب وحفظ ألفية ابن مالك وهو في سن التاسعة من عمره، وكان شعلة من النشاط يملئ سواد لياليه وبياض نهاره بالعمل والدعوة والتقوى والطاعة, وكان يختم القرآن في اليوم والليلة، وكان كثير الصيام ولا يفطر إلا نادراً, وكان كثير البكاء، وما كان يسأل أحداً قط, تذكرنا أحواله وعبادته بسلف هذه الأمة .

 

وأما سمته وهيئته: أبيض مشرب بحمرة، طويل القامة، مليء البدن، يميل إلى السمرة يلبس الطربوش الأحمر ويلف عليه عمامة بيضاء، ويلبس جبة تليق به غالبا ما تكون خضراء فاتحة اللون أو زرقاء فاتحة.

 

الولادة والنشأة:

 

ولد الشيخ حسن رزوق في الريف الحموي في عام 1921م، وكان والده يعرف بالصلاح والتقوى وكان يحث ولده على طلب العلم والجلوس للعلماء، وقد بشره أحد الصالحين بالشيخ وأمه حامل به، ولازم الشيخ الولي محمد أبي نصر رحمه الله منذ الصغر وأشار عليه شيخه أبو النصر بحفظ القرآن الكريم فحفظه في أقل من شهر وعمره لا يجاوز السبع سنوات، فكان يصلي في المسجد صلاة الظهر ثم يبقى فيه للحفظ إلى صلاة العصر، كما أخذ الطريقة النقشبندية من شيخه العالم الصالح الورع الشيخ محمد أبي النصر خلف الحمصي مع الشيخ موسى الحسين رحمه الله، وقد أخذ عن الشيخ موسى مبادئ علوم القرآن، وكان الشيخ حسن يذهب إليه في صغره حيث يقيم في بلدة حلفايا. وكذلك اتصل بالشيخ محمد الحامد الحموي, وتتلمذ عليه ونهل من علمه, فكان كثير الثناء على الشيخ محمد الحامد والذكر له ولابنه الشيخ محمود من بعده.

 

انتقاله إلى حلب:

 

ولعدم وجود مدرسة في حماة، بل في سوريا كلها توازي المدرسة الخسروية في حلب يمَّـم الشيخ وجهه شطر مدينة حلب للدراسة في المدرسة الخسروية، فالتحق بها وأقام بها؛ إذ كان نظام المبيت الداخلي قائما في ذلك الحين، فعكف الشيخ على دراسة العلوم الشرعية في الخسروية, ولم يكن في ذلك الوقت يُدرّس في الخسروية غير العلوم الشرعية، فلم تكن العلوم الكونية تُدّرس فيها، وحفظ في الخسروية أكثر من خمسة عشر متناً، فدرس الشيخ المرحلة الإعدادية والثانوية، وكان بنفس الصف الذي كان فيه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله، وتتلمذ على شيوخ الخسروية الكبار كالشيخ  راغب الطباخ وأجيز منه بالرواية، والشيخ عيسى البيانوني، والشيخ سعيد الإدلبي، والشيخ أسعد عبه جي وغيرهم.

 

أعماله في الخسروية:

 

بعد تخرجه في الخسروية صار مشرفا على القسم الليلي في المدرسة نفسها, وكان صاحب شخصية قوية فاهتم بالطلاب وبنظامهم, وألزمهم بالانضباط الكامل بنظام المبيت الداخلي, وكان ذو هيبة عند الطلاب, وبعد انتهاء الدوام اليومي يتابع الطلاب في القسم الداخلي للالتزام بالبرنامج اليومي كاملا فليس للطالب الخروج عن هذا البرنامج كالصلوات الخمس والقيلولة ومواعيد الطعام والمطالعة والنوم, ولم يعهد تاريخ الخسروية نشاطا كأيام المبيت الداخلي، ثم عمل الشيخ في التوجيه النهاري في المدرسة الخسروية إضافة للإشراف الليلي.

 

أعماله في التدريس:

 

درّس الشيخ في الثانوية الشرعية (الخسروية) قسم الذكور، وفي قسم الإناث في الثانوية الشرعية، وفي الثانويات العامة في مدينة حلب.

 

ومع إلغاء نظام المبيت في الخسروية انتقل الشيخ للتدريس في المدرسة الشرعية في عفرين فدرّس فيها الفقه الشافعي والخطابة واللغة العربية.

 

وشارك الشيخ في تصحيح الجزء الثاني والثالث والرابع من كتاب ((كنز العمال)) والذي قام بطباعته الشيخ عمر زيتوني صاحب مكتبة دار التراث الإسلامي، وعلّق عليه تعليقات مفيدة.

 

نشاطه المسجدي والدعوي:

 

 عمل الشيخ في مجال الإمامة في أحد مساجد حلب القديمة في مسجد أبي هريرة رضي الله عنه في الكلاسة, وكانت له حلقات علمية في جامع جمال في الكلاسة في الفقه الشافعي والتفسير, وكان خطيبا في أحد المساجد ويُقصَد لخطبته فكان من أشهر خطباء حلب فصاحة وبلاغة, ولم يكن يلحن في خطبته قط, ولعله كان الأليق به أن يكون خطيب الجامع الكبير بدلا من الشيخ زين العابدين جذبة إذ لم يكن في السبعينيات أخطبَ من الشيخ حسن رزوق وعلى اعتبار أنه لم يكن حلبياً ولم يكن محسوبا على تيار معيَّن فأهمل الشيخ.

 

ومن نشاطاته الدعوية: أنه كان يقيم حلقات خطابية للتلاميذ في مسجده يقوم على تدريبهم على الخطابة, ويحفّظهم الخطب المأثورة كخطبة حجة الوداع, وخطب الصحابة، والخطب البلاغية كخطبة قس بن ساعدة الإيادي وغيره..

 

علاقاته مع شيوخ حلب:

 

كانت علاقاته الاجتماعية ممتازة مع كل التيارات الدينية، وكان موضع قبول عند كل الأطياف لبراعته بفن التعامل، وعرف أقرانه من العلماء قدره ومكانته، فكان موضع احترام وقبول عندهم كأمثال الشيخ عبد الرحمن زين العابدين، والشيخ محمد الملاح، والشيخ عبد الله علوان، والشيخ المجاهد الشهيد محمد خير زيتوني، والشيخ أبي النصر البيانوني،رحمهم الله تعالى.

 

 وأكثر العلماء في حلب  يعرفون قدره ومكانته.

 

علاقته مع الإخوان ونشاطه معهم:

 

الشيخ حسن من شيوخ الخسروية القلة الذين تأثروا بالفكر الإخواني, ولقربه من الإخوان كان يدعى لأغلب الأنشطة الإخوانية لإلقاء الكلمات الخطابية سواء في حلب وريفها، أو في حماة وريفها, ولحفظه لكتاب الله ولعذوبة صوته وتمكنه من التجويد يُقدَّم لإمامة الصلاة وبحضور أكابر العلماء .

 

الهجرة إلى السعودية:

 

تعرض الشيخ للمضايقات الأمنية مع اندلاع أحداث الهجمة الشرسة على حركة الإخوان المسلمين في نهاية سبعينيات القرن الميلادي الماضي, وبعد أن أودع الكثير من طلابه في السجون واستشهاد عدد منهم اضطر الشيخ للسفر إلى السعودية في بداية الثمانينيات فعمل إماما وخطيبا في أحد مساجد السعودية قرابة ثلاث سنوات.

 

الهجرة  إلى الأردن:

 

انتقل الشيخ إلى مدينة عمان في الأردن، وتسلم إمامة مسجد الإمام مالك رحمه الله، لكن عطاءه كان قليلا كون تلك المنطقة هي منطقة شعبية ولم يكن فيها نسبة من المثقفين فلم يعرف الشيخ في ذلك الحي بعلمه، وعندما رأت وزارة الأوقاف الأردنية غزارة علمه نقلته إلى مسجد الحسسين في أحد الأحياء الراقية في جبل الحسين، وبقي في عمان ينشر العلم، وتتلمذ عليه مجموعة من نبهاء الطلاب.

 

تلاميذ الشيخ:

 

تتلمذ عليه الكثير من طلاب العلم أذكر منهم:

 

الشيخ محمد مجاهد شعبان ت 2000 م، وأخوه الشيخ أحمد ربيع، والدكتور محمود عكام مفتي حلب، والأستاذ فوزي إبراهيم مدرس مادة التربية الإسلامية في مدارس السعودية، والمؤرخ والمترجم محمد فوزي يوسف فرّج الله عنه، وطبيب الداخلية محيي الدين حمو المقيم في ألمانيا، والأستاذ إبراهيم خليل حمو أستاذ علوم شرعية في ألمانيا, ومحمد علي الأحمد ماجستير في العلوم الشرعية من الجامعة الأردنية في عمان، والعالم الشهيد جمال الدين الأشرفي تقبله الله تعالى، والأستاذ حسين حسن أستاذ مادة التربية الإسلامية في مدينة عفرين، والأستاذ الإعلامي الداعية إبراهيم درويش الكردي, والأستاذ المتخصص في العلوم الشرعية والأدب العربي طعمة طعمة، والأستاذ المحقق إياد الغوج صاحب دار الفتح بعمان، والأستاذ القارئ الشيخ إبراهيم الجرمي، والأستاذ الدكتور محمد العايدي من عمان، ومن تلاميذه :صهره الشيخ الفاضل محمد المحادين والذي كان له فضل في إثراء هذه الترجمة بمعلومات قيمة جزاه الله خيراً.

 

وفاته:

 

 توفي رحمه الله في عمان في 10رمضان 1422هـ الموافق 25-11-2001 قبل صلاة المغرب بقليل بعد أن اغتسل واستلقى على فراشه ودعا زوجته وأولاده وترضى عنهم، ثم أكرمه الله بنطق الشهادتين ثلاث مرات وفاضت روحه الطاهرة، وقد أوصى رحمه الله أن لا يوضع جسده في الثلاجة، وقال صهره الشيخ المحادين: كنت أشم منه رائحة المسك وهو في فراشه، وذكر أنه رأى منه كرامة ووعد أنه سيكتبها لنا لاحقاً، ودفن في عمان عليه من الله الرحمة والرضوان.

 

حرر في يوم الجمعة 20ذو الحجة 1434هـ،  الموافق: 25 تشرين الأول 2013م