الشيخ الفقيه المدرس: حسين علي كنو

 

 



المولد والنشأة:



هو العالم الفاضل الفقيه النحوي  الشيخ حسين بن علي كنو ،ولد في قرية العطشانة التابعة لمنطقة منبج عام 1958 والمسجل رسمياً 1956.


التحصيل العلمي:



درس الابتدائية في قرية المهدوم بجانب قريته، ثم انتسب إلى المدرسة الكلتاوية في حلب فالتحق فيها عام 1971 وتخرج فيها عام 1977م.

صحب فضيلة الشيخ محمد النبهان أثناء دراسته الأولى في المدرسة الكلتاوية ثلاث سنوات.

بعد أن تخرج في المدرسة  الكلتاوية عمل أميناً للمكتبة فيها عام 1978، ثم عمل موجهاً ليلياً فيها حتى عام 1981م

درس بعد ذلك فيها مادة الفقه الشافعي والحديث ( المنهل ) والمنطق والأصول والنحو .

التحق بالأزهر الشريف في كلية الشريعة الإسلامية_ عام 1977_1978 وتخرج عام 1981م

عمله :



عمل إماماً وخطيباً في العديد من مساجد حلب الشهباء، فاستلم جامع حسين فتال في باب النصر ثلاث سنوات بعد تخرجه، واستلم لأشهر جامع السيد البدوي في الأشرفية،وخطب في جامع الأبراج، وفي قرية تل كلبة.

 ومنذ عام 1981م أمَّ في جامع بان قوسا في منطقة باب الحديد في حلب الشهباء .

يعدُّ الشيخ حسين  من المدرسين المتمكنين في مادة الفقه، لايكتفي بإصدار الأحكام الفقهية وإنما يتبع الحكم بالدليل



من شيوخه :

الشيخ نذير حامد 

الشيخ عبد الرحيم الحوت
الشيخ صالح بشير
الشيخ عبد الباسط حسون
الشيخ صالح حميدي الناصر
الشيخ عبد الفتاح الشيخ
الشيخ محمود الجوهري
الشيخ عبد السلام الذهبي
الشيخ محمود فجال
الأستاذ حسان فرفوطي



كان له جلسة هو والشيخ أمين مشاعل رحمه الله مع فضيلة الشيخ نذير حامد في كتاب

" أوضح المسالك"



من زملائه في الدراسة:



أحمد العلي الفياض

محمد بشير حداد
أحمد عيدو العكلة
عبد اللطيف رشواني
عبد الله الشامي
عبد الهادي بدلة
محمد ضياء الدين ملاحفجي
محمود غزال

 

كتب عنه تلميذه النجيب الأستاذ أحمد زاهر سالم : 

 

إن العين لتدمع
وإن القلب ليحزن
وإنا على فراقك يا شيخنا لمحزونون
ولا نقول إلا ما يرضي ربنا
......
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر
فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا
شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
.....
ببالغ الأسى وعظيم اللوعة أنعى شيخنا التقي الخفي والعلامة الفقيه النحوي الشيخ حسين كنّو عن ست وخمسين عاما حافلة بالتعلم والتعليم والاستقامة والورع بعد أن اشتد به المرض... رحمه الله رحمة الأبرار وجزاه عنا أجزل جزاء وأوفاه...
ولد شيخنا رحمه الله بالعطشانة إحدى قرى مدينة منبج عام ١٩٥٨ وتخرج في دار نهضة العلوم الشرعية( الكلتاوية) بحلب عام ١٩٧٧ بعد أن دأب فيها على تلقى العلم عن علمائها المحققين ومدرسيها المتمكنين كالعلامة الشيخ محمود فجال، والعلامة الشيخ نذير حامد، والشيخ الفقيه عبد الرحيم الحوت، وشيخنا الفقيه صالح بشير الحجي والعلماء الأفاضل الشيخ عبد الباسط حسون، والشيخ صالح حميدي الناصر، والأستاذ حسان فرفوطي، ووالدي الشيخ محمدنبيه سالم، وعلماء الأزهر المصريين الأجلاء ضيوف الكلتاوية: الشيخ عبدالفتاح الشيخ، والشيخ عبدالسلام الذهبي، والشيخ محمود الجوهري.. كما تلقى السلوك والتربية عن العالم والمربي الكبير الشيخ محمد النبهان..
وأتم تحصيله العلمي برحاب جامعة الأزهر فتخرج في كلية الشريعة عام ١٩٨١ .
وهب شيخنا رحمه الله حياته للمدرسة الكلتاوية مربياً ومعلماً، فدرس فيها منذ عام ١٩٨١ إلى عام ٢٠١٢ علوم الفقه والنحو والأصول والمنطق والحديث من غير كلل ولا ملل ولا هزل ولا تهاون كل يوم دراسي مستغرقا كل الفصول الدراسية مستوفياً جميع الحصص، ملتزما بساعته الدراسية كلها متقنا لمادته، متمكناً من حل عباراتها عبارة عبارة واستحضار مسائلها وأدلتها، فدرس لنا كتاب" تحفة الطلاب بشرح تحرير تنقيح اللباب" في فقه الشافعية لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري كاملا مع مراجعة حاشية الشرقاوي عند الحاجة، ودرس لنا أكثر كتاب" الميسر في أصول الفقه" للشيخ ابراهيم سلقيني، وقرأت عليه في مسجد بانقوسا الذي كان إماما فيه قطعة يسيرة من شرح المنهاج وشرح التحرير، ودرس للطلاب شرح ابن عقيل على الألفية، وشرح السلم للدمنهوري وغير ذلك.
وصفه بعض أقرانه العارفين به بأنه مكتبة متحركة، ولقب بالشافعي الصغير..
عرف الشيخ رحمه الله بنزاهته واستقامته وتبتله في محراب العلم وانزوائه عن زخرف الحياة الدنيا وبريق الشهرة فلم يسع لمنصب ولم يتزلف لحاكم.

 افتتح في سوق الزهراوي محلاً تجارياً فكان مثال التاجر الصادق الأمين قانعاً بالربح اليسير.

عرف باستقامته وعفة لسانه ورجاحة عقله، وكان مهيباً في قلوب الطلاب معظماً في نفوسهم على الرغم من الملاطفات التي تظهر منه دون تكلف بين الحين والآخر.

أبكيك يا شيخي الحبيب...
أبكي فيك العلم الجم من غير تنفخ ولا دعوى..
أبكي فيك الصبر والدأب على التعليم والتدريس من غير كلل ولا ملل..
أبكي فيك الأخلاق العالية والنفس الشريفة واليد العفيفة..
أبكي فيك العطاء من غير منّ والحب من غير شكوى ..
رحمك الله رحمة الأبرار الأخيار وفسح لك في قبرك ونور ضريحك وجعله روضة من رياض الجنة ويمن كتابك ويسر حسابك وألهمك حجتك وألحقك بعباده الصالحين المخلصين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين..
اللهم إني أشهد أن عبدك حسيناً كان محباً لك ولرسولك صادقا تقيا نقيا باذلا روحه ونفسه لنشر دينك وتعليم شريعتك اللهم فتقبل ذلك منه بقبول حسن وأعل في الجنة درجته واخلفنا منه بصالح وبارك في نجليه الشيخ محمد ضياء الدين والشيخ محمد بهاء الدين وصبرهم وسل قلوبهم واجعلهم خير خلف لخير سلف يا سيدنا ويا ربنا ويا غاية رغبتنا ومنتهى آمالنا

 لا إله إلا أنت...

وكتب عنه تلميذه الشيخ ياسر مصطفى يوسف بعنوان :

شيخ آخر جليل فقدناه

 

جاءني نعيه من حلب ، وورد عليَّ خبر رحيله عن دنيانا في مدينة أبي فراس وعمر أبو ريشة ( منبج ) ، فاكتنفني حزن أسود كئيب ، وأمض نفسي وجد على فراقه لا يوصف ، وغشاها ما غشى ، وكيف لا ؟ وفقد الاحباب من أكبر المصاب!!!

 وَكُلُّ مُلِمّاتِ الزَمانِ وَجَدتُها *** سِوى فُرقَةِ الأَحبابِ هَيِّنَةَ الخَطبِ

رحل شيخنا الفقيه الكبير ( حسين علي كنو ) بعد حياة لم يخل يوم من أيامها من إفادة فقه أو استفادة علم .... رحل بعد أن نشر فقه الشافعي في حلب عبر تخريج طلبة كثر من ( دار نهضة العلوم الشرعية) ، ومن حقه عليَّ – وأنا واحد من تلاميذه – وعلى الأجيال التي نهلت من علمه ، ومن أوجب الواجبات علينا أن نشيد بمآثر هذا العالم النابه والفقيه الكبير .

وليس الفقه وحده تعلمناه منه ، بل الأصول ايضاً ، واللغة ، ناهيك عن حاله الذي يعلم من خلاله، ويلقي عبره بدروس لا تنتهي في الجدية في طلب العلم ، والإخلاص ، وصدق القلب ، وكثرة التحصيل ، وزيادة المخزون الفقهي والثقافي .

ولعل الشيخ حسيناً – أو القاضي حسيناً كما كنت أسميه تيمناً بالقاضي الشهير الشافعي صاحب التعليقة المشهورة في الفقه الشافعي (ت462هـ) – أحد الأساتذة القلائل الذين كانوا يُنهون المنهاج المقرر قبل أوانه ، كل هذا بإتقان وتوضيح قلَّ نظيره.

وبرغم نُدرة مساحة الراحة والمرح والهزل في دروسه ، إلا أنه كان يمزج بعض المسائل الفقهية الجافة بشيء من أسلوبه المرِح اللطيف ؛ فيرسم الابتسامة على وجوهنا ، ويبعث النشاط في نفوسنا؛ فنقبل على الفقه من جديد بروح وثابة ورغبة قوية .

وكان لا يفتؤ يشحن قلوبنا بحب العلم ، ولم يكن تشجيعه يقتصر على التركيز على الفقه والتعمق في مسائله وقضاياه ، بل كان يركز أيضاً على اللغة العربية ، وكان مما قاله لنا ذات يوم : ( إذا مملتُ من قراءة الفقه ، تفكهت – أي تناولت فاكهة – وأرحت نفسي بعلم النحو ، وقرأت في كتبه ، ولا يغادرني شرح قطر الندى لابن هشام في أي حال من أحوالي).

وحينما كان يجري لنا اختباراً شفهياً كان يذهب إلى الفهرس ، وفهارس الكتب الفقهية القديمة وخصوصاً كتب مطبعة مصطفى البابي الحلبي رحمه الله فهارس مختصرة جداً ، تحتوي على الكتب والأبواب فقط دون العناوين الفرعية ، ويروح يلقي أسئلته علينا كما لو كان يمر على المسائل الفقهية في أبوابها من الكتاب كلاً على حدة .

ولما أصيب أحد زملائنا بفقر دم شديد، ولج عليه مهجعه شيخنا حسين ، وبيده كعك سخَّان وعلبة لبن ( روب ) كبيرة ، في صورةٍ أكبرناها جميعاً ، وعرفنا يومها أن شيخنا ليس مجرد شيخ فقط ، بل وأب كبير .

وكنا إذا دخل شهر ربيع الأول زيَّنا الصفوف بأنواع الزينات ، وأعددنا القصائد التي تتغنى بمولد سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام ؛ لنلقيها أمام المدرسين احتفاء بصاحب الذكرى عليه الصلاة والسلام ، وربما مر الدرس كله دون أن نفتح كتاباً مجاراةً من المدرس لتلاميذه ، ومشاركة منه في حب الحبيب صلى الله عليه وسلم ، ولكن الشيخ حسيناً لم يكن ليرضخ لمثل هذه التصرفات ، فكان إذا ما دخل علينا الفصل في شهر الربيع قطع على من يريد الإنشاد إنشاده، ومنع قائل الشعر من إلقاء شِعره ، وأمر بمتابعة القراءة من حيث انتهينا في الدرس الماضي .

كانت آخر مرة رأيته فيها في مطار حلب الدولي عام 2004م، فقبلت يده ، ونقلت إليه تحية تلاميذه له في الكويت ، ودعائهم له أن يجزيه الله عنا خير الجزاء ، فسر بذلك أيما سرور ، وحملني تحية بمثلها وأحسن إليهم .

لن أفي شيخنا أبا ضياء حقه ، مهما دبّج يراعي، وسطّر قلمي، وكيف وأنا ذو البيان القاصر والنمط الضعيف ، وهو من هو في علمه وأدبه وخلقه .

رحمك الله شيخنا أبا ضياء ... وجزاك عنا ربنا خير ما جزى شيخاً عن طلبته ، وأستاذاً عن تلامذته.

ابنك المكلوم

ياسر مصطفى يوسف

الكويت 2-6-2014م.

وأقام الأستاذ الفاضل عبد الله نجيب سالم  مجلس عزاء للفقيد في بيته بالكويت ، وكتب تعليقا على كلمة ابن أخيه أحمد زاهر: "رحم الله الشيخ حسين وأحسن مثوبته وطيب مدخله، وحشره مع الصالحين تحت لواء سيد المرسلين ... وشكرا للشيخ احمد زاهر على هذه الترجمة المختصرة .

 أتمنى عليه أو على غيره من طلبته وتلاميذه أن يكتب أحدهم ترجمة وافية ضافية مفصلة عنه ... وذلك لتوثيق سيرته العطرة وحياته الحافلة . وهل ترك أثرا مكتوبا أو رجح مسألة خالف فيها غيره من الباحثين . إضافة إلى بعض خطبه وآرائه الفكرية والاجتماعية مع وصف حليته وأسرته وموطنه ومسكنه ونحو ذلك مع الصور والوثائق الخاصة به ... لينهض بعض لذلك البررة جزاكم الله خيرا".

 

توفي الشيخ بحلب يوم الأحد 3 شعبان 1435 رحمه الله وأثابه رضاه .