الشيخ العظيم

نسبه ومولده:

هو محمد بن حجي مصطفى- رحمه الله -، أمه عائشة و أبوه حجي مصطفى أفندي، وهو كردي، ولد عام ١٨٩٦م، بقرية الأرطان في أديامان التركية. وقد تزوج بـ "غنيمة" التي هي ابنة معلمه "حجي عمر أفندي"، وأنجبت منه.

نشأته وتحصيله للعلم:

ظهرت علامات النجابة عليه صغيراً، كما تميّز بقوة الحفظ وطلاقة اللسان، فحفظ القران كاملاً في صغره، ودرس علم الصرف والنحو والبلاغة على يد أبيه. 

ظل الشيخ محمد سعيد الأرطاني طوال إقامته في أديامان متابعا للثقافة العربية الإسلامية، و الشعراء العرب، والعلماء العرب؛ وقد قام الشيخ الأرطاني برحلات متعددة في سبيل نيل العلم فارتحل إلى سوريا، وفلسطين والأردن و المملكة العربية السعودية، والتقى في رحلاته كثيرا من العلماءـ و ناقش معهم مواضيع و علوم متعددة، وأخذ منهم العلوم الإسلامية لاسيما من "الشيخ خالد النوراني" الذي أخذ عنه الإجازة العلمية؛ ثم انتسب إلى الطريقة النقشبندية الخالدية ، وقد لفتت موهبته العلمية و التصوفية شيخه الشيخ خالد النوراني.

تعلم الكثير من اللغات العالمية ومنها اللغة التركية و العربية و الكردية و الفرنسية و الفارسية و الألمانية و الروسية، وبعد مدة من الزمن التي نهل خلالها من ينابيع المعرفة المختلفة، ألف بعض الكتب في العلوم الإسلامية، ففسر بعض الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية و علق على بعض الكتب المتعلقة بالدين.

نشاطه الدعوي: 

بعد إتمام دراسته العليا في "قراجاداغ " أصبح مَعْلَما ومرشدا وواعظا ومدرسا في مسجد قريته "الأرطان"، وله كثير من الأتباع الذين اقتدوا به، كما قدم دروسا في التفسير مع سيده "مهاجر حجي محمد أفندي".

كانت أعظم خصلة فيه تمكنه من العلوم الإسلامية، متبعا في الفقه مذهب الحنفية، كما عرف عنه قوة العقيدة، وشدة العاطفة، رحيماً بكل من حوله، حتى صار يلقب عند أتباعه باسم "باويكو" أي: "أبونا".

اشتهر بين الناس بطاعته لله عز و جل، و إتباعه للسنة النبوية، وقد تخلق بخلق النبي صلى الله عليه وسلم، واعتقد اعتقاد أهل السنة والجماعة. 

كان لسانه فصيحا، ونطقه سلس، وجلي ومؤثر، مما مكنه من أن يدافع عن شريعة الله بالرغم أنه عاش في فترة علمانية منع فيها الأذان، و التعليم القرآني، و استعمال اللغة العربية في كتابات العلماء؛

ومن كراماته أنه كان يعلم بحضور مسافريه قبل حضورهم و لأي شيء حيث صار ذو حكمة.

ذهب في السنة ١٩٦٨ م إلى مكة لأداء الحج. 

شجاعته في الصدع بكلمة الحق:

في بداية إعلان الجمهورية التركية تعرض لضغط من جانب المؤسسة الرسمية التركية، لكن رغم ذلك لم يتوقف عن الدعوة إلى الله، كيف لا والله تعالى يقول: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، فعلى سبيل المثال ذهب في سنة ١٩٢٥م إلى أديامان ليستشير مفتي أديامان حجي محمود أفندي في بعض الأحكام، حيث خرج في سنة ١٩٢٥ م تاركا عمامته و ارتدى بدلا منها القبعة بضغط الحكومة، وقبل ارتداء القبعة استفتى مفتي أديامان المعروف بالقَرَه مُلّا: هل يسمح لي أن أرتدي القبعة؟ فأفتاه قائلا: (عليك الآن أن تعيش لغاية هي إرشاد الناس لأنهم محتاجون لإرشادك و وعظك، قم وارتد القبعة) وقتها أخذ بتوجيه المفتي. 

كانوا الناس يلجؤون إليه بدون حيلة، فيسألونه، وهو يجيبهم. 

وبعد إعلان الحكومة العلمانية بدأ التعذيب والمنع و الظلم يطال العلماء والدعاة، فكان من بين من تعرض لكل تحقير و تحجير و منع. 

كتاباته:

عاش في فترة ما بعد سقوط الدولة العثمانية لكن بالرغم من الموانع الحكومية همش على بعض الكتب بهوامش مهمة في ظروف صعبة، ومن إنتاج الشيخ محمد سعيد: تفسير سورة الفاتحة، والمؤمنون، وفاطر، كما فسر أسماء الله الحسنى في بعض السور.

وقد حاول أن يكتب عن أوائل من دونوا الأحاديث الشريفة في معلقاته، كما كتب في علم الحديث و أقسام الحديث، وقيد على كتاباته حياة أئمة الحديث.

وفي علم التجويد علق وشرح قواعد التجويد.

وإذا جئنا إلى اللغة نجد مساهمته بكتاب الأمثلة في اللغة العربية، والتي شرحها بالتركية.

وفي المواعظ والرقائق كتب النصائح المهمة لأتباعه، وشرح بعض الأحاديث الشريفة و أقوال الأولياء و العلماء المسلمين.

ومن المؤسف أن مؤلفات الشيخ سعيد ليست مطبوعة، بناء عليه بقيت أفكاره و أقواله في معلقاته فقط التي كتبها، وهوعلى قيد الحياة.

وفاته: 

كان الشيخ محمد سعيد مريضا في أواخر حياته، يعاني من القصور الكلوي، و مرض البروستات، لينتقل بعد تلك المعانات مع الأمراض إلى جوار ربه جل في علاه في 23 من شهر شباط سنة 1982م رحمه الله رحمة واسعة.