الشيخ الصالح محمد ولي

1357 ـ 1421 هـ

1938 ـ 2000 م

 

الشيخ محمد ابن الشيخ عبد القادر ابن الحاج ولي الأنطاكي ثمّ الحلبي.

عالم عامل، وصوفي صالح، ملتزم بالشرع الحنيف.

ولد الشيخ محمد في مدينة (أنطاكية)، سنة: سبع وخمسين وثلاثمئة وألف للهجرة، الموافق: للحادي والثلاثين من شهر كانون الثاني، عام: ثمان وثلاثين وتسعمئة وألف للميلاد، وهاجر به والده وهو طفل لم يتجاوز السنة الأولى من عمره إلى مدينة حلب، فراراً بدينه من ظلم الاتحاديين العلمانيين الذين استولوا على مقاليد الحكم في لواء اسكندرون، ونشأ المترجم له في أحضان أسرة كريمة عرفت بالعلم والتقى والصلاح، فوالده الشيخ عبد القادر أحد العلماء العاملين المعروفين في المدينة وتلقى تعليمه الأولي على والده الشيخ عبد القادر، ولما أتمّ دراسة المرحلة الابتدائية في مدرسة حسان ابن ثابت الحكومية، انتسب إلى معهد العلوم الشرعية المدرسة (الشعبانية) بحلب، طالباً للعلم، وهناك التقى خيرة شيوخ حلب حينئذ، وأخذ عنهم مختلف العلوم العربية والشرعية، فأخذ علم النحو عن العلامة الشيخ: عبد الرحمن زين العابدين، والشيخ محمد سامي البصمجي، ودرس علم الصرف على شيخه الشيخ محمد معدل، والبلاغة على شيخه الشيخ: مصطفى مزراب، والشعر والأدب والعروض على شيخه الأديب الشيخ بكري رجب، والشيخ أمين الله عيروض، أما علوم القرآن الكريم تلاوة وتجويداً، فقد أتقنها على شيخه شيخ القرّاء في حلب العلامة الشيخ محمد نجيب خياطة، والحافظ المتقن الشيخ مصطفى سرميني، والشيخ عمر العنداني، وأخذ علم التفسير على شيخه الشيخ طاهر خير الله، وعلم التوحيد والمنطق على شيخه الشيخ محمد زين العابدين الجذبة، وقرأ الفقه الشافعي على شيخه الشيخ أحمد قلاش، والشيخ محمد الغشيم، ودرس أصول الفقه على شيخه الشيخ عبد الرحمن زين العابدين، والشيخ محمد أسعد العبه جي، وأخذ علوم الحديث الشريف ومصطلحه على شيخه العلامة الشيخ عبد الله سراج الدين، وقرأ علم الفرائض على شيخه الشيخ محمد نجيب خياطة، والشيخ محمد بلنكو، كما تلقى الشيخ المترجم له في هذه المدرسة علوم الأخلاق والشمائل والحساب والجغرافيا وغيرها من العلوم على أساتذته الكبار، أمثال الشيخ محمد أديب حسون، والشيخ علاء الدين علايا، والشيخ أحمد أبو صالح، والشيخ حامد هلال، والأستاذ محمد نجيب جبل( )، وغيرهم من العلماء الأجلاء، وتابع الشيخ المترجم دراسته في هذا المعهد المبارك إلى أن تخرج به.

وكانت له غرفة في جامع الإسماعيلية يأوي إليها ويراجع دروسه فيها، وكان يلتقي فيها بالشيخ أحمد شهيد ويأخذ عنه ويتفقه به، كما التقى في هذه المدرسة بالشيخ محمد الشامي وقامت بينهما علاقة حبّ وودّ.

وفي هذه المرحلة تعرف إلى الشيخ عبد الله زين العابدين، الذي كان له حال خاص من الجذب، فتأثر به بعض التأثر، ولكن شيخه الشيخ محمد النبهان استطاع أن يرده إلى طريق العلم، ونصحه بقوله: (يا ولدي أنّ الله ألبسك ثوب المحبة فحافظ عليه، يا ولدي خذها من طريق العلم، ولا تأخذها من طريق الجذب، فإن أخذتها من طريق العلم، تفيد نفسك وغيرك، وإن أخذتها من طريق الجذب لا تفيد إلا نفسك)( )، وعمل الشيخ المترجم بنصيحة شيخه وازداد به تعلقاً، وكان الشيخ محمد النبهان يناديه بقوله: (يا ولي الله)( ).

وكان الشيخ المترجم قد أخذ الطريقة النقشبندية عن شيخه الشيخ محمد النبهان، وظل محافظاً على أورادها وأذكارها، مع التزامه التام بالشريعة الإسلامية ووقوفه عند حدودها، وقد شهد له بالفضل والصلاح الكثير من علماء عصره وشيوخهم( ).

بعد تخرجه انصرف للعمل بالدعوة إلى الله، فعمل إماماً وخطيباً في عدداً من مساجد المدينة وجوامعها، كجامع الحدادين، وجامع بانقوسا، وجامع ميسلون، وجامع الصديق، وجامع النور، وغيرها من جوامع المدينة، كما كانت له دروس لطلاب العلم في الإعدادية الشرعية بعفرين( )، وكان لدروسه وخطبه تأثير واضح في الناس وذلك تنيجة إخلاصه وصدقه في الدعوة إلى الله.

وكان للشيخ ميل كبير للسياحة والسفر، فقد سافر عام :1965 م إلى بلاد الحجاز لأداء فريضة الحج، وهناك التقى عدداً من العلماء منهم السيد الشيخ أمين الكتبي، واجتمع عنده بالشيخ علي البوديلمي، شيخ (الطريقة الشاذلية)، وأخذ عنه (الطريقة الشاذلية)، والإجازة بأورادها وأذكارها، وفي عام: 1975 م سافر إلى برلين في المانيا الغربية بدعوة من المركز الإسلامي، وألقى في جامعة برلين عدداً من المحاضرات، ومنحه مجلس الجامعة شهادة الدكتوراه الفخرية، كما كانت له رحلات متعددة إلى تركيا موطنه الأول.

ترك الشيخ من المؤلفات كتابين هما:

1- كتاب أسماء الله الحسنى وخواصها.

2- جالية الكرب في التوسل بأصحاب سيد العجم والعرب (التوسل بأهل بدر الكرام).

جميل الطلعة، منور الشيبة، واسع العينين، يبدوا عليه وقار العلماء وسمت الصالحين الأتقياء، يزين رأسه بعمامة بيضاء.

نقي الطوية، صافي السريرة، عظيم الحبّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وآل بيته الطاهرين وأصحابه الكرام الغر الميامين، يكثر من الصلاة عليه بصيغ تعلمها من شيوخه، لا يحمل حقداً أو غلاً على أحد، يكره الغيبة والنميمة، ولا يرضى بها في مجلسه، صادق الحديث، يحب في الله، ويكره في الله، حلو الحديث، لطيف المعشر، آلف مألوف، كريم النفس واليد، يحب إخوانه ويكرمهم، ويعد لهم أطايب الطعام بيده، ويقوم على خدمتهم بنفسه.

ظلّ المترجم له على سمته وعبادته وأخلاقه إلى أن أدركته المنية، وهو يردد هذه الصيغة من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: (الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله أدركني، قلت حيلتي، أنت وسيلتي، أدركني)، ثمّ فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها، عصر يوم الثلاثاء، الثاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة: إحدى وعشرين وأربعمئة وألف للهجرة، الموافق: للثاني والعشرين من آب عام: ألفين للميلاد، وحزن عليه أهله وإخوانه من العلماء وطلاب العلم، وشيعوه بجنازة حافلة إلى مقبرة الشيخ جاكير الوسطى، ودفن هناك. - رحمه الله -

المصادر والمراجع

1- ترجمة خطية تفضل بها نجل المترجم له الشيخ علي ولي حفظه الله.

2- مقابلة شفهية مع الشيخ علي ولي نجل المترجم له.

3- مقابلة شفهية مع عدد من إخوان المترجم له وتلاميذه.

4- مقدمة كتابه جالية الكرب.

5- مذكرات المؤلف ومعرفته الشخصية بالمترجم.

----------

(1) انظر ترجمات شيوخه في مكانها من الكتاب.

(2) عن ترجمه تفضل بها نجل المترجم الأستاذ علي ولي حفظه الله.

(3) المصدر السابق.

(4) نذكر منهم: الشيخ محمد النبهان والشيخ أحمد الحارون الدمشقي والشيخ محمد الهاشمي وكلهم شهدوا له بالولاية، (المصدر السابق).

(5) شاركته التدريس في هذه المدرسة، وكان معنا الشيخ حسن رزوق، والشيخ أحمد جاموس، الشيخ عبد الرحمن الحجي، والشيخ عبد الغفور الكردي، في أوائل السبعينيات من القرن المنصرم، (المؤلف).