فجعت الأمة الإسلامية صباح اليوم بوفاة مجيزنا العلامة الكبير والمفسر الشهير والفقيه الداعية المجاهد المعمر بقية السلف وزينة الخلف وفخر حلب وقدوة الثائرين وإمام الصادعين بالحق في وجه الظالمين الشيخ محمد علي الصابوني الحلبي الأشعري الحنفي الأزهري بمدينة يلوا التركية عن ثلاث وتسعين سنة هجرية وإحدى وتسعين سنة ميلادية قضاها في التعلم والتعليم والتدريس والتأليف والدعوة إلى الله تعالى ومقارعة الطغاة والثبات على الحق..
وبعض العلماء وإن كانوا من المكثرين من التأليف يشتهرون بأحد مؤلفاتهم.. ومولانا الصابوني من هؤلاء فقد عرف واشتهر بكتابه الذي شرق وغرب وكتب الله له القبول والنفع:(صفوة التفاسير) فأجزل الله مثوبته وأعلى في العلماء الربانيبن درجته.
وسر انتشار صفوة التفاسير أنه كتاب علمي منهجي مرتب محقق يفيد العامة ويمتع الخاصة جمع بين الأصالة والمعاصرة واللغة والبلاغة والآثار والعبر والفوائد والفقه وانتقى فوائده من عيون كتب التفسير وأن الشيخ رحمه الله باعه لله تعالى وادخر أجره عنده ولم يتكسب به فقد اتفق مع المحسن الفاضل حسن عباس الشرابتلي على أن ينفق على طباعته ونشره بأعداد كبيرة دون أن يتقاضى الشيخ على ذلك نسبة ولا مبلغا مقطوعا مما يدل على إخلاص الشيخ وصدقه في نصرة الدين ونشر العلم الشريف.
ولد الشيخ بحلب سنة ١٩٣٠ ونشأ في بيت علم وتلقى علومه الأولية هو وأخوه الأكبر العالم اللغوي شاعر طيبة الشيخ محمد ضياء الدين عن والدهما العلامة الشيخ جميل الصابوني وفي المدرسة الخسروية العريقة وعلى أيدي أساتذتها الكبار العلماء النحارير حصل الشيخ الصابوني العلوم فأخذ عن الشيخ محمدسعيد الإدلبي وراغب الطباخ وأحمد الشماع ومحمدزين العابدين ونجيب خياطة وأسعد العبه جي ومحمدالسلقيني وناجي ابو صالح وعبدالله حماد وغيرهم من الاجلة البدور كالشيخ نجيب سراج الدين حتى تخرج متفوقا سنة ١٩٤٩ ثم أكمل تعليمه في مرحلة الليسانس مبتعثا من وزارة الأوقاف في كلية الشريعة بالأزهر الشريف وأكمل دراسته العليا في تخصص القضاء الشرعي سنة ١٩٥٤ ثم عاد ألى حلب مدرسا في ثانوياتها ومساجدها وجاء مصر للحصول على الدكتوراه سنة ١٩٦٠ فلم يتيسر له ذلك بسبب الأحوال السياسية.
ولما عرف بتمكنه العلمي انتدب من وزارة التربية بسوريا للعمل في التدريس بجامعة أم القرى بمكة المكرمة فمكث فيها ثمانية وعشرين عاما مدرسا لعلوم التفسير والمواريث وعلوم القرآن وآيات الأحكام.
ولما سطع نجمه وانتشرت بعض مؤلفاته كالصفوة ومختصر تفسير ابن كثير ورأى بعض مشايخ المملكة تمسكه بالمنهج العلمي الذي تلقاه عن مشايخه ودفاعه عن علماء الأمة ومفسريها ومحدثيها من الأشاعرة شنعوا عليه وحذروا من كتبه فثبت على ما يراه حقا وضرب مثلا للأدب مع أسلافنا والذود عنهم وللثبات وعدم الالتفات إلى محاولات الاغتيال المعنوي فرد على من رد عليه ونافح عما يعتقده حتى خرج من الجامعة والتحق بمركز إحياء التراث والبحث العلمي وعمل على تحقيق كتاب معاني القرآن لأبي جعفر النحاس رحمه الله ثم عمل مستشارا لهيئة الإعجاز العلمي بضع سنين ثم تفرغ للتأليف فأخرج بعد ذلك وقبله مؤلفات عديدة من أهمها: (صفوة التفاسير)
(مختصر تفسير ابن كثير)(روائع البيان في تفسير آيات الأحكام)(من كنوز السنة دراسة أدبية ولغوية)(التبيان في علوم القرآن)(النبوة والأنبياء)(مختصر تفسير الطبري)(المواريث في الشريعة الإسلامية)(سلسلة الفقه الإسلامي الميسر)(قبس من نور القرآن الكريم)(التفسير الواضح الميسر)(المقتطف من عيون التفسير للمنصوري)(مختصر روح البيان) وله كتب أخرى بلغت الخمسين.. وحقق كتاب (فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن) للشيخ زكريا الأنصاري وغيره..
واهتم مؤخرا بشرح السنة النبوية فشرح (صحيح البخاري) بأسلوب يناسب العصر وطبعه وكذلك شرح بقية (الكتب الستة) وقرّبَها إلى الأمة وشرح (رياض الصالحين) فكان حقيقا باللقب الذي اختاره لنفسه وأهلاً له: خادم الكتاب والسنة.. وبعض مؤلفاته في مجلدات..
أكب الشيخ على التأليف بهمة قعساء وسجل تفسير القرآن للتلفاز السعودي في ستمائة حلقة فأتمه سنة ١٤١٩ ودرس التفسير في بعض مساجد جدة لطلاب العلم واختير شخصية العام الإسلامية سنة ١٤٣١ بجائزة القرآن الكريم بدبي تقديرا لجهوده في التفسير .
عاش الشيخ أكثر عمره المديد مهاجرا محروما من بلده بسبب جرأته في قول الحق ومواقفه الثائرة..وكان أول رئيس لرابطة العلماء السوريين.. وأقام مؤخرا بتركيا إقامة تامة فوقف بها بيته ومكتبته لطلاب العلم.
ولما قامت الثورة السورية كان أحد كبار العلماء المؤيدين لها تأييدا صريحا شعلة نشاط في نصرتها سنوات عديدة على الرغم من تجاوزه الثمانين حتى أقعده المرض قبل ثلاث سنوات تقريبا.. فأقام الحجة على كل متشكك في شرعيتها متهم لها بالغلو والعمالة والانحراف عن سنن الشريعة.
رحم الله الشيخ الصالح التقي المنوَّر المعلِّم المربي المحقق المستغرق عمره المديد في طاعة الله وتفسير كلامه وشرح كلام حبيبه عليه السلام ..وأقدم أحر التعازي لأبنائه وأقاربه وأهله وأصهاره وأخص منهم ابنه البار خادمه ومرافقه الشيخ أنس وصهره الدكتور الفاضل د.محمد بشير حداد .
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول