الشيخ أحمد قسام

أبرز أعلام الدعوة وتدريس العلوم الشرعية في جبلة

لا يزال منبر جامع المنصوري في جبلة يبكي خطيبه الرائع المفوه الفصيح، ولا تزال الدعوة في المدينة السورية الساحلية تفتقد أحد أبرز أعلامها النجباء في القرن العشرين، ولا تزال أجيال كثيرة من أبناء (الأدهمية) تستعيد شخصيته الأنيقة الهادئة المحببة الآسرة، ...فالمربي الفاضل والمدرس القدير الشيخ أحمد قسام الذي نشأ في بيت عريق عرف بالعلم والتقى والورع، وأنجب العديد من العلماء وفي مقدمتهم عمه الشيخ الشهيد عز الدين القسام ووالده الشيخ فخر الدين وشقيقه العالم الشيخ محمد أديب القسام، كان يتمتع بإسلوب جميل وجذاب في الخطابة، يدعو فيه الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، ويدخل من خلاله القلوب والأفئدة، كما كان يتميز بطريقة فريدة في التدريس، حيث لايزال طلبته الذين نهلوا من يديه مقررات مادة التربية الاسلامية في مدارس جبلة، يحملون في ذاكرتهم حديثه الثري والقوي وإلقائه الممتع الساحر الذي كان يعرض من خلاله القضايا الفقهية بطريقة سلسلة ومبسطة ومريحة. وعندما توفي عام 1986 عن عمر ناهز 53 عاماً كان لوفاته رنة أسى وحزن لدى كل من عرفه وأدرك قدره ومكانته، لما يتصف به من إخلاص وورع، ولما يحمله في قلبه من صبر على النصح والارشاد وتوجيه الناس للخير وحثهم على اتباع منهج الدين الصحيح والقويم، فقد كان الداعية الخفيض الصوت، اللين الجانب والسهل الطبع، الخلوق المتسامح، يحب الناس ويحبونه، يتصف بالحكمة والأناة، ويدعو إلى عقيدة صافية لا تشوبها شائبة. انطلاقاً من فهمه المتوازن للدين و تطبيقه العملي لروح الشرع الحنيف، وابتعاده عن الغلو والتعصب لأي فكر أو مذهب أو ملة. كما كان الأستاذ أحمد متواضعاً حسن المعشر يكره القيل والقال، حسن السمت و الهيئة يحرص على الظهور بهندامه الأنيق رغم بساطة وضعه المادي، حيث لم يعرف أن ذهب الى دوامه اﻻ بالطقم والكرافيت شتاء و صيفاً، ولا يزال جيرانه يذكرون علاقته الطيبة معهم، وجهٌ وضّاء، وثغرٌ باسم، يجسد بهما المعنى الحقيقي للتواضع والتآخي والاحترام، كما كان فارساً شجاعاً في ميدان الحياة ومعترك المعيشة في مجتمع بحاجة للكثير من الجهد والحلم والصبر، وفي بيت يضم 12 من الذكور والاناث، أما في بيته، فحدث ولا حرج، فقد كان متعاوناً مع زوجته، يساعدها في القيام بأعباء الواجبات المنزلية بكل رحابة صدر، يتباسط مع أبنائه وبناته، بروحه المرحة وبديهته الحاضرة، وأدبه الوافر الجم، لينعم أركان البيت بالمحبة والوئام، لذلك كان جميع أفراد الأسرة يشعرون ببركة دعاء والدهم ويلمسونها في كل تفاصيل معيشتهم، لتنهمر عليهم بالخير العميم والرزق الوفير،

ولد الشيخ أحمد قسام عام 1933 في مدينة حيفا خلال إقامة والده الشيخ فخر الدين القسام مع عمه المجاهد الشهيد الشيخ عز الدين القسام فيها، وعاد مع أهله إلى مدينة جبلة مسقط رأس والده ومعقل عائلة القسام ، وذلك بعد وقوع النكبة عام 1948 ، وبعد متابعته الدراسة ، حاز الشيخ أحمد على شهادة" معهد اعداد معلمين" من حلب سنة1951،ودرّس في مدينة ( منبج") ومنطقة الجزيرة السورية، كما علم في ريف الساحل مثل ( جوبة برغال)، كما درس المرحلة الابتدائية في مدرستي (ابو بكر الصديق) و(أبو العلاء المعري) .بجبلة. تزوج وهو ابن 22 سنة.. و بعد أن صار أباً لخمسة أبناء، أصر أن يتابع تحصيله العلمي، فالتحق بكلية الشريعة الإسلامية في جامعة دمشق، واستطاع أن يتخرج منها خلال أربع سنوات، وأثناء تحصيله الجامعي معتمداً على مذاكراته الذاتية وكفاحه العملي كمدرس في مدارس جبلة الابتدائية في تلك المرحلة، كان يستزيد من علوم أخيه الأستاذ الشيخ محمد أديب القسام الذي كانت بحراً لا قرارة له في صنوف العلوم، ولطالما راجع عليه ما عضل من مسائل الفقه والشريعة فيبسطها له أخاه الأديب العلامة الراحل، رحمهما الله تعالى، ولما انتقل الأستاذ أحمد قسام للتدريس في ثانويات جبلة (بلال مكية وجهاد خير بك) ساهم بجهد وافر في تصحيح اختبارات الثانويات على مستوى محافظة اللاذقية وتكرر ذلك سنويا طيلة سنوات خدمته، كما تصدى للعمل الدعوي والخطابي منذ الستينات من القرن الماضي من خلال مواظبته على إلقاء خطبة الجمعة في جامع المنصوري الذي استمر فيه حتى وفاته رحمه الله تعالى.

وكان الشيخ أحمد يعاني من مرض باطني استمر معه طول حياته" ألم في البطن مجهول السبب" حيث كان يقول لزوجته: أشعر كأن خنجرآ مغروساً بخاصرتي على الدوام" وكانت تتردد عليه كثيراً نوبات ألم مصاحبة بحمى شديدة تقعده في الفراش ليلة كاملة..ثم ينجلي الصبح ويذهب إلى مدرسته و يمارس حياته ونشاطه الاعتيادي و كأن شيئاً لم يكن، إلى أن اصيب في السنوات الثلاثة الأخيرة من حياته بمرض (الداء النشواني) الذي ثقل عليه في بداية عام 1986 وتسبب في إضعاف صحته واستهلاك عافيته، ليخسر من وزنه أكثر من النصف، إلى أن توفي في شهر حزيران من نفس العام، وقد فاضت روحه إلى بارئها في مشفى المواساة بدمشق.

رحم الله شيخنا الجليل وأستاذنا الفاضل المربي الكبير أحمد قسام رحمه واسعة وأسكنه فسيح جنانه، وجعل ماعمل في مجال الدعوة والتدريس وفي سبيل اعلاء كلمة الله في ميزان حسناته يوم القيامة.