الشيخ أبو النصر الخطيب

الشيخ محمد ناصر الدين أبو النصر بن العلامة الشيخ عبد القادر بن العلامة المحدث الشريف الصالح بن العلامة الشريف الشيخ عبد الرحيم بن الشريف الشيخ محمد الخطيب الحسني الشافعي الدمشقي، الفتى الهاشمي.... وإليكم طرفاً من سيرته العطرة رحمه الله:

لقب رحمه الله بحافظ العصر في الشام، والحجاز، ومصر...
قال عنه الشيخ عبد الحي الكتاني في ثبت مروياته: الدمشقي الشافعي مسند الشام، القاضي الخطيب المحدث المعمر.
ولد رحمه الله ونفعنا بعلومه، بدمشق في كنف أبيه عبد القادر، وسآتيكم بسيرته قريباً، قرأ عليه القرآن وختمه وهو ابن سبع سنين، وحفظ من المتون ما يزيد عن خمسة عشر ألف بيت.
(حفظ شواهد ابن العقيل عن ظهر قلب، مع كل بيت إعرابه وشاهده ونسبته، ثم اشتغل بقراءة الصرف والمنطق، والمعاني والبيان).
في سن الثانية عشرة صعد المنبر وخطب! وقرأ الدرس، وعلم الطلاب الصرف والنحو، وعمل على قراءة الفقه والحديث على والده الشيخ عبد القادر وغيره، وقد حفظ عشرة آلاف حديث بأسانيدها، وكان رحمه الله حافظ العصر في الشام والحجاز ومصر! وكان يحدث حفظاً من الأحاديث متناً وسنداً إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
في عام 1270ه سافر لأداء فريضة الحج، وكان في السابعة عشرة، ثم جاور في المدينة المنورة، ولازم علماءها، ومن أجلهم العالم العلامة الشيخ يوسف كساب الغزى الأزهري المدني، والشيخ يوسف فقد بصره، فنور الله بصيرته، وهو من العلماء العارفين بالله، المهم؟ قرأ عليه صحيح الإمام البخاري من أوله إلى آخره، وقرأ عنده المختصر والمطول، وأمره بحفظ متن التلخيص فحفظه.
وفي عام 1271ه قرأ تفسير البيضاوي على العلامة الصالح الورع الشيخ محمد المغربي المدني، وهو من المغرب.
وقرأ موطأ الإمام مالك على الشيخ عبد الكريم البخاري ثم المندي...
وقرأ بعضاً من صحيح البخاري على مفتي الشافعية السيد إسماعيل بن السيد زين العابدين الرزخي المدني، ثم حج ثانية، وعاد إلى دمشق.
ثم عاد إلى الشام...
ثم سافر إلى حلب الشهباء، وقرأ على الشهابيين: شنون الحجار، والترمانيتي، وهو أحمد الترمانيتي محدث حلب آنذاك، ومن ثم عين مدرساً في المدرسة الشعبانية...
ثم سافر إلى طرابلس الشام، وسمع من عالمها السيد محمد بن خليل القاوقجي أو المحاسن، ثم عاد إلى دمشق، وحفظ القرآن الكريم...
وحضر على الشيخ مصطفى التهامي في الفقه المالكي مدةً...
ثم رحل إلى الأستانة (استانبول) مراراً، وتولى القضاء الشرعي نحواً من عشرين سنة في عدد من المناطق منها:
النبك، ويبرود، ونالوت في طرابلس المغرب، وطرهونه في الغرب، وصور، ويافا، وهي آخر نياباته، ثم استقر في دمشق وقد ناهز السبعين، وسكن حرستا كما نقله صاحب حلية البشر في جزئه الأول...
وألقى دروسا عامة وكثيرة متنوعة في الجامع الأموي الكبير، وألقى دروسا فيه خاصة كالحديث والفقه والنحو...
وكاد أن يتولى منصب الفتوى في دمشق لولا أن شيخ الإسلام وقتها وجهها لغيره.
قال عنه شيخ الحديث، وهو الشيخ المحدث عبد الحي الكتاني في ثبته: ((وهو الشخص الوحيد الذي رأيته يحدث حفظاً بكثير من الأحاديث متناً وسنداً منه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على كثرة من رايته من أهل المشرق والمغرب))
ثم قال وقال عنه الشيخ أحمد أبو الخير لما نعاه: ((كان والله حافظ أهل العصر، وبقية مسندي الشام ومصر)).
أخذ الطريق الشاذلية عن الشيخ علي اليشرطي بعكا...
كان رحمه الله تعالى كما سمعت عنه شهماً جسوراً، وكان فصيحاً لا يلحن، وكان بهي الطلعة، أديباً شاعراً، حلو الحديث وعذب الكلام، وكان حلو النكتة أيضا، وكان رحمه الله جميل المعاشرة، عفيفاً نزيهاً، متصفاً بالحماسة والشجاعة والحمية والبطولة، كان لا يخشى في الله لومة لائم، وكنت أسمع عنه الأعاجيب العجب العجاب على قدرته في القضاء والبأس.
أجازه والده الشيخ عبد القادر، وجده الشيخ صالح بن الشيخ عبد الرحيم الخطيب عالياً، وجميع مشايخه الذي روى عنهم.
في ثالث ربيع الثاني خب يوم الجمعة في جامع بني أمية (الجامع الأموي الكبير بدمشق) وقرأ فيه الدرس العام بعد العصر، وخرج إلى قرية تل منين لحضور عرس دعي إليه، وكان يوم السبت، وبعد صلاة العشاء، أصابه وجع في قلبه، ولم يمض عليه ساعة حتى مات، فأحضروه في الصباح إلى الشام، وجهزوه، وصلوا عليه في جامع بني أمية، ثم دفنوه في مدفن أسلافه في مقبرة الدحداح، وذالك في ربيع الثاني سنة 1324...
وكانت جنازته حافلة جداً...
كتب على شاهدة قبره:
بكى العلم اذ تحت الثرى غاب بدره وقد طال ندب الجود اذ غار بحره
تصدع ركن الفضل والمجد والعلا ولكنما في الخلد شيد قصره
لقد غاب من آل الرسول غضنفر وفارقنا علامة العصر صدره
ليهن أبا النصر الخطيب برتبة وبالعفو والغفران ضوعف أجره
وكيف نرى للعلم نوراً يدلنا على نهجه أرخ وقد غاب بدره
وكتب على الجانب الآخر من القبر:
سرى إلى جنة الفردوس مبتهجاً علامة العلماء الطاهر النسب
بدر المعالي أو النصر الخطيب ومن بنوره كان يزهو منبر الخطب
بموته هد ركن الفضل وا أسفاه والمجد أبس ثوب الحزن والكرب
والشام من كدر قالت مؤرخة قضى الإمام إمام العلم والأدب