الشَّيخ أبو السُّعود بن محمَّد الياسين بسمار

 
 رحمه الله تعالى

هو الشَّيخ أبو السُّعود بن الشَّيخ محمَّد الياسين بن الشَّيخ محمَّد بن عبد القادر بن الشَّيخ عبد السلام بسمار المعروف بالشّيخ محمَّد الياسين, أحد كبار فقهاء حمص و علمائها الجهابذة الأعلام .
 ولد الشَّيخ في حمص سنة 1319هـ , 1901م , نشأ في بيت علم و تقوى و دين خلفاً عن سلف.
تلقَّى علومه الأولية في مكاتب حمص الأهلية , و قرأ القرآن و تعلَّم القراءة و الكتابة , ثمَّ حفظ القرآن الكريم , و قد أدخله والده الكريم وإخوته المدرسة الرَّسمية فنال منها الشَّهادة بتفوُّق و درجات تامَّة .
شيوخه و طلبه للعلم : 
شرع الشيخ في طلب العلم الشَّرعي على يد والده , فنهل من علومه وارتوى من معارفه منذ صغر سنِّه , ثمَّ تابع واجتهد و لاسيما في علم القراءات , و كتب له والده إجازة عالية في ذلك . كما قرأ عليه الفقه الشَّافعي من أمّهات الكتب , و قرأ الحديث الشَّريف و التَّوحيد و اللغة العربيِّة و علم المنطق , ثمَّ تابع تعليمه على كبار علماء عصره و أولهم :
العلَّامة الكبير الشَّيخ عبد الغفَّار عيون السُّود , فقرأ عليه التَّفسير و شرح صحيح الإمام البخاري , و كان معه في الحلقة الشَّيخ عبد القادر الخوجة , و الشَّيخ طاهر الرَّئيس , و الشَّيخ عبد الخالق الحصني , و الشَّيخ أحمد الكعكة , و الشَّيخ محمود جُنيد رحمهم الله جميعاً .كما قرأ القرآن الكريم على الشَّيخ جمال الدِّين الجمالي , و الشَّيخ مصطفى بن أحمد التُّرك , و الشَّيخ خالد الكلاليب .و قرأ العقائد النَّسفية و تفسير البيضاوي و شرح مغني اللبيب على الشَّيخ العلَّامة أحمد صافي , و قرأ على الشَّيخ محمَّد سعيد حسين آغا المكناسي الحُسيني علم الفرائض , و قرأ على غيرهم من أفاضل علماء البلد العلوم المتنوعة , و كان يجلس في غرفة الشَّيخ طاهر الرَّئيس في الجامع الكبير لتلقي دروسه و سماع فتاويه . ثم َّ جدَّ و اجتهد حتَّى حصل على أعلى المراتب العلمية و الفقهية , و أجاز له شيوخه كافة بمروياتهم , كما أنَّ له إجازة عالية السَّند برواية كتب الحديث الشَّريف عن العلَّامة نعيم النُّعيمي بن أحمد بن علي النُّعيمي الجزائري , و ذلك أثناء زيارته لحمص سنة 1961م.(1). 
زواج الشَّيخ و أولاده : 
تزوَّج من ابنة الحاج محمد منير الجندلي رحمه الله , و أنجب منها ستة أولاد , ثلاثة ذكور وثلاث البنات .
تلاميذه 
درس على الشَّيخ جلُّ علماء حمص و على رأسهم المفتي الشَّيخ محمَّد طيِّب الأتاسي الذي كان يعود إليه في مراجعة بعض المسائل , لا سيما في الفقه الشافعي .كما قرأ عليه الشَّيخ وصفي المسدِّي رحمه الله , 
المناصب التي تولَّاها , و المؤتمرات التي شارك بها : 
تولى الشَّيخ إمامة الجامع النُّوري الكبير و خطيب مسجد التوبة , و كانت له بعد صلاة الفجر حلقاته العلمية التي لا تنقطع فيه و في غيره من مساجد حمص , و كانت له غرفة خاصَّة في مقر جمعية العلماء في الجامع النوري الكبير يفتي فيها على المذهب الشافعي , بالإضافة إلى تدريس القرآن الكريم و القراءات .و هو من أبرز أعضاء جمعية العلماء بحمص , و من كبار علمائها , وكان الخازن الأمين لصندوقها منذ إنشائها .
و استلم إدارة جمعية البر و الخدمات الإجتماعية العريقة , و هي من أقدم و أكبر و أنشط الجمعيات الإسلامية الخيرية على مستوى البلاد العربية وكان الشَّيخ من المشاركين في مؤتمر علماء بلاد الشَّام الأول , و الذي عقد في دمشق سنة 1938م , و الذي ترأسه مفتي حمص الشَّيخ طاهر الأتاسي .
كما كان من المشاركين في المؤتمر الإسلامي الكبير في القدس الشَّريف متَّع الله كل مسلم بالصَّلاة فيه , و ذلك في سنة 1965 م , مع عدد كبير من علماء بلاد الشَّام و العالم الإسلامي .
نشاطه العلمي و عمله : 
و لمَّا أتمَّ الشَّيخ تحصيله العلمي توجَّه للتَّدريس في حياة والده , فدرَّس في الثَّانوية الشَّرعية القرآن الكريم و الفقه و اللغة العربيَّة , و كذلك درَّس في ممهد جمعية العلماء .
ثمَّ ترك التَّدريس و عمل في تجارة المنسوجات , و له محل بجانب الجامع النُّوري الكبير مع أخيه الحاج نبيه الذي كان قعيد الفراش لأعوام كثيرة , و كان الشَّيخ يتابع أحوال أخيه و أمِّه في الأمور كلِّها , و كان يصدِّر المنسوجات القطنية إلى بيروت و غيرها , و لما ساءت أحوال البلاد أيام الحرب العالمية الثَّانية , و هدمت المحلَّات التِّجارية غربي الجامع الكبير لتوسيع الطَّريق هناك , ترك التِّجارة و عمل في الزِّراعة في إحدى القرى القريبة من حمص , إلا أنَّه لم يوفق فيها لحكمة ٍ يريدها الله تعالى , فتوجَّه بعدها إلى التَّدريس في الثَّانويات الشَّرعية و معهد جمعية العلماء , وعُيِّنَ خطيبا ً في جامع التوبة , و إماماً في الجامع النُّوري الكبير , و يسير المسافات الطِّوال لكي يصلي الفجر إماماً في المسجد .
أخلاقه و صفاته : 
كان الشَّيخ رحمه الله أحد كبار علماء البلدة , له الباع الطَّويل في العلوم كافَّة , و كان غيورا ً على كلِّ مسلم ٍ أيَّاً كان , و إذا تكلَّم سمعت كلاما ً لا يخرج إلا من كبار العارفين .
كان قوَّالاً للحقِّ لا تأخذه في الله لومة لائم , يقف في وجه الخارجين عن آداب الشَّرع قولاً و فعلاً , دائم الأمر بالمعروف و النَّهي عن المنكر , لا يحبُّ التَّردد إلى أهل الدنيا و ربما انقطع عن بعضهم _ و كانوا يهابون جانبه لشدَّته في الحقِّ وورعه و عفَّته . و كان جليلا ً مهيبا ً ورعاً , يعلو وجهه نور و مهابة في الحقِّ , و لا يتكلَّم إلا في الأمور الشَّرعية , مؤيدا ً كلامه دائما ً بالنصوص القرآنية و الأحاديث النَّبوية الصَّحيحة , ثمَّ أقوال الأئمة .طلق اللسان ,قوي العبارة , حسن التَّعبير , قد آتاه الله بلاغة في الحديث , و باعاً طويلاً في إقامة دعائم الدَّليل الشَّرعي , و يأتي بكلِّ مفيد مفهوم , لغزارة علمه و سعة حفظه .محبَّاً لمن يقرأ عليه و يلازمه , لطيف المعشر معهم , و كان لا يضيع الوقت دون فائدة .
ثناء العلماء عليه : 
كان يزوره في حمص علماء كُثُر على رأسهم الشَّيخ المحدِّث مكِّي الكتَّاني , و الشَّيخ العلَّامة محمَّد الحامد . وكان موسوعة في التَّفسير و الحديث و الفقه و اللغة و التَّوحيد ..., و كان جريئا ً في قول الحقِّ لا يخاف في الله لومة لائم .
وفاته : 
بقي الشَّيخ جامعا بين العلم و نشره , و العمل و الكسب لمعاشه كعلماء حمص الأوائل , مع الأمر بالمعروف و النَّهي عن المنكر إلى أن لاقى وجه ربِّه الرَّحيم , و ذلك في أفضل الأيام , صباح الجمعة المبارك في جمادى الأولى لعام 1418 ه الموافق ل12 أيلول 1997م .و شيَّعه علماء و أبناء المدينة بموكب مهيب من جامع الصَّحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه , ودفن في مقابر المسلمين_ كما أراد _ في تلِّ النَّصر رحمه الله رحمة واسعة , و عوَّض المسلمين من أبناءه و أحفاده و طلَّابه ليكملوا مسيرته و دعوته .
رثاؤه : 
ومما قيل في رثائه ما نظمه محمَّد اليوسف السَّعدي : 
تسائل المجد من هذا الذي شجيت*** لفقد طلعته الأخلاق و القيم 
من ذا الذي شيعته حمص تسبقها *** مواكب العز يبكي خلفها الكرم 
فحدَّثته العلا تحديث صادقة *** و دمع حسرتها بالود ينسجم 
هذا المحدث شمس الفقه ما أفلت *** في موكب الزهد هذا السائب العلم 
المقرئ الجامع الحامي الكتاب و من *** شهدت لغيرته الآيات و الكلم 
(أبو السعود ) كريم النبعتين و ما *** يحصي شمائله طِرس و لاقلم 
فاستدرك المجد مسبوقاً بعبرته *** و سادنُ العلم من بالله يعتصم 
المرجع الفذ في الأعلام ما برحت *** أسرار سيرتهم ترنو لها الأمم 

فرحم الله الشيخ وأسكنه فسيح جنانه إنه جواد كريم ...
 
بقلم : حسام الدين سليم الكيلاني