الشهيد مصطفى مراد

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على خير من اصطفى، وعلى آله وأصحابه أهل الصدق والصفا، وبعد:

مصطفى مراد شاب في ريعان شبابه، ووردة في مقتبل العمر، غيّب في سجون البعث النصيري، ماخان مصطفى وطناً، وما سفك دماً، وما هتك عرضاً، وما استباح خضراء أحد، وما اعتدى على أحد، وما عاث في الأرض فساداً، وإنما أخذ لأنه حمل شعاراً: الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا.

مولده وأسرته:

ولد مصطفى سنة 1960م في أسرة كردية في حلب، وأسرته هم آغوات الأكراد، وكان لأسرته النفوذ والقوة في جبل الأكراد من أيام العهد العثماني مروراً بالعهد الفرنسي، وفي العهد البعثي، بل غدا أحد أفراد هذه الأسرة أن صار من المسؤولين في حزب البعث، والذي منح مقعداً دائماً في مجلس الشعب، وأسرته أسرة غنية يملكون قرية جميلة تعود إليها أصولهم في جبل الأكراد في عفرين تتبع لناحية جنديرس اسمها: (كفر سفرة)، تتكأ هذه القرية على سفح جبل محيط بها، ممتد إلى عمق جبل الأكراد مظلل بغابات وأحراش جميلة، وتمد هذه القرية أقدامها في سهل مترامي الأطراف غني بمياهه الجوفية، وبأشجار لكل أنواع الثمر، وتعانق بيوتها بيوت ودور بلدة جنديرس، وترنو ببعدها إلى نهر عفرين القريب منها، وتمتاز بقصورها الشامخة والتي هي آية في الفن والإبداع العمراني، وتكسو سهولها أشجار الزيتون الباسقة، وأشجارها أكثر أشجار الزيتون إنتاجاً في جبل الأكراد، والشجرة الواحدة منها تعدل عشر شجرات فيما سواها، وهذه القرية بالأصل كلها لآل مراد، ثم سكنتها أسر أخرى أيضاً.

لم تكن أسرته تعرف بالتدين وإنما شأنها كشأن الأسر المخملية المترفة، ولم يكن عندها التوجه الديني، وإنما التزم مصطفى بدينه من خلال احتكاكه بشاب الإخوان أثناء دراسته في المرحلة الثانوية في حلب، وتأثر بهم وغدا واحداً منهم ونشط معهم، وتوسعت علاقاته مع شباب الإخوان.

اعتقاله:

بعد أن صبَّ النظام النصيري جام عضبه على أهل السنة، صار يعتبر التدين  أو ارتياد المساجد أو إطلاق اللحية، أو الحديث عن الإسلام جريمة يعاقب عليها قانونه وتشريعه الخنفشاري، ولم يقف الحد عند المتدينين والدعاة والملتزمين، بل ربما يشمل عوائلهم ومن يلوذ بهم من النساء والشيوخ والأطفال، ولم تغفل عيون جند الطغاة عن مصطفى فألقت عليه القبض ووضعته مع الدعاة والمجاهدين والصادقين المخلصين خلف القضبان ليتعرضوا لأبشع أنواع وأساليب التحقيق والتعذيب القذرة.

في سجن حلب المركزي:

قال محدِّثي: كنت في الجناح الأول، فقالوا يوجد خلفنا في الجناح الثاني شاب كردي يريد التعرف عليك، قال: فنظرت اليه من الكوة من فوق الحمام فرأيت شاباً جميلاً وسيماً بهي الطلعة لحيته شقراء وعيناه زرقاوان فحسبته أوربياً، فعجبت حينما بادلني التحية باللغة الكردية، وكان هذا هو اللقاء اليتيم بيننا، وكان حديثنا عن قضايانا، وتواصينا بالصبر والتحمل، ثم أفرج عني واقتيد هو إلى سجن تدمر كونه من أنشط الشباب، ولعلاقاته الكثيرة ، وقضى في صحراءها عدَّة سنوات إلى أن أكرمه الله عز وجل بالشهادة فيها على يد أجرم خلق الله كما ذكر أخوه لأحدهم.. ليغيب جسده الطاهر في كثبان ورمال تدمر، وتتحرر روحه من قفصها الجسدي لتحلق في فراديس الجنان بإذن المولى الرحمن.

نشرت 2013 وأعيد تنسيقها ونشرها 13/2/2020