الشهيد محمد نايف خليل تقبله الله

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأولين وقائد الغر المجلين وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان وبعد:
أبو محمد صاحب سيرة وضيئة، طيب المعدن، أليف المعشر، لا يعرف التكلف والتصنع، وهو صاحب غيرة على الدين يقول كلمته ولا يعرف انصاف الحلول, يريد أن يصل إلى هدفه مهما كلّفه الثمن، وقد صدق الله عز وجل فصدقه الله عز وجل، ولله باع نفسه والله سبحانه وتعالى قد اشترى.
الولادة والنشأة
ولد أبو محمد في قرية بسرطون التابعة لمنطقة جبل سمعان قريباً من مدينة دارة عزة، في عام 1965م ونشأ في قريته الصغيرة إلى أن اشتد عوده فصار يعمل في مجال البناء الذي كان يدر عليه دخلاً طيباً، وقد سقط ذات مرة من الطابق الرابع على الأرض مما سبب له هذا السقوط كسوراً في بعض أعضاءه وقد كان هذا الرجل من أهل البلاء.
حبه للدعوة لله عز وجل
من أبرز معالم هذا الرجل صلابته في عقيدته والدعوة إليها وكرهه الشديد لدعاة التشيع في منطقته ، وقد حبب إليه العمل الدعوي مما حدى به للإقبال على دروس العلم في قرية بسرطون عند الشيخ الشهيد عمار السيد تقبله الله عز وجل، وأقبل على قراءة الكتب والمطالعة والتحصيل العلمي، وقرأ الصحيحين لوحده، وحفظ كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن ظهر قلب مما زاد تمسكه بالفكر السلفي والدعوة إليه بل كان يناقش الآخرين ويحضهم على تبني هذا الفكر، وكان يستثمر المناسبات للدعوة إلى هذا الفكر وقد كان أحد أصدقائه واسمه مالك يصنع الولائم ويدعو اليها طلاب العلم من أصحاب الفكر السلفي ثم ينتشرون في القرية مستغلين مناسبات الأفراح والأتراح لدعوة الناس، وبسبب هذا النشاط كان يستدعى كثيراً لفرع الأمن السياسي بحلب.
كرمه وسخاؤه
امتاز أبو محمد بكرمه وسخاءه وإكرامه للضيفان وعندما ينزل عليه الضيف كأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها، وكان اذا اقتنع بفكرة لا يتخلف عن تنفيذها وينفق ما يمكن من أجل تنفيذها وربما يبيع أثاث بيته وأرضه ليقدم لمشروع الخير والوصول الى هدفه مهما كلفه الثمن وبالرغم من إمكانياته الضعيفة لكنه كان صاحب همة عالية.
تعاونه مع المجاهدين في العراق
عندما تم اجتياح العراق رغب أبو محمد أن يجاهد في العراق وتواصل مع المجاهدين هناك وقدّم لهم خدمات جليلة وأرسل لهم المجاهدين وأوفد لهم طلاب العلم من أجل توجيه المجاهدين وإرشادهم، وكذلك أمدهم بالاستشهادين والمعلومات اللوجستية الغنية عن طريق معارفه وقدّم لهم السلاح الذي كان يشتريه من قرى عنجارة وأورم.
اعتقاله
في عام 2005زج به نظام مدعي المقاومة والممانعة في سجن فرع فلسطين بتهمة الاتجار بالسلاح وتقديمه للمنظمات الجهادية في العراق لمقاتلة المحتل الامريكي!!
ومن طرائف التحقيق في الفرع: عاد ذات مرة من جلسات التحقيق وصار يقول لإخوانه في المهجع: سألني اليوم المحقق عن الأنسة عجرة وأنا لم أسمع بها من قبل!! وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على سفالة ووقاحة وخبث السائل وصفاء ونقاء المسؤول.
وبعد انتهاء التحقيق نقل الى السجن العسكري الأول في صيد نايا ليعرض من هناك على عدو الله فايز النوري ليحكم عليه بالسجن خمس سنوات بالتهمة المعلبة: الانتماء الى جمعية تهدف الى قلب نظام الحكم في سورية، وحكم عليه بتجريده من حقوقه المدنية وبمنع الراتب الشهري الذي كان يتقاضاه من الشركة التي كان يعمل بها بسبب سقوطه من الطابق الرابع أثناء عمله لصالحها، وقد خصصت له تعويضاً عن العطل والضرر الذي أصابه راتباً شهرياً قدره خمسة آلاف ليرة سورية، لكن الكريم يسر له باباً آخر للرزق فقد عملت زوجته في مجال بيع الألبسة النسائية في القرية ودرت عليه ربحاً مباركاً طوال فترة سجنه.
قضى سجنه صابراً محتسباً واظب فيه على طلب العلم، ويسعى لأن يكون في المهجع الذي فيه طلاب علم لحبه للقرب منهم، وكان يدوّن كل ما يسمعه منهم على هوامش المصاحف لعدم توفر الورق في سجن صيد نايا، وحفظ عشرة أجزاء من كتاب الله عز وجل، وكان يكثر من مخالطة ومجالسة طلاب العلم في السجن ، وكان مواظباً على صيام يومي الاثنين والخميس.
 نقل الى سجن حلب المركزي في الشهر السادس من عام 2011م ،وأتم بقية سجنه في سجن حلب وكان على ما كان عليه في سجن صيدنايا.
خروجه من السجن وانخراطه في الثورة
أفرج عنه في عام 2012 من سجن حلب المركزي وزاد السجن من صلابته وعزيمته، بل إنه خرج بنشاط وعزيمة صلبة ونفسية قوية لم تثنها ظلمات المعتقلات واستمر في طريقه الذي سلكه قبل اعتقاله فانخرط في الثورة مباشرة، وكيف لا يلحق بركبها وهو الذي كان يتشوق الى مثل تلك الأيام التي يقارع فيها جنود الطاغوت ولينازل أعداء الله عز وجل في مثل هذه الساحات، وبدأ يبذل كل ما في وسعه وجهده من أجل إقامة حكم الله في الأرض وإزالة الطواغيت التي تقف في طريق الدعوة إلى الله عز وجل وأحرقت الأخضر فاستقرض ثمن بارودة روسية وبقيت ديناً في ذمته الى حين استشهاده وقد سامحه من أقرضه ثمنها بعد استشهاده، ثم أنشأ مركزاً صغيراً لتصنيع المتفجرات والعبوات الناسفة.
كرامة الاستشهاد
كان أبو محمد تقبله الله في طليعة المجاهدين الذين تقدّموا لتحرير حي صلاح الدين في حلب فاستهدفه قناص غادر من بين مجموعة من المجاهدين لطول لحيته المباركة ولم يكتف المجرم بطلقة واحدة بل أطلق عليه الحاقد عدة طلقات أسأل الله أن يتقبله وأن ينتقم من قاتله.
فهنيئاً لك أبا محمد هذه الكرامة فقد بعت نفسك الطيبة لله ولو لم تكن طيبة لما اشتراها الباري تبارك وتعالى.
رحمه الله من مجاهد لم يعبأ بالمحن والعقبات بل كان يجد في هذه الإحن غاية الرحمة لأنها في سبيل الله عز وجل، ونسأل الباري أن يجمعنا به في جنات الخلد مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
وكتبه نور الدين العبيدي في 1جمادى الأولى 1434ه 13-3-2013