الشهيد حسن زينو

 

 
جريمة بحق العلم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:
جعل الله عز وجل العلماء كالغيث كما جاء ذلك على لسان من كانت أول رسالته "اقرأ"، وقال فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم.
 
تفخر الدول بعلمائها وعباقرتها وتوليهم الاهتمام البالغ وتغدق النعم والعطايا عليهم، وعلى ذويهم، وتبوؤهم المنازل والمناصب، وتحقق لهم كل ما يطلبون ويرومون، وتهيئ الوسائل والأسباب لصناعة العقول وإعمار العلم لتصنع تاريخاً تسيطر على مجرياته، وأما نحن فجعلنا من العلماء والعقول والأفذاذ طيوراً تهاجر في العالم باحثةً عن الأمن أو المعاش.
 
يذهب الطالب النجيب للغرب ليتعلم منهم العلوم النافعة، والتي مصدرها بالأصل من عند أسلافنا وأجدادنا، وينهل منها وتكون النتيجة قطف ثمرته في أرض غير أرضه، أو أن يقبع في السجون، أو يعيدوه مخبولا مجنونا، أو أن يعود عدواً للدين والوطن إلا من رحم ربي.
 
بين يدي الآن قصة مريرة تحكي جريمة نكراء ليست بحق شخص فحسب، بل هي بحق الإنسانية, جريمة بحق سوريا لكل أبنائها من مسلمين وغيرهم، ولذلك أطلقت على قصتي عنواناً: "جريمة بحق العلم" إن صح التعبير.
 
قصتي اليوم مع العالم النادر الألمعي الحافظ لكتاب الله، العالم بأسباب تنزيله، الجيولوجي القدير البرفسور "حسن زكريا زينو"
 
رحمه الله، صاحب المفاجآت والاكتشافات العلمية، أحد أساطين الجيولوجيا في الوقت الذي لم يكن يسمع بها أحد، وإذا سمع بها لا يعرفها، وهو الجيولوجي الأول في الشرق الأوسط من غير منازع بشهادة الغرب.
الدكتور حسن زينو المولود في مدينة حماة عام 1948م درس في جامعات أوربا وحصل على شهادة دكتوراه دولة، وعين أستاذ كرسي في جامعات ألمانيا الغربية, وعمل في أرقى الشركات الألمانية كمستشار لها.
 
أملى عليه دينه وضميره ووجدانه أن يركل مغريات الدنيا من مال وجاه بنعليه، وأن يعود إلى أحضان بلده لينفع أبناء وطنه بهذا العلم النادر فعاد من ألمانيا تاركاً وراءه مجموعة من الأبحاث من علم المستحاثات التي تركت جدلاً كبيراً في أوربا، وقد استطاع أن ينقض نظرية داروين الشهيرة (التطور والارتقاء والنشوء).
 
عاد الدكتور حسن في الوقت الذي كانت تتعالى فيه الهتافات الكاذبة: لا حياة في هذا القطر إلا للتقدم والاشتراكية كما زعم حافظ، , وقد أثبتت كل الوقائع أنه لا حياة في هذا القطر إلا للتخلف والاحتكارية الأسدية والتنكيل والبطش لكل من يخرج عن الدائرة الأسدية, وما قصتنا هذه إلا واحدة من عشرات القصص والوقائع الدامغة لذلك، وما هي إلا غيض من فيض، وصفحة من صفحات التاريخ الأسود في سجل دولة البعث العلوية, هذا هو الموجز وإليكم الأنباء بالتفصيل.
 
فبعد عودة الدكتور حسن قدّم عدة محاضرات في القاهرة وبيروت وعمان ودمشق, وكان يحضر هذه المحاضرات أساتذة الجامعات من أولي الاختصاص بهذا العلم مؤثرين بها أوقاتهم الثمينة.
 
عيّن مستشاراً لوزير النفط والثروة المعدنية علماً أن وزير النفط كان ولا يزال لا يملك أي كفاءة علمية تؤهله للمنصب سوى بعثيته الجوفاء ومداهنته المقززة للقائد التاريخي الملهم.
كان الدكتور حسن مسؤولاً عن الأبحاث التي تعنى باكتشاف الثروات الطبيعية, وكان يرافقه مجموعة من الخبراء اليوغسلاف لكنه طلب من الرئيس الأسد طرد هؤلاء الخبراء اليوغسلاف لأنه وجدهم غير أكفاء، وقد نخرت فيهم البيروقراطية فكانوا بئس الخبراء، ولم يكونوا أحسن حالاً من نظرائهم السوريين الذين ليس لهم هم إلا الراتب، وتسجيل ساعات العمل، وابتغاء المال، ولذلك كان يسألهم الدكتور: وماذا أنتجتم؟ فيقولون: ثمانية ساعات عمل, فكان عملهم دون جدوى غير مهتمين بالإنتاج فاقترح أن يستبدلهم بخبراء ألمان من تلامذته الذين تخرجوا على يديه، فاستجاب النظام لأنه أدرك أنه بإمكان الدكتور حسن وهؤلاء الألمان أن يقوموا بمسح حقيقي للثروات الكامنة في الأرض، وماذا يريد اللص غير من يدله على الجواهر النفيسة؟، ولما وصل الخبراء الألمان كان الدكتور حسن على رأس وفد مشكل من الوزارة لاستقبالهم في مطار دمشق، فكان أول تصريح لهم: وماذا ستفعلون بنا إن كان أستاذنا عندكم؟! فقال لهم الدكتور: أنا كنت قد أرسلت في طلبكم كوني بحاجة إلى فريق عمل حقيقي، وأنتم قدمتم لمساعدتي، وأنتم تعلمون أني لا أحتاج إلى خبراتكم.
 
قام الدكتور حسن مع هؤلاء الخبراء بعمل دراسات جيولوجية اقتصادية لسوريا، فكان من المفاجآت الجيولوجية الاقتصادية اكتشاف أنابيب كمبرلي ذات الاحتمالية الكبيرة جداً لاحتواء الألماس في جبال الساحل السوري!، وبكميات تفوق أهمية النفط والغاز! بل ربما تعادل إنتاج النفط السعودي ولمدة عشرين عاماً! فما هي المكافأة التي ستقدم لهذا العالم النحرير على هذا الاكتشاف العظيم الذي سيجعل سوريا من أنعش دول الشرق الأوسط اقتصاديا؟ مع الأسف كان جزاؤه جزاء سنمار!!
 
ولكي لا ينشر ابن الوطن أخبار اكتشاف الألماس أمر سارق خيرات البلد وثرواتها ذئابه في فرع المنطقة أن يعتقلوا هذا العالم في عام1986م لكونه تكلم بحديث الألماس أمام بعض الأشخاص، ولم يجدوا له تهمة فاتهموه بتهمة الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين على اعتبار أن الدكتور حسن كان من عادته أن يؤدي صلاة الجمعة في مسجد آخن المعروف، وفي إحدى المرات كلّفه خطيب المسجد بإلقاء خطبة الجمعة كونه من طلاب العلم الشرعي، وهو معروف بهذا إضافة إلى دراسته الأكاديمية, ولا أدري كيف غابت هذه المعلومة عن رجال الأمن طيلة فترة استثماره علماً أنه آذن المدرسة، وعامل النظافة لا يعين في سورية حتى تجرى له عشرات الدراسات الأمنية؟! فمن هنا وجهت له تهمة الإخوان وأنه على علاقة بالأستاذ عصام العطار رئيس جمعية الشباب المسلم في أروبا وهذا الجامع أحد المراكز الأساسية لنشاط الجمعية.
 
تعرض الدكتور للتعذيب المبرح من قبل الرائد نعسان، والمقدم ديب زيتون بإشراف رئيس الفرع هشام الاختيار، ولم يطو ملف تحقيقه إلا بعد أن أصيب بانفصام في شخصيته وبذلك وأدوا عِلماً عظيماً خسره الشرق الأوسط بكافة أطيافه.
 
تم ترحيله إلى سجن تدمر الذي ذاق فيه من التعذيب والنكال ما لم يذقه في فرع المنطقة فما من يوم إلا وينادي الجلاد أخرجوا المجنون، لتقدّم له وجبة من التعذيب، وفي إحدى جلسات التعذيب في الشهر الثامن من عام 1989م فقؤوا عينه بعد أن ضرب بسيخ حديد محلزن معد للبناء عيار 14مم يستخدمه الجلادون للتعذيب.
 
كان يتعامل مع السجناء وكأنه أب لهم وخاصة الشبان منهم وكان مرجعاً لحفاظ القرآن الكريم، وهو عندما كان يريد الافتخار يفخر بأنه حافظ لكتاب الله عز وجل لا بشهاداته العلمية، وكان يحفظه قبل دخول السجن، فكان يصحح للقراء وكما أنه كان مرجعاً في إعراب القرآن الكريم ويرجح بين المختلفين من المختصين بهذا الشأن.
 
وكان لا يدرك المكان ، ولا يدرك الاتجاه وهو غير ثابت عنده، ولا يتذكر أنه في سجن تدمر بل إنه يتذمر وينفي ذلك، وهو أيضا لا يدرك الزمن فاليوم عنده ثلاثة أيام فيصلي خمسة عشر صلاة في اليوم الواحد، وكان يقول للسجناء أنتم لا تؤدون من الصلاة إلا ثلثها علماً أن الصلاة كانت إيماء لكونها ممنوعة على السجناء، ومن يضبط مصليا يجلد خمسمئة جلدة.
 
وبالرغم من الانفصام الذي حصل معه لم ينس العلوم فكان يجيد سبع لغات (الانكليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية واليوغسلافية والتركية إضافة إلى لغته الأم العربية)، وهذه هي اللغات التي كانت موفرة في المهجع ولا ندري إن كان يجيد غيرها.
 
عندما كان يسأل سؤالا كان يجيب إجابة سريعة لكن على شرط أن يكون عنده ثقة بالسائل أو أن يأنس به، فكانوا يسألونه عن أسباب النزول والأحاديث واللغة، وإذا سئل عن كلمة غريبة من غرائب اللغة يجيبهم على الفور وكأنه قاموس, وكان يغيظه عندما يسأل عن سبب سجنه أو الألماس بل كان ينتابه الذعر ويقول: لا تسألوني عن جهنم، وربما يصاب بنوبة عصبية عندما يسأل عن هذا، فاتفق السجناء بعد ذلك أن لا يطرحوا هذا السؤال بحضرته.
 
كان محافظا على السنة وكان ملتحيا قبل دخوله السجن عندما كان في أوربا وكان صادقاً مع الجميع مخلصاً مع إخوانه مخلصا في نصحه وموعظته، حتى أنه ذات مرة وفي إحدى صحواته صار يتكلم عن غزوة بدر فأبكى الجميع.
 
وفي عام 1996م قاموا بطلبه بشكل خاص، وسألوا المسؤول الصحي عنه هل مرضه عضال؟ فقال: نعم, فأخذوه من بينهم، ثم أطلقوا سراحه ومات في ظروف غامضة بعد خروجه من السجن.
وكانت هذه مكافأة الذي يوصف زورا وبهتانا راعي العلم والعلماء لهذا العالم الجليل!! وليس عجباً أن يأتي ابنه من بعده ويدمّر المراكز الثقافية، والمدارس التعليمية ببراميله الغبية ومدافعه، ويصفّي العلماء في فروعه كما فعل بمصعب برد وبحازم ببطيخ وأصلان ونور مكتبي...
أرأيتم كيف تكون مسيرة الإصلاح والتطوير في سوريا؟!!..
 
أرأيتم كيف اصطبغ الألماس المستثمر في سوريا بلون الدم كما اصطبغ النفط والغاز والفوسفات والسجيل الزيتي، وكل ثروات البلاد بل كل البلاد أرضاً وسماء وماء ولتجري أنهار الدماء حمراء قانية على دروب
الحرية وصولا إلى التحرير
 
وللحرية الحمراء باب                  بكل يد مضرجة يدق.