الشهيد جمال الدين الأشرفي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:
لم يقرع اسمه سمعي من قبل وإنما سمعت الأخ محمد ذكره لي عرضاً عندما حدَّثني عن شيخه محمد الملاح رحمه الله، فسألت الأستاذ مجد مكي: من يكون جمال الدين الأشرفي؟ فقال لي: كان من أحب أصدقائي ،فأثار هذا فضولي لأعرف عنه المزيد لعلمي بالأستاذ مجد أنه لم يصحب إلا خيار القوم والثلة الصالحة والصفوة المباركة، وكما قيل: المرء من جليسه، وقل لي: من تصاحب ؟ أقل لك من أنت، فقلت للأستاذ محمد: أخبرني من يكون جمال؟ فطفق يحدثني عنه ولكأنه بين يديه كتاب يتحدث عن تاريخ مجيد عاد بي خمسة عشر قرناً إلى أم القرى وأعطر شباب مكة يمشي فيها وأبهاهم حلة وأجملهم لمة فيُعرف أنه مَرّ من هذا الطريق أو من هذا الشعب مصعب بن عمير الذي بكاه النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحد إذ لم يجد ما يكفنه به!
وإن أمة محمد ما عقمت أن تلد مثل هؤلاء العظام بل أنجبت الكثير الكثير من أحفاد مصعب ومنهم الشاب الكريم جمال الدين الأشرفي والذي هو اسم على مسمى، ولكل امرئ من اسمه نصيب ولهذا البطل من اسمه كل النصيب، ذلك النمر الأشقر الذي علّمنا أن عز الإسلام هو الذهب والإبريز.
أخلاق وسجايا وشمائل:

 التعرض لشمائل هؤلاء الأصفياء يبعث العزيمة في قلوب العاجزين والشجاعة في نفوس المرتاعين ومن مآثرهم نتعلم أن قيمة المرء في حياته هي أداء واجبه لنفسه وأمته فمن يكون هذا الصفي؟

 هو شاب موفور الشباب، صاحب روح عالية، جاهد باللسان والسنان وغبّر قدميه في سبيل الله, سهل محبوب موطأ الأكناف ذو خلق واستقامة يألف ويؤلف ويتحبب إليه جليسه سليل عثمان بن عفان في الحياء والكرم, يتسم بالبراءة والتواضع والخجل والحلم والوقار والأدب الجليل والمقدار الرفيع والشأن البالغ والثقة الصالحة ومجاهدة النفس, أنيق في لباسه يهتم بالزي الإٍسلامي ويتجنب الأزياء الغربية المائعة والموضة الدارجة في ذلك الوقت, وضيء الوجه بهي الطلعة ترتاح العين لمرآه ويأنس القلب عند لقياه.
 الولادة والنشأة:

  في أسرة عريقة مرموقة شريفة متدينة محافظة أصلها من مدينة أريحا، وقد ولد جمال قرب قلعة حلب الشهباء في عام 1959م فاكتسب من أسرته الأدب والخلق ونفذ النور الإيماني إلى قلبه وهو غض طري فاستقر فيه وتمكّن.

 عاش في كنف أسرته عيشة كريمة وثيرة تغص بالنعم واعتاد طريق المساجد منذ الصغر والركون إلى حلقات العلم مع والده لا سيما حلقة فقيه الحنفية الشيخ محمد الملاح رحمه الله شيخ والده.
 عمل مع والده في محل بيع الصابون في السويقة وكان عليه المعوّل في العمل، بينما كان يعمل إخوانه في تجارة الذهب في سوق الذهب.
 طلبه للعلم:

 أكبَّ جمال على حلقات العلم في الجامع الكبير عند الشيخ محمد الملاح موفِّقاً بين حلقات العلم والعمل والمدرسة وقد حظي باهتمام الشيخ الملاح الاهتمام البالغ بل استأثر به الشيخ حتى أنه غضب منه ذات مرة لتغيبه عن حلقته وحضوره حلقة شيخ آخر فعاتبه الشيخ الملاح وأعرض عنه وكان يقطب وجهه عندما يراه فاعتذر لشيخه فقبل الشيخ اعتذاره بعد تأنيب شديد.

 بنصح من الشيخ الملاح تابع دراسته بعد المرحلة الإعدادية في المدرسة الخسروية بحلب فانتسب إليها في الصف العاشر وكان يكبر زملاءه بسنتين فجعل هذا الفارق السني حاجزاً بينه وبين زملائه فما كانوا يختلطون به كثيرا وهو قد اكتملت لحيته ولذلك كان أساتذته يخصونه بالاحترام ويميزونه عن زملائه لبلوغه المبكر.
 صلته بجماعة الإخوان المسلمين:

 أثناء دراسته في الخسروية تأثر اجمال بفكر الإمام الشهيد البنا والسيد وسعيد حوى ومصطفى السباعي واتصل بجماعة الإخوان المسلمين واستفاد من شيوخهم كأمثال الشيخ عبد الله علوان، والشيخ محمد عثمان جمال، والأستاذ محمد فاروق البطل ،ومن هو قريب منهم مثل : الشيخ عبد الرحمن زين العابدين، والشيخ عبد الوهاب سكر, والشيخ طاهر خير الله، والشيخ محمد عوامة، والشيخ عبد الوهاب طويلة، والشيخ أبي النصر البيانوني ،ولازم الشباب الناشطين في حلب من أهل العلم والفضل، فاختار صفوة مباركة كان لهم فيما بعد عظيم الدور في العمل سوية لنصرة هذا الدين فكانوا يداً واحدة وحزمة من سهام أطلقت من كنانة الإسلام على أعدائهم فمن أولئك الأفاضل الشيوخ الكرام: وليد عطار، وجمال عيَّار، وجمال البي، وموفق سيرجية، وأسامة الإدلبي ، ورضوان قباني ، وحسني منجك , وكمال بيضون، وعبد الفتاح الشيخ، وسحبان طرّاب, وعبد المنعم كمال، يجمعهم الفكر الإخواني الوسطي، والحرص على النشاطات الدعوية والمسجديَّ .

 كان يحضر الاعتكاف في جامع الزكي في باب النصر عند فضيلة الشيخ محمد حجار رحمه الله ،وكان يحضر هذه الجلسة الكثير من الناشطين في مجال الدعوة وخيرة طلاب العلم ،فكانت لهم برامج عبادية وعلمية ،وكان لجمال اهتمام بأهل العلم والفضل حتى أنه سافر ذات مرة إلى حمص مع مجموعة من الشباب لتشييع جنازة الشيخ الكبير عبد العزيز عيون السود رحمه الله.
  
الجهاد وكرامة الاستشهاد:

 أدرك جمال الدين أن أداء الواجب يكون بالدم لا بالمداد وأن الدنيا فانية ومتاعها فانٍ, وكما يقول ابن بطال رحمه الله "ليس في أعمال البر ما تبذل فيه النفس غير الجهاد في سبيل الله" فاستعذب الغبار في سبيل الله عز وجل وكابد الأهوال من أجل ذروة سنام الإسلام فأقحم نفسه في المهالك لأجل أن يفتح الطريق للأجيال من بعده, وقد اجتهد والداه أن يقيداه بزوجة حرصاً وشفقة عليه لكنه أعرض عن هذا أعرض عن طلب شهوات الدنيا ففرّ إلى الله بأقصى ما يملك من قوة ولسان الحال منه يقول: يا رب أدركني واقبلني ولا تدعني أركن إلى الدنيا ولا تملّكها مني ولكأني به يتمثل قول سيدنا عمير بن الحمام رضي الله تعالى عنه:

 ركضاً إلى الله بغير زادِ                        إلا التقى وعمل المعادِ
والصبر في الله على الجهادِ                     وكل زادٍ عرضه النفاد
غير التقى والبرّ والرشادِ
فخرج جمال الدين مع فتية امتشقوا السلاح وحملوا أرواحهم على أكفهم في سبيل الله عز وجل لا في سبيل دنيا فانية لا تليق بمن باعوها من أجل حياة الخلد وحياة البرزخ بجوار المصطفى صلى الله عليه وسلم والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ووفّى جمال بمقتضى البيعة التي عقدها الله للصادقين فباع نفسه له عز وجل مستبشراً بما عند الله موقناً بموعود الله ولمح العاقبة فهانت عليه الدنيا الفانية إرضاء لربه فنال ما أراد وارتقت روحه من ميادين الجهاد والكرامة إلى سماء المجد مغبوطاً على ما منّ به الكريم من هذه الكرامة.
نشرت 2013 وأعيد تنسيقها ونشرها 8/2/2020