الشهيد السعيد عبد الله كرز

 

 

وقفات مع حياة بطل من بلدي
صديقه ياسر لطفي العلي

 

من روائع القدر أن يتقلب الإنسان في حياته بين مشاعر الحزن والفرح، وأن يعيش بين بسمة ترتسم على محياه في لحظة عطاء إلهي تغمر قلبه، وبين دمعة تسيل على وجنتيه حزنا وألما على فراق من يحب.
هذه الحالة من التقلب بين الألم والفرح عاشها كل من يعرف الشاب المجاهد البطل عبد الله كرز (الشهيد السعيد كما أطلق عليه الشيخ مجد مكي حفظه الله)، عرفته أخا صالحا مخلصا مقبلا على طلب العلم، محبا لبيوت الله، متعطشا لتحكيم شرع الله في حياته ومجتمعه.
فبقدر الحزن الذي غمر قلوبنا على فراق أخينا المجاهد عبد الله كانت السعادة تغمرها فرحا له بنيله الشهادة التي طالما سعى إليها وطالما تمناها وهو في مقتبل العمر عندما آثر ترك جامعته في كلية الهندسة ليلتحق بركب المجاهدين في العراق أيام غزوها من الأمريكان.
ولمن لا يعرف الشهيد السعيد أقول له: هو أبو مصعب (كما كان يحب أن يُنادى) عبد الله محمد الكرز، نشأ رحمه الله وترعرع على الالتزام وحب الدين منذ صغر سنه وكان يجتهد في حضور المساجد وحفظ كتاب الله في مسجد الإحسان بمدينة الباب، وفي شبابه كان قلبه معلقا في المساجد محافظا على صلاة الجماعة في المسجد فما يتخلف عنها إلا إن حبسه عذر شرعي قاهر.
ما يميزه بين أهل حيه وجيرانه بسمته التي كان يبادر بها عند لقاء كل من يعرفه ولا يعرفه، والتي تقرأ فيها كل معاني الطيبة والحب والأخوة الصادقة لك من يلقاه، بعد أن أنهى دراسته الثانوية بتميز وتفوق التحق بكلية الهندسة المدنية عام 2001، لكن سرعان ما تركها مؤكدا زهده بهذه الدنيا ومتاعها ليلتحق مع إخوانه المجاهدين في العراق عام 2003، وخاض فيها العديد من المعارك لكن لم يكتب الله له الشهادة حينها، وبعد أن عاد إلى مدينة الباب كانت علامات الحزن بادية عليه يقرأها كل ما يقابله ألما على سقوط بغداد حينها، وكان كثيرا ما يشعر بالفخر أنه نال شرف قنص بعض أعداء الله هناك.
وبعد أن سقطت العراق عاد إلى سوريا ليبدأ معركة من نوع آخر مع النظام الأسدي من خلال نشاطه الملحوظ في الدعوة إلى الله ونشر تعاليمه والحث على تطبيق شرعه في كل جوانب الحياة، فكان نتيجة نشاطه ذلك ان لم يبق فرع من فروع الأمن إلا واستُدعي إليه وكان له فيه اسم ونصيب من التحقيق والاستجواب، إلى ان جاء ذلك اليوم المؤلم عام 2007م عندما احاط فرع الأمن العسكري بمنزله من كل جانب ليعتقله مصطحبا معه كل ورقياته وكتبه وحاسبه وكل ممتلكاته، وليتم تحويله فيما بعد لسجن صيدنا ولتبدأ معاناته مع المعتقلات الأسدية وعندما اندلعت احداث سجن صيدنا الشهيرة كان شاهدا على المجزرة المروعة التي ارتكبها النظام المجرم والتي انجاه الله منها بأعجوبة كثيرا ما حمد الله عليها، ومما أكرمه الله أيام سجنه أنه أتم حفظ كتاب الله بسند جليل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشرع في حفظ صحيح البخاري من أحاديث رسول الله، وحينها كانت ثورة الحرية والكرامة قد اشتعلت في سوريا والتي كانت سببا لنيله الحرية في شهر حزيران 2011م، ليخرج من سجنه بعد طول غياب وليعود مرة ثانية إلى جامعته لكن دون أن يتردد في المشاركة بالتظاهرات ذات الطابع السلمي مع بداية الثورة.
وعندما نادى منادي الجهاد كان أول الملبّين، فبادر مسرعا في تشكل كتيبة شيخ الاسلام ابن تيمية في مدينة الباب وكان قائدا لها وأبلى فيها بلاءً حسناً من خلال جهاده في كل مناطق الريف الشرقي، وكل من يعرفه يشهد له بشجاعته وإقدامه وإقباله على الجهاد طمعاً إما بنصر من الله مبين أو بنيل الشهادة في سبيل الله.
إلى أن جاء اليوم الموعود الذي أكرمه الله بالشهادة وذلك أثناء اقتحام مركز الأمن العسكري في مدينة الباب يوم الأربعاء وليلة الخميس 28 شعبان 1432هـ، الموافق 18 تموز 2012، لقد استشهد رحمه الله في اليوم الذي نالت فيه مدينة الباب حريتها لتختلط المشاعر لدى أهالي مدينة الباب وشبابها بين فرح بنصر شارك فيه هذا البطل مع رفاقه وإخوانه وبين حزن وألم على فراق أبي مصعب الشهيد السعيد الذي أحبه كل من عرفه أو سمع به.
رحمك الله أخي أبو مصعب يا من تشرفت بمعرفتك وصحبتك، لقد سبقتنا إلى جنان الخلد إن شاء الله وسنبقى ان شاء الله على العهد حتى نحقق ما حلمت به على الدوام بأن ترى سورية وأهلها ينعمون بحرية ترضي الله وترضي نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم.
لم تمت يا حبيب الباب فأنت حيٌّ في كل واحد من أبناء بلدي أنت حيٌّ لأنك ساهمت في رسم مستقبل كل سوري ولد وسيولد في هذا الوجود ستبقى في قلوبنا خالدا أيها البطل الحر.
سنراك في كل حي وفي كل شارع من وطني عندما سنحتفل بالنصر القريب ان شاء الله، سنشم عبق دمك الطاهر مع كل نسائم الحرية، سنراك مع كل بسمة طفل سيولد على تراب سورية، سنذكرك مع كل أهازيج النصر، مع كل لحظات الفرح، مع كل أعراس الوطن الحبيب الذي نشتاق إليه محررا من هذا النظام الأسدي المجرم الباغي المستبد.
رحمك الله أيها الشهيد السعيد (أبو مصعب)