الشهيد الحييّ أحمد فراس ركبي

 


بقلم :أبي إسماعيل محمود الحلبي
الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على سيد المرسلين والنبيين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين والأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه إلى يوم الدين وبعد:
فهذه سطور يسيرة أسطر بها نتفاً يسيرة عن حياة الشهيد الحييّ ذي الخلق الرفيع والأدب الرزين الحافظ لكتاب الله: أبي حفص أحمد بن فراس ركبي ، تقبَّله الله في عباده الشهداء , أداءً مني لبعض الواجب بحقِّ شهدائنا الأبطال الذين قدّموا أرواحهم لله, ومن أجل الحفاظ على أرض الإسلام, وأهله والذود عن حياضه.
ولد الشهيد البطل في حي سيف الدولة بحلب عام 1988م لأبوين كريمين مستوري الحال فكان هو الشقيق الرابع لإخوانه.
عاش الطفل الكريم في كنف والديه غير أن والده شُغل عنه، وعن تربيته بسبب كثرة أسفاره سعياً لتأمين لقمة العيش, ولذلك كان الفضل الأكبر في تربيته لوالدته التي كان شديد البرّ بها.
درس الشهيد في مدارس حلب إلى المرحلة الإعدادية, ولم يوفَّق في دراسته؛ فبدأ يعمل في إحدى المطابع بحلب, وكان كثير الاتصال بأحد أقاربه المتدينين, والذي كان له فضل عليه في تعليمه أمور الدين والأحكام الفقهية, فتأثَّر به تأثراً بالغاً دفعه على سماع الدروس وإحضار الأشرطة والمحاضرات, ومتابعة القنوات الفضائية الإسلامية, وكان أكثر استماعه للشيخ محمد حسان، والشيخ محمد حسين يعقوب، والشيخ الفزَّازي من علماء المغرب السلفيين.
غرس هذا السماع في نفس هذا الشاب حب الجهاد الذي هو روح الدين الإسلامي وذروة سنامه السامق, فبدأ يبحث عن وسيلة ليجاهد في سبيل الله عز وجل وعن خيوط توصله إلى الثلة المجاهدة, فتعرف على أحد الأشخاص في مسجد حيّه الذي كان يصلي فيه, وبدأ ذلك الرجل يستدرج هذا الشاب صاحبَ الفطرة الإيمانية ليأتلف قلبه وليجره إلى شرَكه
[1], إذ كان هذا الرجل عميلاً للنظام الذي كان من عادته أن يدس عملاءه الأخفياء في المساجد, ويتظاهرون بالعبادة والتنسُّك, ويذرفون دموع التماسيح على أحوال الأمة ومآسيها, التي تكالب عليها الأعداء, وكان أحمد فريسة سهلة لهذا المجرم فباح له عما في داخله من حبه للجهاد وأنه يرغب بأن ينضمَّ إلى سلك صفوف المجاهدين في العراق, فقدّم ذلك الرجل هذا الشاب لقمةً سائغةً لفرع الأمن بحلب, وذلك في عام 2007م, ومن الأسئلة التي وجهها الضابط قال له: من تريد أن يتولى الحكم في سوريا؟ فقال: أريد أن يحكم الإخوان المسلمون سوريا. قال له ذلك بفطرته علماً أنه لا يعلم شيئاً عن الإخوان ولا عن منهجهم ولا عن برامجهم ونشاطهم, فهو يعلم أنهم مسلمون ولا يريد حكماً بغير ما أنزل الله, ففوجئ الضابط بكلامه ، وقال له: لعلك قد ضُربت برأسك في صغرك! فكان هذا الجواب كافياً لتحويله إلى فرع مكافحة الإرهاب المسمَّى فرع فلسطين بدمشق, ومن ثمّ تمَّ تحويله إلى سجن صيدنايا العسكري, علماً أن هذا الشاب لم يفعل شيئاً يسيء لسوريا ولشعبها, غير أن نظام الممانعة الذي أراد أن يرعب الغرب بأكذوبته التي باتت مفضوحة للقاصي والداني أنه يوجد عنده إرهابيون ومتشدِّدون, فمثله كمثل الجبان الذي يمسك بسلاح خلَّبي يسدِّده إلى خصمه ليرهبه به.
حُكم عليه من قبل الخاسر الظلامي المدعو فايز النوري قاضي محكمة أمن الدولة بالسجن ست سنوات بتهمة الانتماء إلى جمعية تهدف إلى قلب نظام الحكم في سوريا, تلك الجمعية التي اضطر أن ينتمي إليها أطفال درعا وشيوخ إدلب وحرائر بيضة بانياس وعذارى حمص وشباب ريف حلب ونشامى الفرات وكل أبناء سوريا من ساحل اللاذقية إلى نهاية ضفاف الفرات في البوكمال, ومن أقصى الشمال في ريف حلب إلى أقصى الجنوب في درعا.
فوضّ الشهيد أمره لربه في سجنه ورضي بقضاء الله عز وجل, فكان في سجنه يقوم الليل ويصوم النهار ويمضي يومه في قراءة القرآن والتَّهليل والتَّسبيح, وعكف على حفظ كتاب الله عز وجل, فكان يتلوه آناء الليل وأطراف النهار, ويجلس إلى حلقات طلاب العلم في السجن, ويكثر من القراءة لكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وحافظ دمشق ابن كثير, وحفظ جلّ كتاب "رياض الصالحين", وقرأ "نَيْل الأوطار", كما أنه قرأ كتباً في السيرة النبوية والفقه وكتباً أخرى بحسب ما كان يتيسَّر له من كتب في السجن.
وفي نهاية الشهر السادس 2011م تمَّ نقله إلى سجن حلب مع بقية إخوانه المعتقلين من أبناء حلب وإدلب واللاذقية, بعد إلغاء قانون الطوارئ, وكان حاله في سجن حلب كما كان عليه الحال في سجن صيدنايا من الإكثار من العبادة والإنابة, ويكثر السماع للدروس والمحاضرات بحسب ما يتوفر له من مسموعات, وكان شديد التأثر بها, وكثير البكاء عند السماع.
وأما عن خلقه الكريم فحدّث عنه ولا حرج, يحترم كل إخوانه ويجلهم ولا سيما مع إخوانه الذين هم أكبر منه سناً, كان قليل الكلام فلا يتكلم إلا إذا سئل, كثير التبسم والحياء, وكان يتابع أخبار المسلمين والثورة السورية المباركة, ويحزن لضعف مشاركة أبناء حلب في الثورة في بدايتها, ولما وصلت الثورة إلى حلب في أول انطلاقها من مسجد آمنة فرح بهذا وقال: هذا مسجد حارتي.
واظب على الرياضة والإعداد البدني, وكان صاحب عزيمة قوية من أجل الوصول إلى هدفه, حتى أنه عمل نظاماً غذائياً قاسياً من أجل تخفيف وزنه حتى لا يعوقه ذلك عن عمله في الجهاد, والذي كان يحلم به عند خروجه من السجن ، ولاسيما أنه شارف على انتهاء حكمه.
وبعد أن أنهى حكمه الذي فُرِض عليه من قبل الظالمين أُفرج عنه وخرج من السجن في الشهر الأول من عام 2012, وقد حاول والداه في بداية الأمر أن يربطاه بزوجة, لأنَّهم كانوا على علم أنَّ ابنهم لن يتخلَّف عن ركب المجاهدين, غير أنه آثر العمل الجهاديَّ والانخراط في الثورة المباركة سعياً لجنة عرضها السموات والأرض, فرغب ببيع نفسه لله عز وجل, واثقاً بوعده الذي وعد به في التوراة والإنجيل والقرآن مستبشراً بذلك البيع, فانضمَّ لصفوف المجاهدين في جبهة النصرة, ثم انتقل للعمل في صفوف المجاهدين في حركة الفجر الإسلامية, وشارك معهم في تحرير ثكنة هنانو, التي نال بها وسام الشهادة يوم الجمعة 7-9-2012م.
اللهمَّ إنَّ عبدك أحمد قد استجاب لك وآمن برسولك ، وجاهد في سبيلك فاغفر له وأدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيِّبة في جنَّات عدن ،واجعله من الفائزين ،ومتعنا اللهم بنصر قريب، وبشّر عبادك بالفوز المبين.


[1] كان النظام البعثي يزرع في مساجد حلب عملاءه عن طريق عميله محمود قول آغاسي الذي يكنى بأبي القعقاع، وكان سبباً في اعتقال الكثير من الشباب المؤمن والذين كان يحضهم على الجهاد ويحمِّسهم عليه ومن يجد فيه دوافع الجهاد يدفع به إلى الأفرع الأمنية ليعذب ويسجن.