الشهيد البطل الدكتور محمد الخلف(2)

                  
بقلم الدكتور عامر أبو سلامة
 
طلب مني بعض الإخوة على إثر كتابة مقالتي الأولى عن الشهيد أن أعرف بالشهيد أكثر، فتلبية لطلبهم أقول:/
 
الشهيد بإذن الله تعالى، محمد أحمد الخلف- رحمه الله- من مواليد ابلين/ جبل الزاوية، عام 1953م، من أبوين كريمين طيبين، وتحملت هذه العائلة، من ظلم النظام المجرم، كثيراً من العناء، فوالدته بقيت في سجن المخابرات فترة طويلة، وضربت وجلدت، وذاقت الأمرين، وكانت صابرة محتسبة ذلك في سبيل الله تعالى، وهذه العائلة بما لاقت من قهر ومحنة_ مثل كثير من عائلات الشعب السوري في الثمانينيات_ تؤشر على طبيعة هذا النظام الإجرامية، حيث لا تحترم قيمة، ولا تعرف رائحة لحقوق الإنسان، فقتل واعتقل وجلد ونهب وسلب، وداس على رؤوس الأحرار، من هنا نقول :إن الربيع في سورية بدأ عام ثمانين، من يوم انتفض الشعب السوري على هذا النظام العفن، وطالبوا بالتغيير، لكن الظروف- بما تحيط بها من ملابسات- كانت أكبر من الواقع، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
 
حصل شهيدنا الحبيب، على درجة الدكتوراه في الجغرافيا، رغم حبه الشديد للغة العربية، والعلوم الشرعية، لكن اجتهاده يقول: سوف نسخر علوم الجغرافيا لخدمة ديننا، لذا كان يتباهى، أنه كان يربط حقائق الجفرافيا، بإعجاز القرآن الكريم، فلا غرو فالرجل محب للدين حباً ملك عليه، كل خلية في جسمه، وكل خلجة من خلجات نفسه.
 
ففقيدنا من خطباء المساجد، ومجاز بالقرآن الكريم، وقاريء نهم في كتب التفسير والحديث والسيرة والفقه، والفكر الإسلامي، فروح قلبه أن يحاضر أو يخطب أو يذكر، بباب من هذه الأبواب.
عرفت فيه كثيراً من خصائص الخير، وخلال الفضل، وجل الذي لاعيب فيه، وكل واحد من الناس، له وعليه، والعبرة بكثرة الفضائل، والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث، لذا قالوا عن العل أنه: من غلب خيره شره.
 
ومما عرفته عن فقيدنا الفاضل، أنه صادق صدقاً عجباً، فلا يعرف الكذب، بل لا يعرف رائحته، ومفردات المعاريض، لا توجد في قاموس حياته، على الإطلاق، وكم عنى وعانى من حوله، من هذه الخاصية، وكانت تربيته تأبى عليه إلا هذا، ومشهور قوله الدائم: باطل، أنا أكذب؟؟!! والله لو انفردت سالفتي عن رأسي لم ولن أفعل هذا، هذا عندما يطلب منه أن يجامل في موقف، أو يلفلفه بطريقة ما.
 
ورغم هذا كان مخزن أسرار، إن ائتمنته على سر، فسرك في مكان أمين، وهذا مما جربته فيه، لذا كان من خصائصه الأمانة، فلا يدلس، ولا يغش، ولا يدخل جيبه قرش حرام، بل كان ورعاً ورعاً يذكرك بسلف هذه الأمة، بل لو أمنته على مال الدنيا، فعلى المطلوب سقطت، فأمن ولا تلتفت.
 
كان محبوباً عند إخوانه، يأنسون به، ويرتاحون لحديثه، ويأمنون مجالسته، وسهرة مع أبي سليم، لها منزلتها الكبيرة في نفوس إخوانه وأحبابه.
كان شجاعاً، قوالاً للحق، لا تأخذه في الله لومة لائم، من هنا لبى نداء الواجب بالالتحاق بصفوف الخيرين، من أبناء هذا الوطن الحبيب، ليساند الشعب الجريح، ويكون واعظ خير، مذكراً الناس بالصبر والثبات، على رؤوس المنابر، وفي محافل تجمعاتهم، ولما قالوا له: إنك تعمل في المجال هذا فحسب، لم يهن عليه، أن يرى الشبيحة وأزلام النظام ومجرميه، يعيثون في الأرض فساداً، وهو يتفرج بل يقتصر عمله على الوعظ والإرشاد فحسب، فحمل سلاحه مراراً، ليكون في صفوف أبطال هذا البلد الميامين، الذين يدافعون عن العرض والمال والنفس والقيم( ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون نفسه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد).
 
 وبقي على هذه الحال، حتى لقي ربه، بقناصة قناص، يوم( 29/12/2012)، عند جسر الحامدية، معرة النعمان، رحمه الله، وتقبله شهيداً، وحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وفرج عن أبناء هذا الشعب، ما هم فيه، وأسقط هذا النظام بكل رموزه وعناوينه، وعلى رأسهم سفاح العصر، المجرم بشار.