الشهيد أحمد ياسين

 

                  
                 وقفات وصور من حياته واستشهاده...
   في هذه الأيام التي يزدحم فيها عاشقو الشهادة والجهاد في سبيل الله في مرابع العز و مواطن الكرامة في ثغور الشام كلها راجين رضا الله دون سواه وهم يقولون:
 
   إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا.....كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا
   فإما حياة نظّم الوحي سيرها........وإلا فموت لا يسر الأعاديا
   رضينا بك اللهم رباً وخالقاً.....وبالمصطفى المختار شهماً وهاديا
 
   في هذه الأيام يعذُب الكلام ويطيب عن الشهداء الأبرار من أمة المختار ..فهم بسيرهم المضمخة بأريج الإيمان والحب والإخلاص والصدق رايات سامقة يُهتدى بها ويحملها السائرون على طريقهم من المجاهدين والثوار..
 
   وقد انقدح في خاطري تسطير صفحات عن خليفة الشهيد عز الدين القسام في بلاد الشام الذي أبت عليه نفسه الشامخة بالإيمان العزيزة بالإسلام أن يخضع أو يُهان..إنه الشيخ المجاهد أحمد ياسين الذي جيّش المجاهدين وقوافل الشهداء,وهو حبيس كرسيه أو في زنزانات الصهاينة الأعداء ..
 
   أقف الساعة عند صور ومشاهد من حياته المباركة ,كنت قد كتبت ومضات يسيرة منها يوم استشهاده ...
 
الصورة الأولى:
كان الشهيد أحمد ياسين يحمل في جهاده راية الإسلام؛لأن منهجه وفكره الذي يؤمن به ويعيش من أجله أن فلسطين السليبة لا تُسترد إلا بما فُتحت به من قبل وما حُررت به من بعد..
 
   فتحها عمر بن الخطاب هو وجنده وقادته بالإسلام الذي أُترعت به قلوبهم..فتحوها وهم يرفعون راية لا إله إلا الله..ولم تفتح عليهم براية سواها..و لما استلبها الصليبيون وعاثوا فيها فساداً لأكثر من قرن,لم يحررها صلاح الدين الأيوبي إلا بــــــ لا إله إلا الله..لقد ملأ قلوب جنوده بالإيمان وحب التضحية والشهادة في سبيل الله ثم خاض الحرب الشرسة مع الصليبيين حتى أذاقهم كأس المنايا ومرارة الهزيمة..
   هذا ما كان يؤمن به أحمد ياسين ويكفر بغيره..لن تعود فلسطين من غربتها ولن يُفك أسرها إلا بما فتحت به من قبل وما تحررت ..
 
   فأين المتشدقون الذين ملؤوا أفواههم بالكلام عن فلسطين وتحريرها وهم غرباء عن الإسلام بل أعداء له بفكرهم ومناهجهم وحياتهم,يريدون له أن يُنحّى عن ساحة المعركة لينتصروا على اليهود من دونه ..؟!!
   لقد كذبوا على شعوبهم وأممهم ما يربو على نصف قرن,ثم خسروا وخُذلوا و هُزموا شر هزيمة أمام شرذمة قليلة تجمعوا كالرقاع من أصقاع الأرض..
 
   لقد أعلن حافظ الأسد وزير الدفاع في عام (1967) الانسحاب من الجولان والمقاتلون الصادقون ما زالوا على ثراه يسقونه بدمائهم حتى حسب اليهود أن كميناً محكماً يُعد لهم فكانوا يتقدمون وهم على حيطة وحذر إلى أن تيقنوا أن وزير الدفاع صادق في الذي أذاعه..!
 
   أين القومية التي رفعتم بها أصواتكم؟ أين المبادئ والأفكار التي آمنتم بها واستبدلتموها بالإسلام..؟!
   لقد كنت أذناباً للشرق والغرب كما كان أسلافكم الجاهليون من قبل أذيالاً لفارس أو الروم قبل أن يعزهم الله تعالى بالإسلام لينعتقوا من هذه الإمعية..فرضيتم بما ذلوا به ولم ترضوا بما أعزهم وأعاد إليهم كرامتهم ..!!
 
   لقد بدت عوراتكم القبيحة فما عليكم اليوم وقد بدت إلا أن تستحيوا وتنصرفوا لسترها قبل أن تُساقوا إلى معاطن الإبل وزرائب الأغنام وقبل أن توطؤوا بالنعال والأقدام وقبل أن تغرقوا في بحر من البصاق من أممكم وأمم الأرض ..!!
 
الصورة الثانية:
وأما هذه الصورة فهي تحكي عن صدقه وإخلاصه في طلب الشهادة في سبيل الله..وما أكثر ما كان يردد ويقول: إنما نحن طلاب شهادة ..
 
   والغريب أن الصهاينة كانوا يهددونه بما يحب ويعشق..وإنما يُخوّف الإنسان مما يكره فكيف يخاف مما عشق ؟!
 
   وربما لم يخطر في البال أن يُكرم الشيخ بالشهادة لأنه مقعد سجين كرسيه ببدنه وإن بروحه وقلبه يطير فوق عَنان السماء..لكنه صدق في أمنيته فجاءه المحبوب المطلوب صاغراً وهو على كرسيه عزيزاً كريماً..أدى صلاة الفجر في جماعة وذكر الله تعالى ونظر في كتابه الكريم ثم خرج من المسجد وكأن الشهادة تسعى نحوه وهو يسعى نحوها حتى التقيا فعانقته وعانقها..لقد اشتاق الجسد الضعيف الحبيس لربه سبحانه وتعالى ولرسوله المصطفى وطال الانتظار وقل الاصطبار فلعله في هدأة الليل وقد فُتحت أبواب الدعاء دعا وبكى واشتكى..أي ربي متى اللقاء..؟ أي ربي متى أُطلَق من قيدي..؟ أي ربي متى أحظى بقربي..؟ فقيل له:صدقت وبررت فلتنالنّ ما طلبت فلتنالنّ ما طلبت..
 
   ومتى نُضيّع من يُنيخ ببابنا....والمعرضون لهم نصيب وافر ؟!
 
   ومن قبل تمنى سيدنا عمر الشهادة في سبيل الله,فكان يدعو فيقول:اللهم شهادة في سبيلك وميتة في بلد نبيك محمد صلى الله عليه وسلم..! فقيل له:أنى ذلك استغراباً وتعجباً؟! فكان ما طلب فطعنه جد مجوس اليوم أبو لؤلؤة فكان شهيداً ودفن في طيبة بل بجانب الحبيب..!!
 
   فأين عشاق الشهادة اليوم من حكام العرب والمسلمين أين الحاكم الذي يسعى لهذه المكرمة كما سعى لها سيدنا عمر من قبل و أحمد ياسين من بعد؟!
 
   إن هذه الصور من حياة الشيخ لتبعث في حياتنا أملاً ورجاء يحول بيننا وبين اليأس والقنوط مما أحاط بنا وأصابنا..فالشيخ صورة متكررة تعيد الحاضر إلى الماضي وتُشخص الماضي إلى الحاضر..لقد رجع الشيخ إلى الماضي الغابر فأيقظه في ذاته وروحه وعقله وعواطفه وقيمه وعبره فاستيقظ..فكان منه حياة جديدة لا تموت أبداً ..ستبقى متوارثة في أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ما طلع النيران..
 
   لقب الشهادة مطمح لم تدخر...وسعاً لتحمله فكنت وكانا
   يا أحمد الياسين كنت مفوّهاً....بالصمت كان الصمت منك بيانا
   وثقت بالله اتصالك حينما....صليت فجرك تطلب الغفرانا
   ووضعت جبهتك الكريمة ساجداً...إن السجود ليرفع الإنسانا
   يا أحمد الياسين إن ودعتنا.....فلقد تركت الصدق والإيمانا
   يا فارس الكرسي وجهك لم يكن...إلا ربيعاً بالهدى مزدانا
   دمك الزكي هو الينابيع التي....تستقي الجذور وتنعش الأغصانا
   ستظل نجماً في سماء جهادنا...يا مقعداً جعل العدو جبانا