الشهيد أبو حفص عمر لطوف

 

بقلم: ضياء الدين البرهاني

 


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:
أبو حفص، عمر لطوف شاب أبيض تشوبه حمرة لطيفة، ولحيته سوداء جميلة، وشعره أسود إلى أنصاف أذنيه، وهبه الله الجمال والكمال، وابتسامته لا تفارق شفتيه، لطيف دمث رقيق خلوق حيي يفيض بحب الله ورسوله، حافظ لكتاب ربه،  قليل الكلام لا يقول إلا خيرا، هين لين، فاجأنا أن هذا اللطيف هو أسد هصور أخذ من عدوه كل مأخذ، ونكّل به تنكيلا، وقتّل به تقتيلاً، ولم يزل ولم يبرح على ذلك إلا وقد وافته المنية على هذا الحال (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُون)


وأبرز ما يميزه قوله تعالى (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِم )
مثال يحتذى به ونموذج يقتدى به، يتعامل مع الناس باللطف واللين والرفق والرقة، حاله مع مخالفه حال الكريم المحسن، ولذلك التمَّ عليه من حوله من أطايب وأخاير الناس،  حريص على وقته كثير القراءة والمطالعة، صوام قوام، رسالته الخالدة: قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، وهدفه في القتال في سبيل الله: لتكون كلمة الله هي العليا.


الولادة والنشأة
ولد أبو حفص في عام 1986م في بلدة إحسم في جبل الزاوية، وعاش وشب في كنف أسرته، وانتسب الى كلية الهندسة الكهربائية في جامعة حلب، وكان ملتزماً بدينه وملتحياً أثناء دراسته الجامعية.
اعتقاله
ألقت عليه القوات الأمنية القبض وهو في ريعان شبابه، وزجت به في أقبيتها لأنه تعرف على شخص كان قد جاهد في العراق، فنقله نظام المقاومة والممانعة الزائفة إلى سجن صيدنايا، وقد حكم عليه الخائب الخاسر فايز النوري بالسجن بضع سنين لمجرد لقاءه بأحد المجاهدين.
 وفي السجن التقى بصفوة مباركة أحبهم وأحبوه واستفاد منهم، ولا سيما من المتعلمين منهم، وحفظ كتاب الله عز وجل، وأجيز بالجزرية من الأخ أبي بهاء خالد علوش بعد أن قرأها عليه متناً وشرحاً، وقرأ عليه قسماً من كتاب الله عز وجل، وحفظ ألفية ابن مالك، بعد أن شرحها له أبو عبد الحميد مصعب حمود الكرنازي، وتعلم الفرائض ودروس التوحيد ومباحث الإيمان، وضوابط التكفير والولاء والبراء، ويقوم بتدوين هذه الدروس، وبعد فراغه من الدروس يقوم على خدمة إخوانه ويشاركهم أعمالهم مهما كان نوع العمل، وأبلى بلاءً حسناً في أحداث استعصاء سجن صيدنايا، وكان يسهر على حراسة إخوانه في الليل خشية غدر المجرمين ومباغتة الجيش لهم.
 تم تحويله إلى سجن حلب المركزي بعد إلغاء حالة قانون الطوارئ فداوم على ما كان عليه من عمل، وخلق، وكان هو ورفيق دربه الشهيد أبو الوليد أحمد باكير في الغرفة العاشرة في جناح السياسين في سجن حلب.


عمله الجهادي
بعد أن منّ الله عز وجل عليه بالخروج من معتقله من سجن حلب في بداية عام 2012م وتنشق نسيم الحرية لم تأسره شهوات الدنيا ومتعها، ولم يركن الى الدعة والحبور، وفي بداية أمره كان يسعى على خدمة إخوانه المعتقلين، وتابع أوراقهم في محكمة أمن الدولة، ثم انضم إلى حركة أحرار الشام ليتصدى لمن يدعي ظلماً وزوراً حماة الديار الذين باعوا الديار بالمال والمناصب والأوسمة، وهتكوا الأعراض ودنسوا المقدسات، فأطلق أبو حفص صرخة الحق مدوية مجلجلة، وجاهد مع إخوانه في الحركة الذين ليس لهم هم إلا نصر الدين وحماية المظلومين، وسجّل معهم صوراً رائعة من الصبر في الجهاد، ولم يصبر على المجرمين بل كانت نفسه تغلي منهم، وترك بصمات رائعة في أرض الجهاد ملخصها (لا نامت أعين الجبناء)، وشارك مع إخوانه المجاهدين في معارك جبل الزاوية والغاب، والريف الحموي، وألحقوا بكتائب الجيش الأسدي وجحافله وأنصاره هزيمة نكراء، وآب الثوار بأنعم نعمة وأعز نصر.


معركة الفتح المبين ووسام الشهادة
تسلّم أبو حفص قيادة كتيبة الفرقان من بعد أبي الوليد، وخلفه على قيادة لواء أبي العباس القرشي بعد استشهاده في معركة الفتح المبين أثناء تحرير حواجز بسنقول، والتي دارت فيها معارك ضروس بين الطرفين، وحصد الأبطال العشرات من جنود الطغاة، وكان أبو حفص يقدم جنده في القتال، وقد أبدع جرأة وشجاعة ونكاية في عدوه، وأكرمه الله عز وجل بوسام الشهادة في الثالث من شهر رمضان المبارك عام 1434ه، وليكون دمه نبراساً للأجيال ومشعل هداية للأمة من بعده الذين سيواصلون الطريق إلى النهاية بعون الله، لن يهابوا ولن يستكينوا، والعاقبة للمتقين، وإن الله ناصر دينه، (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُون ) (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِين* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُون* وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُون).
حرر في يوم السبت: 16ذو القعدة 1434ه