السلام على غير المسلمين

الدعوة إلى الله حب

كلمة حفظتها قديما ، وجعلها الداعية الموهوب المسدَّد الحاج عباس السيسي رحمه الله تعالى عنوانا لكتيب له.

نعم .. الدعوة إلى الله حب.

والحب لا بد أن يترجم سلوكا عمليا يشعر به الآخرون، ولا يمكن أن يشعروا بهذا الحب عندما تفاضل في التعامل ، وفي التحية، وفي بشاشة اللقاء ، بين إنسان وآخر، بناء على تمايزات يصنعها اليشر. 

فالتفاضل الحقيقي هو على أساس التقوى، وهي من أعمال القلوب التي لا يطلع عليها إلا رب القلوب.

من هذا الباب موضوع التحية، فعندنا، نحن المسلمين، التحية هي السلام، والسلام حق لكل إنسان، وهو الأصل في التعامل. قال الله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا.. ) أي لتتعارفوا. 

والتعارف يحتاج إلى هدوء ، وروية ، ووعي ، وحسن انصات، وسلامة صدر، وهذا كله من مسلتزمات السلام. لذلك كانت تحيتنا (السلام عليكم).

لكن المشكلة عندما أخص بالتحية المسلمين دون غيرهم، ولا أقصد بالغير الأعداء المحاربين لنا، ولكن أقله غير المسلمين الذين نعيش معهم أيامنا، وآلامنا، وأفراحنا، وأتراحنا، ونتشارك معهم الأرض ، والجدار، والسلم، والطريق... 

هؤلاء لهم علينا حق أن يشعروا بيننا بالأمان، والسلام مفتاح الأمان.

قد يتحجج البعض بنصوص نبوية تنهى عن مبادأة أهل الكتاب بالسلام، ولو راجعنا هذه النصوص بروية وضمن سياقات ورودها، سنجد انها تتعلق باليهود من اهل الكتاب، الذين غلبت على العلاقة بيننا وبينهم، ولا تزال، الحروب. ثم يقاس عليهم من كان على شاكلتهم في المكر والغدر.

ويشهد لذلك أن مسلما رحمه الله تعالى، بوب في صحيحه بابا بعنوان: (النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم) ذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها في دخول يهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقولهم له (السام عليك) والسام الموت، يحرفون الكلام لجعله شتيمة. 

وللحديث أخرجه البخاري في مواضع، منها: (باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة)، وباب (كيف يرد على أهل الذمة).

هذا كله يؤيد قول القائل إن النهي عن بدء غير المسلمين بالسلام ينصرف إلى المحاربين الذين يضمرون السوء والشر .

وعلى هذا المعنى يحمل حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند ابن حبان: (لا تبادروا أهل الكتاب بالسلام.. ). لأن الحديث أخرجه مسلم في صحيحه في الباب السابق.، فيحمل على المعنى ذاته.

أما غير المحاربين، الذين يألفوننا ونألفهم، ويجاوروننا ونجاورهم، ويخالطوننا ونخالطهم، ويشاركوننا أفراحنا وأتراحنا ونشاركهم، فلا يشملهم هذا الحكم، والدليلُ فهمُ الصحابة وعملهم وفق الأحاديث.

كيف فهم الصحابة القضية؟

أخرج الإمام البخاري في (الأدب المفرد) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: (لَوْ قَالَ لِي فِرْعَوْنُ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ. قُلْتُ: وَفِيكَ، وَفِرْعَوْنُ قد مات).

يعني الحي أولى، وبخاصة إذا لم يكن مجرما بحق الدين مثل فرعون. علما أن فرعون قد علم انه مات على غير الإسلام، أما الحي فلا ندري ما يختم الله تعالى به حياته، وقد يكون أدبك معه سببا لإسلامه.. 

وجاء في (التمهيد) للحافظ ابن عبد البر رحمه الله تعالى/ 17 / 91 / : عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - أنه كان لا يمر بمسلم، ولا يهودي، ولا نصراني، إلا بدأه بالسلام.

وروى الوليد بن مسلم، عن عروة بن رُوَيْم، قال: رأيت أبا أمامة الباهلي، رضي الله عنه، يسلم على كل من لقي من مسلم وذمي، ويقول: هي تحية لأهل ملتنا، وأمان لأهل ذمتنا، واسم من أسماء الله نفشيه بيننا

وروي عن ابن مسعود وأبي الدرداء - رضي الله عنهما - وفضالة بن عبيد رحمه الله تعالى - أنهم كانوا يبدأون أهل الذمة بالسلام.

وعن ابن مسعود - رضي الله عته - أيضا، أنه كتب إلى رجل من أهل الكتاب: السلام عليك.

وعنه أيضا أنه قال: لو قال لي فرعون خيرا لرددت عليه مثله.

وقيل لمحمد بن كعب القرظي: إن عمر بن عبد العزيز سئل عن ابتداء أهل الذمة فقال: نرد عليهم ولا نبدأهم، 

فقال محمد بن كعب: أما أنا فلا أرى بأسا أن نبدأهم بالسلام. 

قيل له: لم؟ 

قال: لقول الله عز وجل (فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون)" انتهى.

هذا التطبيق، وهذا التصرف من هؤلاء الصحابة الكرام يدل على أن مفهوم النهي منصرف إلى الذين يناصبون المسلمين العداء، لذلك كانوا يعاملون أهل الذمة مثلما يعاملون بقية المسلمين لأنهم لم يكونوا اعداء... 

فسلامك ، أخي المسلم ، على جارك ، او زميلك ، غير المسلم ليس فيه مخالفة شرعية على الإطلاق، وفاعله لا يرتكب معصية، وإنما يطبق مكارم الأخلاق التي بعث بها نبينا صلى الله عليه وسلم، ويتأول الرحمة التي أرسله الله تعالى بها للعالمين، كما في قوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

وعلى فرض ان البعض يتمسك بالتأويل الآخر، فإن المسألة تصبح خلافية، وعندها لا نتشدد فيها، ونترك كل جماعة لرأيهم، ولا ننكر عليهم، والقاعدة تقول: يُنكر المتفق عليه ولا ينكر المختلف فيه.

ورضي الله تعالى عن أمير المؤمنين في الحديث سفيان بن سعيد الثوري القائل: إذا رأيت الرجل يعمل الذي اختلف فيه وعندك غيره فلا تنهه عنه.

وقال: العلمُ الرخصةُ عن الثقة، أما التشدد فيحسنه كل أحد.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين