الربيع العربي والاستقطاب السياسي

 من التحديات الكبيرة التي واجهت وستواجه القوى الاسلامية والقوى العلمانية في الربيع العربي تحدي الاستقطاب، فكلتا الكتلتين قد تمثل عشرين بالمائة من المجتمع، ولكنها تستطيع أن تكسب لصفها ثلاثين بالمئة من باقي أطياف المجتمع التي يمكن أن نسميها الكتلة المتحركة، بالوعود الانتحابية والحملات الاعلامية المركزة، أو بالقدرة على تشويه صورة الطرف الآخر وشيطنته... ولكن هذا الكسب سيبقى مؤقتا وعرضة للتبدلات والتاثرات بالاعلام والبروباجندا ما لم يكن هناك قدرة حقيقية على الخروج من الشرنقة الايديولوحية للطرفين والعمل على توفير مكتسبات حقيقة حيادية لهذه الكتلة المتحركة بين طرفي الاستقطاب الاسلامي والعلماني.
 
هذا ما فعله حزب العدالة التركي ونجح فيه، وما يحاول أن يفعله حزب النهضة التونسي ولم يصل إلى بر الامان بعد، وما فشل في فعله حزب الحرية الاخواني في مصر..
ويمكن لحزب الحرية أن يقول: (صح مني العزم والدهر أبى...)، وقد يخفف هذا من اللوم عليه ولكنه لا يخرجه من دائرة الفشل للاسف...
 
الدور قريباً سيكون على سورية، والكتلة الناجحة هي الكتلة التي ستستطيع ترتيب أوراقها بالقدرة على كسر حلقة الاستقطاب والاستيعاب الحقيقي لأطياف وطنية واسعة في صفوفها تغني المشهد الوطني الكبير وتحقق الخدمات والتنمية والتقدم بعيداً عن الاستبداد والفساد، وهذا لا يكون بالاقوال وإنما بالافعال. ومرة ثانية نستشهد بالحالة التركية التي قدمت مثالا يحتذى للنجاح في أصعب الظروف.
 
منذ أيام نشرَ الاعلامي السوري اللامع الاستاذ اياد شربجي الذي يقيم حالياً في أمريكا والذي لا يمكن تصنيفه إلا بالاعتدال والوسطية، نشر كلاماً مهماً على صفحته في الفيسبوك قال فيها:

فرصة سانحة لتوحيد جهود الثورة، فهل سنفوّتها؟
نحن بحاجة ماسة وبأسرع وقت ممكن لتأسيس تيار أو حزب سياسي ذي توجه مدني معلن، وخلفية إسلامية وسطية تستوعب وتستقطب وتجمهر من حولها الوسطيين من الإسلاميين وهم غلبة الشارع المتديّن في سورية.
التطرف والفوضى الحاصلة الآن هي بسبب غياب هذا التمثيل فيما المتطرفون يجدون قوىً ودولاً تدعمهم مادياً وسياسياً وعسكرياً وإعلامياً ليفرضوا مشروعهم الوافد، والذي يبدأ ظاهره بنصرة الثوار والثورة لينتهي حتمياً إلى احتلال سورية ما بعد الأسد، وإقامة نظام دموي سينهي بالتأكيد وجود سورية كبلد، وسيحولها إلى كتلة متهالكة من العصبيات الدينية والقومية المتناحرة، ومأزومة داخلياً مع نفسها، وخارجياً مع العالم من حولها.
إن التأخر في تشكيل هذا التيار أو الحزب يعني شيئاً واحداً..... اضمحلال ما تبقى من التيار والقوى الدينية المعتدلة الممثلة بمدرسة رجال الدين الشام الأقرب للمتصوّفة والأشعرية والأكثر تحضّراً وانفتاحاً أمام بزوغ متصاعد لقوى وهابية تكفيرية تدميرية غريبة عن مجتمعنا، و مسكونة بالجهل والتخلّف وثقافة الدم و العنف المستمر بدعوى الحرب على الكفر، و التي لا ترى من الثورة إلا فرصة سانحة لإقامة نظام يظنون أنه دولة الخلافة، وهم في الحقيقة أبعد ما يكونون عن فهم خلفيات و ضرورات ورجالات تلك المرحلة من التاريخ الإسلامي.
لا أعتقد أن تحقيق ما ننادي به مجرد ترف فكري وسياسي، بل ضرورة وواجب وطني وشرعي.
أنا متأكّد أن خروج مثل هذا التيار إلى النور سيكون الخطوة الأولى لاستعادة الوطن السوري، وسيفاجئ من سيعملون عليه -إن فعلوا بإتقان وإخلاص- بحجم الالتفاف والدعم الهائل الذي سيلقونه من ملايين السوريين من جماهير ورجال إعلام وثقافة ومال، وهذه ستكون فرصة لاستعادة صوت الثورة لأصحابها وتوحيد الطاقات والجهود لإسقاط النظام ووقف حمام الدم ومن ثم البدأ ببناء البلد.

في النهاية لعله من الضروري التذكير هنا بأن هذا المشروع -إن تم- فإنه من الضروري أن نتعاون جميعاً كسوريين لإنجاحه وحمايته -وحتى لو لم يرغب كثيرون بالانتساب إليه- ذلك أن هناك دولاً إقليمية وعالمية لا تريد رؤية النموذج الأردوغاني مجدداً وستعمل كل جهدها لإفشاله، وهي تفعل ذلك منذ بداية الثورة على أية حال.
إياد شربجي
انتهى كلام الاستاذ اياد.
 
الاخوان المسلمون السوريون بتشكيلتهم الحالية لن يستطيعوا كسب أكثر من عشرين بالمئة من أصوات المجتمع في أي إنتخابات قريبة، وهذه أصلا تقديرات كثير منهم، وكذلك الاحزاب العلمانية التفليدية لن يحالفها الحظ باكثر من هذه النسبة، وستكون الفرصة أكبر أمام أي حزب وطني مستقل ذو مرجعية إسلامية وسطية يعمل على ترسيخ قيم الحرية والعدالة بالوسائل الديمقراطية.
 
الحزب الوطني للعدالة والدستور (وعد) يقدم نفسه حزباً سياسياً يلم الشمل الوطني ويتقدم بصدق وشجاعة ليسد هذا الفراغ وليكون أمل السوريين الوطنيين في البدء بصفحة جديدة مشرقة، حزباً وطنياً مستقلاً ذو مرجعية إسلامية وسطية، يعمل على ترسيخ قيم الحرية والعدالة بالوسائل الديمقراطية.
وقد ذكر الدكتور أحمد كنعان، الامين العام لحزب (وعد) أن موعد إشهار الحزب هو في التاسع من شهر نوفمبر القادم، وأن جميع الادبيات والترتيبات اللازمة ستكون قد استكملت.
عندما كنا في السنة الاخيرة في كلية الهندسة، قال لنا أحد الدكاترة (وأظنه الدكتور فارس عيسى): بعد أشهر ستتخرجوا وتنطلقوا إلى عالم الواقع، ولا تنظنوا أنفسكم أنكم مهندسون من أول يوم، إنكم بالمثابرة والخبرة ستصبحوا مهندسين وليس بالشهادة الورقية التي ستمنحكم إياها كلية الهندسة...
غداً سيثبت حزب وعد بالممارسة والخبرة إن كان هو حقاً الحزب الموعود! هل هو (الوعد) كما هو إسمه أم أنه نسخة مكررة من الاحزاب لن تخرج عن سَوق المجتمع إلى حالة استقطاب واستعصاء بدأت تصبح هاجس الربيع العربي وتوجسه.
كخطوة اولى يجب أن نرى يوم الاشهار وجوهاً وطنية ونسائية وشبابية وأطياف دينية وقومية، لا نريد محاصصة إنما مشاركة حقيقية جادة.
يجب أن يكون الداخل السوري العمود الفقري للحزب، فكل الطيف السوري في المهجر تغلب عليه صفة النخبة، ونحن نريد إضافة للنخبة مشاركة واسعة من أبناء الشعب السوري الذين ثاروا على الفساد والاستبداد في الداخل وبذلوا الغالي والرخيص ولا يزالون يبذلون، هؤلاء هم أصحاب الحزب الحقيقيون وعماده في النجاح وتحقيق أهدافه الوطنية...
 
بعد الاشهار سيفتح باب العضوية، وسيأتي تحدي جديد للحزب بأن يحافظ على الحيادية في قبول الاعضاء المؤمنين برسالته وأن يحقق الديمقراطية والشفافية في كل مستوياته وفي كل إجراءاته الانتخابية...
وقد سألت أحد قيادي الاخوان يوماً: لو ساهمنا في إنشاء حزب سياسي ثم وجدنا أنفسنا خارج قيادته نتيجة ممارسة الديمقراطية الحقيقة، فماذا نفعل، قال علينا أن نقبل بالعملية الديمقراطية وأن نحاول تحسين أدائنا وطروحاتنا لكسب أصوات الناخبين...، كما أكد جميع قيادي الاخوان أن حزب (وعد) يجب أن يكون مستقلاً ليحقق أهدافه ويستمر نجاحه، ولا نريده ذراعاً لجماعة الاخوان المسلمين بل حزباً مستقلاً لكل أبناء الوطن بكل معنى الكلمة.
وكنت أقول لهم دوماً لو رافق انطلاق الحزب الجديد في سورية التفاتٌ من جماعة الاخوان إلى الامور الاجتماعية والتربوية والخدماتية لساعد هذا في إنجاح الحزب وترسيخ مصداقيته واستقلاله.
 
نحن نريد لجماعة الاخوان المسلمين في سورية الا تكون في بؤرة الصدام والاستقطاب في مستقبل سورية السياسي، نريدها أن تترك هذا العمل التخصصي الهام لفريق وطني متنوع يتصف بالخبرة والامانة، وينفي عن سورية حالة الاستقطاب السياسي الذي يسهّل عودة الدكتاتوريات والعسكر بحجة حل أزمة الاستقطاب المجتمعي...
وأمر أخير... إنه سيكون من مصلحة حزب (وعد) أن يبادر إلى عقد تحالفات وتفاهمات مع القوى السياسية القريبة منه فتلاقح الافكار والبرامج بعد أربعين سنة من التصحر السياسي في سورية البعث، جدير بأن يعيد الروح لسورية الحرية والامل...

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين