الدوائر الغربية والعربية في مواجهة الإسلاميّين عندما وصلوا إلى السلطة

 

ما يجري في الأقطار العربية التي أسقطت أنظمة الاستبداد والفساد وتحكم الأجهزة الأمنية برقاب العباد، غريب ومريب. فقد انتشرت عدوى ما سمي «الربيع العربي» قبل سنتين من تونس الى مصر، فليبيا واليمن، وصولاً الى سوريا.. وبدأت في معظم هذه الأقطار مسارات ديمقراطية واضحة المعالم، من انتخابات نيابية ورئاسية، الى استفتاءات على تعديلات دستورية. لكن كل ذلك لم ينعكس استقراراً في الحياة السياسية ولا ازدهاراً في الوضع الاقتصادي. وإذا استثنينا سوريا التي تحوّلت فيها الثورة الشعبية السلمية الى حرب طاحنة، فلا يكاد الانسان يجد مبرّراً لما يجري في بقية الأقطار، من تونس الى مصر فليبيا واليمن. لماذا؟ لا أحد يعلم ولا أحد يجيب. لقد وصلت القوى الإسلامية الى سدّة الرئاسة أو تحت قبة البرلمان عبر انتخابات حرّة ونزيهة لا يشكك بها أحد، فلماذا الانقلاب على نتائجها؟! كل الشعوب الثائرة كانت تنشد الحرية والديمقراطية، وها هي قد تحققت، فماذا يريد الناقمون؟!
 
في مصر التزمت القوى الإسلامية الفائزة بالانتخابات كل معايير وآليات الديمقراطية، كما التزمت أحكام القضاء، الذي تطاول على مجلس الشعب فقضى بحله، وكاد يقضي بإسقاط رئيس الجمهورية المنتخب.. وضرب الرئيس «مرسي» أرقى مثال في التواضع ونكران الذات، وهو ما يزال يسكن في شقة مستأجرة في أحد شوارع القاهرة، لا مكان فيه للحرس الجمهوري أو الحماية الأمنية. ويحترم حريات الآخرين (بل فوضاهم وتطاولهم) عندما يحاصرون مقرّه الرئاسي، فيقتحمون أبوابه أو يرشقونه بالحجارة أو بالقذائف الحارقة.. أيّ رئيس على مستوى العالم يسمح بهذا؟! أما في ميدان التحرير فيعتصم عشرات أو مئات من العاطلين عن العمل في خيام منصوبة تمنع المرور وتعطل الحركة الاقتصادية.. يستطيع عشرات من رجال الشرطة ازاحتهم، لكنهم لا يفعلون. فماذا يريد هؤلاء؟! وإلى متى؟!
 
في تونس التزم رئيس حركة النهضة (راشد الغنوشي) التي حققت أغلبية نيابية، بألّا يشغل منصباً رسمياً، وكلف أحد رجال الحركة (حمادي الجبالي) الذي أمضى ستة عشرة عاماً في سجن النظام البائد برئاسة الحكومة، متحالفاً مع قوى شعبية وطنية وليبرالية. وقد حرص على أن لا يلامس أي قضية تعطل السياحة أو تضرّ بالاقتصاد، حتى لو كانت من البديهيات الشرعية.. لكن القوى السياسية الأخرى لم تهدأ، بل هي تصرّ على التظاهر والاعتصام وتعطيل الحياة العامة تعلقاً بحقها في ذلك. أما الدولة فهي مكلفة بحمايتها ورعاية أنشطتها.. حتى إذا وقع حادث اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد، وجهت المعارضة الاتهام الى الحكومة، بل الى زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، مع أن الغنوشي وحركته يلتزمون مواقف مرنة جداً إزاء القوى اليسارية والمعارضة، تثير حفيظة حلفائهم الإسلاميين أحياناً.
 
لا أرى مبرراً لطرح النماذج الإسلامية الأخرى التي تشارك في السلطة أو في الثورة، لكن السؤال الذي يفرض نفسه بشكل دائم هو: ماذا يريد معارضو التيار الإسلامي؟ إذا كانوا يريدون نظاماً فيه حرية وديمقراطية فذلك متحقق وعلى أرقى المستويات، أما إذا كانوا يريدون الثورة واستمرار التظاهر بأي ثمن فإن ذلك ما قد يعتمده الإسلاميون بالمقابل، لكن ذلك سوف يؤدي الى خراب البلد، أي بلد. ويبقى المرجعية هو الشعب، ولسوف يتلقى الرسالة ويستوعبها جيداً، وهو لن يتخلى عن التيار الإسلامي، الذي أثبت أنه الأكثر التزاماً، بالإسلام أولاً وبقضايا الأمة ثانياً، وهنا يبرز احتمال ثالث، هو أن تبرز قوى إسلامية أخرى، تكون أقدر على مواجهة ومجابهة التيارات الليبرالية، ليس فقط في الشارع وإنما كذلك في ساحات التفجير، وذلك ما وقع في ساحات إسلامية معروفة، حين حاصرت الأنظمة الاستبدادية الحركات الإسلامية المنفتحة، أو ما سمي «الإسلام السياسي»، فبرزت قوى إسلامية جهادية أو متطرفة، تولت ادارة المواجهة بأساليبها المعروفة.
 
هذا الاحتمال لم يعد مستبعداً على الساحة السورية مثلاً، فالمعروف أن التيار الإسلامي هو الأوسع انتشاراً والأكثر تحملاً للاضطهاد، سواء في الداخل السوري أو في ساحات الانتشار، وأن أبرز قوى هذا التيار هو «الإخوان المسلمون»، الذين يعود حضورهم السياسي الى أربعينات القرن الماضي. لكن القوى المؤثرة في الملف السوري، عربية وإقليمية ودولية، حريصة على ألا تقدّم أي دعم لهذا الفصيل الإسلامي، وعلى أن تمنع دعمها حتى السياسي لأي اطار تشكله المعارضة، سواء كان المجلس الوطني الذي تشكل العام الماضي في استامبول، أو الائتلاف الذي تشكل بعد ذلك في القاهرة.. وهذا ما دفع رئيس الائتلاف (معاذ الخطيب) لأن يطرح بمرارة مبادرته الأخيرة التي عرض فيها الدخول في حوار مع من يمثل النظام، بعد أن كانت كل قوى المعارضة ترفض ذلك، لأن القناعة باتت معروفة لدى الجميع بأن البديل عن النظام (فيما لو سقط) لن يكون مقبولاً، ليس الدوائر الأمريكية والغربية فقط، وانما العربية والإقليمية كذلك، لا سيما الخليجية التي كانت تقدم الدعم للثورة السورية، في جوانبه السياسية والانمائية.
 
صحيح أن الدوائر الغربية، والأمريكية تحديداً التي كانت مشغولة بالانتخابات الرئاسية، رصدت تساقط أدواتها في المنطقة واحداً بعد آخر.. وأنها لن تأسف بعدهم على نظام بشار الأسد إذا ما سقط، فهو يلتزم اتفاقية الهدنة مع الكيان الصهيوني دون أي خرق لسنوات طويلة، مع أنه يمارس دعم المقاومة والممانعة على الساحة اللبنانية.. لكن القوى الإسلامية التي قد تكون البديل المرجح سوف تكون أكثر احراجاً وازعاجاً للمصالح الأميركية والصهيونية، نظراً للعلاقة الحميمة التي تربط هذا البديل (الإسلامي) بحركتي حماس والجهاد الإسلامي. وهذا ما يدفع هذه القوى، عربية وغربية، باتجاه اطالة أمد الحرب، وعدم تمكين المعارضة من تحقيق أي انتصار. كان الله في عون سوريا وشعبها المجاهد.
المصدر مجلة الأمان


 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين