الدكتور محمد أديب الجاجي

 

  

 

(1351/1932 ـ 1437/2016)

 

هو الداعية والمفكّر الإسلامي، والمربي ، والمراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين في سوريّة 1985، ورئيس مجلس شورى الجماعة، عضو رابطة العلماء السوريين، وعضو رابطة أدباء الشام، وأحد أبرز الدعاة إلى الله في ريف إدلب، وأحد قادة العمل الإسلامي في سورية .

وهو عالم في أسلوب القرآن وباحث في قضايا الأدب الإسلامي، وخاصّة ما يتعلّق بأدب الأطفال.

المولد والنشأة :

ولد فضيلة الداعية أبو الطاهر محمد أديب حمود الجاجي الذي اشتهر أيضاً بأبي عابد، في عام 1351ه / الموافق عام  1932م في سوريا لأسرة مسلمة محافظة من مدينة معرة النعمان بمحافظة إدلب ، تربى فيها على قيم الخير والفضيلة، وتزوج من أسرة حلبية كانت تقيم في معرة النعمان ، ورزقه الله بأحد عشر ولداً؛ (3) ذكور و(8) إناث.

أسماء أبنائه: فرات ، فدوى، فادية، محمد عابد، خنساء، حمود، ظلال، رجاء، أحمد علاء الدين، رغد، نسيبة.[1]

وقد برز من أبنائه وبناته الدكتورة . خنساء أديب الجاجي : مواليد مدينة حلب عام  1969 درست في مدرسة أم حبيبة الثانوية، ثم تابعت تحصيلها العلمي، فحصلت على شهادة الدكتوراه في الأدب الحديث عام 2008 تحت عنوان شخصيات روايات نجيب الكيلاني .

والأخت خنساء متزوجة من طبيب، وتقيم في بيشاور ومن كتبها :

قصص الحيوان في القرآن - أحمد بهجت نموذجاً .

دور القصة في إرساء العقيدة والأخلاق عند الطفل .

وقد قدّمت تلك السيدة الفاضلة ولدها المجاهد (خالد رجب) شهيداً جميلاً عام 2016م ليتحقق بذلك مداعبة الوالد الكريم لها عندما كان يناديها بــــــ( خنساء أم الشهداء ) .

حياته العلمية :

درس في الكتاب، وتعلم فيه مبادئ القراءة والكتابة والحساب.

ثم درس الابتدائية في معرة النعمان، وتتلمذ على الشيخ أحمد مصطفى الحصري عالم المعرّة ومفتيّها. 

ثم درس العلوم الشرعية في جمعية الغراء في مدينة دمشق التي أنشأها نفر من فضلاء علماء دمشق لمّا أحسّوا بخطر المناهج الفرنسيّة على تربية الناشئة من أمثال الشيخ علي الدقر، والشيخ هاشم الخطيب رحمة الله عليهما .

ثم التحق (بدار المعلمين) بحلب، وتخرج منها في عام 1952، وكان من أساتذته في دار المعلمين الدكتور عبد الرحمن عطبة ، والدكتور محمد أديب الصالح ....

وكان من أصدقائه في دار المعلمين د. فخر الدين قباوة، والشيخ مصطفى البيراوي الذي تخرج بعده بسنتين ...

وفي نفس العام حصل على شهادة البكالوريا، والتي بموجبها تقدم لدارسة الحقوق في جامعة دمشق، ثم حصل على إجازة في الحقوق من جامعة دمشق (1959م)، وبعد تخرّجه منها التحق بكليّة الشرطة، بتشجيع من فضيلة  الدكتور مصطفى السباعي -رحمه الله - وتخرج فيها ضابطاً برتبة ملازم، وفي هذه الأثناء حصل على إجازة أخرى في الآداب تخصص اللغة العربية من جامعة حلب (1973)،

ثم حصل على درجة الماجستير في تخصص اللغة العربية من جامعة الجزيرة في السودان عام ( 1997م) عن رسالته "أدب الأطفال في المنظور الإسلامي"

ثم حصل على الدكتوراه في الأدب والبلاغة من جامعة صنعاء 2002م ، عن رسالته " النسق القرآني ـ دراسة أسلوبية" ـ بتقدير ممتاز[2]

العمل والتدريس :

عمل مدرساً للغة العربية في جميع مراحل التعليم في عدة مناطق منها حارم، ومعرة النعمان، وحلب عيّن مديراً للشرطة في مدينة الرقة، ودير الزور، ودوما، والصفصافة، فكان مثال الضابط الملتزم. 

وبعد وصول حزب البعث العربي السوري للحكم في عام (1964) تم نقله ضمن مجموعة من الضباط إلى وظائف مدنية، بناء على اتجاهه الإسلامي، حيث كان على مشارف رتبة (نقيب)، كما عمل في (الإصلاح الزراعي).

 اتجه بعدها للجانب التعليمي، وعمل مدرساً للغة العربية في بعض ثانويات مدينة (حلب: الكواكبي، أدهم مصطفى). 

وكان له فضل نشر فكر الإخوان في صفوف الطلبة .

وفي سنة (1978م) تم إحالة مجموعة كبيرة من المدرسين ذوي الاتجاه الإسلامي إلى وزارات مختلفة بعيداً عن سلك التعليم. 

ثم انتقل للإقامة في الأردن منذ عام (1979م)، وانقطع عن العمل التدريسي، حتى عام (1991) حيث انتقل للعمل في اليمن بمجال المناهج التعليمية، واشتغل موجّهاً تربويّاً ومرشداً طلاّبيّاً .

وما لبث أن التحق بسلك التعليم الجامعي بعد حصوله على درجة الماجستير، حيث قام بتدريس مواد اللغة العربية وغيرها في جامعة العلوم والتكنولوجيا اليمنية.

 وبعد حصوله على الدكتوراه (أستاذ مساعد) قام بتدريس مادة الأدب والبلاغة في جامعة صنعاء ( كلية التربية ـ عمران ) للفترة من ( 2002 ـ 2005 م )، ثم عمل أستاذاً مساعداً في جامعة الأندلس ـ صنعاء للفترة من (2005 ـ 2007 م )، كما شغل منصب رئيس لقسم اللغة العربية ورئيس لقسم الدراسات الإسلامية في جامعة الأندلس.

وكان كتابه (الأدب في عصر الدول والإمارات) المطبوع سنة 2006 أحد الكتب المقرّرة على طلاّب كليّة اللغة العربيّة.

 ثم عمل أستاذاً مساعداً لتدريس مواد اللغة العربية وغيرها في (المعهد العالي للتوجيه والإرشاد التابع لوزارة الأوقاف ـ صنعاء(2007ـ2012)[2]

وكان خلال وجوده في اليمن موضع احترام إخوانه السوريين واليمنيين، ولا يبخل عن نشر أبحاثه الفكريّة والأدبيّة في صحف ومجلات اليمن، كما كان ينشط في صفوف (التجمع اليمني للإصلاح) رائد العمل الإسلامي هناك.

نشاطه الدعوي و دوره في حركة الإخوان المسلمين :

كان في طليعة المؤسّسين لجماعة الإخوان المسلمين في محافظة إدلب.، حيث انتسب لجماعة الإخوان المسلمين(في سورية) وهو في عمر الثامنة عشر(1950م)، وكان له فضل نشر فكر الإخوان في صفوف الطلبة لا سيما في محافظة إدلب.[3]

ولمّا اشتدت وطأة النظام البعثي، غادر سوريّة في عام 1979 إلى الأردن، وهناك انتخبه مجلس شورى الجماعة مراقباً عامّاً لجماعة الإخوان المسلمين في سوريّة في عام 1985 مدّة ستة أشهر، في فترة عصيبة كانت تمرّ بها الجماعة، في أعقاب الصراع الدموي مع ديكتاتور سوريّة حافظ الأسد ليتولّى المنصب بعده الشيخ منير الغضبان رحمه الله، كما مثّل الإخوان في محافظة إدلب في مجلس شورى الجماعة الذي ترأسه في مطلع التسعينات لمدة أربع سنوات.[1]

الدراسات والمؤلفات : 

بعد انتقاله من عمان إلى صنعاء في 1991 تفرغ للعمل البحثي والأكاديمي، ومن أبرز إنتاجه الأدبي ما يلي :

1 ـ أدب الأطفال من منظور إسلامي . ( 1999م ) دار عمار ـ عمان – الاردن.

2 ـ الأدب في عصر الدول والإمارات ( 2006 م ) دار الكتاب الجامعي ـ صنعاء 

3 ـ الأدب الإسلامي ( النظرية ـ النشأة ـ نصوص ونماذج ) ( 2007 م ) دار الكتاب الجامعي ـ صنعاء .

4 ـ النسق القرآني ـ دراسة أسلوبية ـ نشر دار القبلة للثقافة الإسلامية، جدة ـ السعودية. ومؤسسة علوم القرآن.1431ه ـ2010م

5 ـ قصص للأطفال ـ نشر بعضها في صحف يمنية وبعضها الآخر لم ينشر بعد .

6 ـ حلقات تلفزيونية ـ تم تنفيذ بعضها في برامج في تلفزيون صنعاء وبعضها لم ينفذ بعد .

7 ـ مقالات ودراسات فكرية متوالية لمدة أربع سنوات في صحيفة صوت الإيمان ـ صنعاء .

8 ـ حضر الكثير من الندوات والمؤتمرات المختلفة، وأثناء مسيرته الأكاديمية والتعليمية حاز على الكثير من الجوائز و الشهادات التقديرية.

9-وله (شرح الأربعين النوويّة) باسم مستعار بسبب تواضعه، وبعده عن حظوظ النفس والهوى. 

وكان الشيخ سعيد حوّى ـ رحمه الله ـ قد كلّفه بتصحيح بعض كتبه، بسبب ضبطه لقواعد النحو والإعراب، وعنايته بفن القول، وعشقه للعربيّة.

بعض ما كتب عن مؤلفاته :

نبذة عن كتابه: النسق القرآني ـ دراسة أسلوبية :

أثبت من خلاله أن البيان القرآني لا يزال المتفرد في سمو التعبير وعمق الدلالة وقوة الإثارة والتأثير، حيث سعى المؤلف لإثبات أن سيادة البيان القرآني في الماضي وتميز نسقه المتفرد، لم يكن أثراً تاريخياً أو عملاً فنياً استنفد أغراضه، وإنما لازال في الساحة، النص المتفرد المطّرد في سمو التعبير وعمق الدلالة وقوة الإثارة والتأثير كما كان غنياً بمعطياته وهو يتعامل مع أحدث النظريات الأدبية الحديثة، لا تسجنه أو تقيده نظرية ولا تعجزه منافسة أو تصل ذروته محاولة. وتبدو أهمية هذه الدراسة في أنها اكتشفت أن النسق القرآني يعتمد في أدائه التعبيري على سمتين بارزتين تفرد بهما دون الأنساق التعبيرية الأخرى، هما: دقة الاختيار وحسن التوظيف، وتبدو آثارهما في الصيغ التعبيرية والجمالية التي يتشكل منها النسق العام بكل مرتسماته الصوتية والتعبيرية والتصويرية والتأثيرية."

نبذة عن كتابه: أدب الأطفال في المنظور الإسلامي :

حدّد الرؤية الإسلامية للعمل الأدبي المقدم للأطفال في ثمانية معايير يتم في ضوئها صناعة أدب الأطفال، وشملت عينة الدراسة مجموعة متنوعة من الأدب المترجم للأطفال : قصص حكايات ، صور، نماذج من الشعر المسرحي .

تصلح هذه المعايير لبناء وتقويم العمل الأدبي المقدم للأطفال، والتي حصرها في المعايير التالية:

المعيار الشرعي: لمطابقة النص الأدبي المقدم للأطفال للحقائق الشرعية والقيم العقدية والإيمانية.

المعيار العلمي: لمطابقة النص للحقائق العلمية الثابتة التي استقرت عليها نظريات العلوم في أحدث تحقيقاتها.

المعيار القيمي: لتقويم ما اشتمل عليه النص من القيم والاتجاهات كهدف يبنى عليه العمل الأدبي.

المعيار المرحلي: لمراعاة إعداد النص وفقاً لمرحلة النمو اللغوي والإدراكي للجمهور المستهدف.

المعيار الفني: لمراعاة تقديم القيمة أو المعلومة وفقاً للمواصفات الفنية والإبداعية للنوع الأدبي الموجه للأطفال، بما في ذلك مواصفات الإخراج الفني من جميع نواحيه.

المعيار المهني: لمراعاة تمتع المبدع بالثقافة الشاملة والموهبة المتألقة والخلفية المهنية اللائقة بكتابة النوع الأدبي وفق المعايير والمواصفات المقبولة.

معيار السلامة: أي سلامة النص الأدبي من كل ما يتناقض أو يتنافى أو لا ينسجم مع المعايير اللازمة

المعيار النقدي: الذي يضعه الأديب الناقد بين يديه وهو يحكم على "النص" أو يقومه في ضوء ما سبق من المعايير والمواصفات.

نبذة عن كتابه: المختار في شرح الأربعين النووية :

حقق وشرح المختار في شرح الأربعين النوويّة ونشره باسم مستعار لدواعٍ  أمنية.[2]

وفاته :

بعد رحلة طويلة من العناء بين عمان وصنعاء وبغداد استقر في العاصمة الأردنيّة، وقد أعياه الدرب الطويل، في مرحلة خطيرة تمرّ بها بلده سوريّة، محاطاَ بإخوانه ومحبيه وعارفي فضله. حيث عرفت الابتسامة التي لا تفارق وجهه، والحديث الأنيق الذي لا يغادر ثغره، والرأي السديد والحكمة التي تتلألأ كالجواهر من ثنايا حديثه وخلاصة تجاربه، وكان محباً لإخوانه، ناصحاً لهم، هادئ الطبع، لطيف المعشر.

ورجعت النفس المطمئنّة إلى ربّها فجر الجمعة 3 جمادى الأولى 1437 الموافق 12/2/2016، راضية مرضيّة، وحملته الأكف المتوضّئة إلى مسجد عائشة (رضي الله عنها) ليصلّى عليه، ويوارى الثرى في مقبرة سحاب في الاردن. . إلى جانب إخوانه سعيد حوّى، وعدنان سعد الدين، ود. حسن هويدي ، ونعسان عرواني. 

أصداء الرحيل :

 وكان لرحيل الشيخ رحمه الله تعالى أصداء واسعة في الإعلام حيث نعته الحركة الإسلامية، وصلى عليه إخوانه صلاة الغائب في أكثر من مكان ...

-إخوان مصر ينعون المراقب العام الأسبق في سوريا :

( نعت جماعة الإخوان المسلمين في مصر، مساء اليوم الجمعة، المراقب العام الأسبق لإخوان سوريا، محمد ديب الجاجي، الذي وافته المنية فجر اليوم، بالعاصمة الأردنية عمّان. وقالت الجماعة في بيان، اطلعت عليه الأناضول، "بقلوب مفعمة بالرضا، والإيمان ننعي للأمة الإسلامية، ولشعب سوريا الأبي، الدكتور محمد ديب الجاجي، المراقب العام الأسبق لإخوان سوريا، بعد معاناة مع المرض، في العاصمة الأردنية عمّان، فجر اليوم الجمعة".

ويعد الجاجي أحد أهمّ أركان الإخوان المسلمون في سوريا، والتي تأسست في ثلاثينيات القرن العشرين. ويلقب محمد ديب الجاجي، بأبي الطاهر، وتولى مسؤولية المراقب العام للجماعة عام 1985 لمدة ستة أشهر، وهو من مواليد مدينة معرة النعمان في ريف إدلب، عام 1936، وعاش في الأردن إلى حين توفي فيها. وكان أول مراقب عام للإخوان في سوريا، مصطفى السباعي بين عامي 1945 و1964.

وتعرض إخوان سوريا لحملات تصفية، واعتقال ومصادرات واسعة، على يد حزب البعث الحاكم في البلاد، كان أبرزها مجزرة حماة 1982، التي "تعد أوسع حملة عسكرية، شنها النظام السوري ضد الإخوان، وأودت بحياة عشرات الآلاف من أهالي المدينة وبدأت في 2 فبراير/ شباط عام 1982 واستمرت 27 يوماً، تحت قيادة العقيد رفعت الأسد شقيق الرئيس السوري السابق حافظ الأسد".

-وقد نعاه الأستاذ عمر مشوح، الناطق الإعلامي باسم جماعة الإخوان المسلمين في سورية، فقال : ‏‎( تنعى جماعة الإخوان المسلمين في سورية المراقب العام الأسبق الأخ المجاهد الدكتور محمد ديب الجاجي (أبو الطاهر) والذي وافته المنية صباح اليوم في مدينة عمان بالأردن ، وسوف تتم الصلاة عليه بعد صلاة الجمعة بمسجد عائشة بمنطقة عبدون ..وإنا لله وإنا إليه راجعون )) .

-تعزية رابطة العلماء السوريين :

انتقل الى رحمة الله تعالى الأخ الكبير الداعية المربي الشيخ الدكتور: محمد ديب الجاجي أبو الطاهر و( أبو عابد ) في صباح الجمعة 3 جمادى الأولى 1437 في مدينة عمان بالأردن عن عمر تجاوز الثمانين رحمه الله رحمة واسعة.

أمضى عمره في خدمة دينه ودعوته، جاهد ، وهاجر، ودعا وصبر،

وكانت حياته حافلة بالعطاء ، وعرف بحصافة الرأي وبعد النظر

وعفة النفس وطهارة القلب .

عاش مهاجرا في عمان، ثم في بلاد اليمن، وتابع دراسته ليأخذ درجة الدكتوراه في اللغة : ( النسق القرآني - دراسة اسلوبية ) .

وتتقدم رابطة العلماء السوريين بخالص العزاء والمواساة لأهله وإخوانه ومحبيه .

وإنا لله وإنا إليه راجعون .

اللهم وسع مدخله وأكرم نزله ،واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس .

اللهم اجعل يا رب قراه منك الجنة فإنه نزل ضيفاً عليك .

اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله.

وأثنى عليه كل من عرفه وأحبه وتتلمذ عليه :

حيث مدحه الشيخ حسن عبد الحميد (الباب) فقال : ( هو قائد الدعوة والمراقب العام محمد أديب الجاجي المجاهد الصادق الصدوق المخلص الوفي من منا لا يذكر فضله، وينسى جهوده...شافاه الله وعافاه، وأمد في عمره  .

وكتب د. مصطفى رضوان يقول :

(( رحم الله الشيخ الدكتور أبا الطاهر رحمة واسعة فقد كان صاحب سياسة فهو السياسي المحنك والأديب المتمكن ...حصل على الماجستير برسالة في أدب الأطفال، وحصل على الدكتوراه في البلاغة من جامعة صنعاء ، ودرس هذه المادة في جامعة عمران بضع سنوات، ثم درس في جامعة الأندلس، ثم في المعهد العالي للتوجيه والإرشاد ، وترك اليمن قبل سنوات قليلة، وسكن في عمان وله كتابات طيبة في البديع .

جعل الله مأواه الفردوس الأعلى اللهم لاتحرمنا أجره، وﻻ تفتنا بعده، واغفر لنا وله يا كريم ..إن حياة الشيخ الدكتور غنية وتحتاج الى مجال أوسع.. رحمه الله...)) .

وتحدث عنه الدكتور محمد وليد حياتي :

( سبحان الله ... الأخ الكبير أبو عابد هو الأخ الوحيد من إخوتنا الكبار القادة لم يكتب لي وله أن نلتقي طوال ثلاثين سنة إلا لقاءات محدودة يعني بعد عام 1981م في المهجر ... إلى أن قدّر الله أن نجتمع في اليمن، وكان قد نال حينها شهادة الدكتوراه، وبدأ التدريس في المعاهد والجامعات اليمنية في صنعاء، وكان عملي في جامعة البيضاء في اليمن أيضاً... ومع اعتلال صحته كان يدرّس ويرشد ويجاهد بقلمه ولسانه، وكنا نزوره مع ثلة من الإخوة في المشفى أو في بيته ... وكان دائم النداء للدعوة والغيرة على هذه الجماعة .... وأذكر أنه لما حضر في انتخابات رابطة الأكاديميين السوريين، وانتخبني إخواني وهو منهم منسقاً عاماً للرابطة أنه كان غير راض عن منظمات المجتمع المدني بتركيبتها الجديدة وتسريحتها المغرية ...وقال لم لا تكون هذه الهيئات ضمن قوالبنا التنظيمية لتقويها وتدعمها ... كان رحمه الله فصيح اللسان جريئاً في قول الحق يحمل هم الجماعة رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته في عليين وكتب له أجر ما بين مولده ومكان موته في غربته مهاجراً مجاهداً في سبيل الله إنه سميع مجيب .) .

وتحدثت عنه الأخت ميسون محمد الحسناوي فقالت : ( رحمه الله وغفر له كانت هجرته في الثمانينيات مع الوالد الأستاذ محمد الحسناوي سيراً على الأقدام من سورية إلى تركيا كما ترافقنا وعائلته الى مهجرنا للأردن لنعيش الغربة، ونتقاسم همومها سوية ....) .

وتحدث عنه أحد إخوانه :

(( انتقل الى رحمة الله تعالى اخونا الكبير الشيخ الدكتور محمد ديب الجاجي أبو الطاهر ( أبو عابد ) اليوم في عمان رحمه الله رحمة واسعة

غادرنا من دنيا فانية الى دار باقية عن عمر تجاوز الثمانين قضاها رحمه الله في خدمة دينه ودعوته جاهد وهاجر ودعا وصبر وشاء الله ان يرى ثورة شعبنا التي استبشر بها خيرا رغم ان الكثير من المخاوف كانت تتناوب عليه حيالها

حياته حافلة بالعطاء لهذه الجماعة كان أحد أهم أركانها وقياداتها وتسلم قيادة الجماعة كمراقب عام لفترة وجيزة اراد الآخرون سامحهم الله أن تكون كذلك على الرغم انه يمتلك من الفكر وحصافة الرأي وبعد النظر ما لا يمتلكه الكثيرون ولو ان عنده شيء من الأناة قد تبدو للبعض أنها نوع من التردد في اتخاذ القرار وما كنت أراها هكذا .

كان يمتلك من عفة النفس وطهارة القلب ما يعرفه المقربون منه ويحثونه عليها

عاش بيننا فترة ثم ابتعد عنا في بلاد اليمن بلد الحكمة، وكان لديه من حب العلم والدأب ما جعله يتم دراسته ليأخذ درجة الدكتوراه عن موضوع دقيق في اللغة وحول القرآن الكريم دستور المسلمين ومنهاجهم ( النسق القرآني - دراسة أسلوبية) نال عليه هذه الدرجة بتفوق، وكان المشرفون عليه يخجلون منه ومن علمه وسنه واجتهاده .

ثم شاءت الأقدار أن يأتينا إلى عمان للإقامة ، وكان لي نصيب من اللقاء المتكرر به وزيارته بشكل شبه منتظم للاستفادة من تجربته في الدعوة وعلمه وخبرته ونتناقش في أمور جماعتنا والدعوة بشكل عام نكون فيها مستمعين حينما يتكلم فهو كنز من المعلومات في هذا الشأن على الرغم أنه كان قليل الكلام كثير الاستماع لكن إذا استطعت أن تجبره على الكلام -إن جاز التعبير-، فستسمع منه كلام العالم الخبير المجرب الذي يعطيك زبدة لا تجدها في كثرة كلام البعض الذي لا تستطيع أن تجمع شتات تفكيرك معه لتأخذ خلاصة مفيدة .

نعم ما تسمعه من أخينا أبا الطاهر -رحمه الله- لا تسمعه من غيره..

نعم لقد أحببت أخانا أبا عابد حباً حقيقياً، لأنه يُحب لمن اقترب منه، وتكلم معه وسمع منه ، وكنت أحسّ بذات الشعور نحوي من الأخ الحبيب .

مرض -رحمه الله- وكان بداية الأمر مرضاً بسيطاً طبعاً تجاوز الثمانين من عمره وكلنا يعلم أن الجسم يضعف، ويخور شيء من قواه لكن كنا نراه ورأيناه وزرناه وبعد أن تماثل للشفاء، فرحنا بذلك ثم انتكس، وأمضى أيامه الأخيرة بين المستشفى والبيت، ولم أستطع أن أراه خلال هذه الفترة، وكانت غصة لي ستبقى لأنني لم أره ولم أواسه ولو أن الأمر ليس باليد وهذه أقدار الله التي نؤمن بقضائه وقدره راضين بهما .

يكتب الكثير عن أخينا أبي الطاهر، ويجب أن يكتب المقربون عنه أكثر ليعرف الناس والأخوة جوانب من شخص أخينا الحبيب لا يعرفونها ولعل البعض كانت بينه وبين تلك المعرفة حواجز أثرت في نفسية بعض الأحباب من إخوان تجاه الحبيب الراحل .

ختاماً خالص العزاء والمواساة لأهل أخينا وأولاده وآل الجاجي أينما كانوا ...

كما نعزي أنفسنا نحن فهو بمثابة الوالد والأخ الكبير لنا، ونعزي أيضاً جماعة الإخوان المسلمين عامة ، وفي سوريا خاصة على فقد أخ كبير من رجالاتها

والله إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وانا على فراقك يا أخانا أبا الطاهر لمحزونون ولا نقول الا ما يرضي ربنا انا لله وانا اليه راجعون ، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

اللهم وسّع مدخله، وأكرم نزله ، ولقنه حجته واغسله بالماء والثلج والبرد ، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس .

اللهم إن كان محسناً، فزد في إحسانه وإن كان مسيئاً، فتجاوز عن سيئاته، ولقنه منك الرضا .

واجعل يا رب قراه منك الجنة فإنه نزل ضيفاً عليك

اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تفتنا بعده ، واغفر لنا وله .

ملاحظة : للإخوة المقيمين في الأردن -عمان .

ستكون الصلاة عليه بعد صلاة الجمعة في مسجد عائشة في عبدون والدفن في مقبرة سحاب الإسلامية ..)).

ونعته أختنا الفاضلة د. خنساء الجاجي على صفحتها فقالت : (( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، إنا لله وإنا إليه راجعون... اللهم إنا نشهدك أن والدنا محمد أديب الجاجي عبدك الفقير إلى رحمتك ، المقبل عليك ، العاجز بين يديك ، كان لنا نعم الوالد ونعم المربي، فلقد علّمنا يومياً الإخلاص لك بعمله قبل قوله، والخوف والخشية منك، والرغبة في ثوابك، وكان ماعلِمناه شجاعاً لا يخاف في الله لومة لائم ، ولا يجامل في دين الله، كريماً سخياً بوقته وجهده وماله وعواطفه، وقافاً عند حدود الله، عالماً عاملاً، لم تغره الدنيا وتفاهاتها، ولم ينشغل قلبه بغير العمل للآخرة، لم نكن نحن فقط أولاده الأحد عشر من تشرفوا بالتربية على يديه، بل ربى جيلاً من شباب الدعوة الإسلامية، فتعرفه مدارس حلب الثانوية، وتعرفه جلسات الإخوان في حلب وإدلب وعمان وصنعاء، يربي بعلم وفقه وحكمة وصبر وأناة، يشجع من أحسن، ويثني عليه، ويأخذ بيد من عثر ويقيله، ويلتمس له العذر، ويسامح، ويعفو، ويصفح، يمنع من يغتاب في حضرته، ويرشد ويدل على طريق الله بكل مناسبة وفي كل حين، صبر وأوذي وهاجر في سبيل الله، كان لنا نعم الوالد، ونعم المربي، ونعم الناصح، كثير البكاء عند تلاوته لكلام الله، اللهم فارحمه، واغفر ذنبه، وتجاوز عنه، وأحسن نزله، وثبته عند السؤال، وآنس وحشته في أول منزل له في الآخرة، ووسع له في قبره واجعله روضة من رياض الجنة، واجعل صبرنا على فقده في ميزان حسناته، واجمعنا به في عليين،  وتقبل دعاءنا أجمعين.

 واجعله ممن قلت فيهم : ( ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله، وكان الله غفوراً رحيماً) اللهم فإنه قد خرج من بيته مهاجراً إليك ، وأدركه الموت، ولم يتراجع عن طريقك قيد شعرة فاغفر له وارحمه..

دمعة وداع ! : على الأخ الكبير الدكتور محمد أديب الجاجي :

 كتب الشاعر يحيى بشير حاج يحيى يقول : (رحمك الله أبا عابد ! اتفقنا، واختلفنا ، وفي كل مرة كنا نجد مكاناً لنا في قلبك الكبير ، يسعنا في الحالتين !!

ومضى الأديبُ ! وكلُّنا ماضونا – ولرحمةٍ  من ربّنا راجونا !

وأرسل الأخ د.عبد الجبار الزيدي يقول :

أحسن الله عزاءكم بأبي الطاهر ، وقد أممتُ الناس اليوم في جامعة الزهراء بعد صلاة الجمعة فصلينا عليه صلاة الغائب . نسأل الله أن يكرم مثواه . آمين ..)) .

وقال الأستاذ ملهم الدروبي على صفحته في الفيسبوك :

(( وترجل فارس آخر، فضيلة الشيخ محمد أديب الجاجي أبو عابد، مراقب عام سابق في جماعة الإخوان المسلمين في سورية، يغادرنا إلى ربه، قبل أن تكتحل عيناه بالنصر في وطنه، رحمك الله أبا عابد، وجمعنا معك في جنات النعيم مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً )) .

رثاء الداعية/ محمد أديب الجاجي :

وكتب الأستاذ الشاعر محمد جميل جانودي على صفحته في الفيسبوك يقول : 

(( بلغني نعي الداعية الفذ، والمربي الفاضل، والعالم العامل الشيخ محمد أديب الجاجي.. صباح الجمعة الثالث من جمادى الأولى لعام ألف وثلاثمئة وسبعة وثلاثين.. فاستقبلت الخبر برضى نفس وحزن قلب ودمعة عين... 

عرفته منذ أكثر من أربعين عامًا، وبعد أن كتب الله علينا الهجرة القسرية سنة ألف وأربعمئة، قدّر الله لي أن ألقاه مرات عدة، ونحن في الغربة... كنت أرى الرجل الصابر والمحتسب، والعالم الفذ، والداعية الذي لا يكل ولا يمل... رأيت رجلًا لا يتهرب من تحمل المسؤولية، بل يتلقاها براحة وطُمأنينة إن اقتضى الأمر ذلك، ورأيت الجندي الذي يعرف ما عليه أن يعمل ولمَ يعمل؟ وعرفت الأخ المؤنس المتواضع، والأب الشفوق الرحيم، لمست ذلك منه حين اعترضتني مشكلة سنة 1417للهجرة الشريفة، ووجدت نفسي مضطرًا يومها إلى اختيار مكان آخر لمهجري وغربتي، فكان هو أول من تبادر إلى ذهني، وكان في اليمن، فألفيت عنده صدرًا رحبًا، واهتمامًا بالغًا، ورغبة ملحة في تسهيل ما نشدته من أجله... حتى إنه بعد مرور أيام بادر هو واتصل بي مستفسرًا عما جرى معي فطمأنته، وأن المشكلة حُلت، فحمد الله وسُر بذلك... 

وللصالحين علامات، وأحسب أنه قد نال حظًا كبيرًا منها، فقد اختار الله له زمانًا لموته هو من أشرف الأزمنة، ومكانًا هو من أفضل بقاع الأرض بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة، وحالًا لازمته من الغربة والصبر على لأوائها، وهو عامل محتسب...

رحمك الله يا أبا الطاهر، وجعل مثواك في عليين، وجمعنا تحت لواء سيد المرسلين في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله... 

ثم أورد قصيدة رثى فيها الراحل الكبير تحت عنوان ( أنعـــــم به مــن مؤمــن ومناج ) يقول فيها :

أنعـــــم به مــن مؤمـن ومناج                مـولاه في ليـــل طويــــلٍ ساجِ

في ليــــلةٍ غـــــراء ذاتِ لآلئ                  رحــلَ الإمــامُ بنــوره الوهــاجِ

رجـــل بكاه العــالِمُون بقَـدره          هو سيد يدعى "أديب الجـاجي"

أفْـــنَى سـنيَّ حياتِه في دعوة          من أجْلها قد سار صعبَ فِجـاجِ

عرفتْ أياديَــــه البلادُ بأسْرها               فتنعَّـمتْ بعطـــائه الثَّــجـّـــاجِ

لمحَــتْ سنَاه بعِــلمِه وذكائه              فغدا لها في الليـــلِ خيرَ ســراجِ

ولِمَـــا يُهــددُ فكرها ووجودَها       من هجمـةٍ، قد كان خير سياجِ

عانى المرارة في اغتـراب قاتلٍ           من أجـل صُبــــح بين الإبلاج

متنَــقّلًا بين الحواضر والقرى        في الصبح أو حــينًا مع الإدلاجِ

فالشام تذكره وتــذكر خـطوه          في خوض بحر عــاتيِ الأمـــواجِ

صنـعاء لن تنسى بياض صنيعه         وأريـــــجــه بذمـــار أو داماجِ

لكـــن فــي عمَّان كان قـراره         حضنته ذاكرةً عُــرى الأوشـــاجِ

حضنت أديْـــبًا والورود تحفه           يرقــى إلى المولى بلا إحــراجِ

منها إلى الرحمـن كانت روحه          في رحـــلةٍ ميْمــــونةِ المـعراجِ

وبعد :

رحم الله الإمام الراحل محمد أديب الجاجي فقد كان منارة علم أفنى عمره في خدمة الدعوة الإسلامية وضحى في سبيل نصرتها واعتقل وسجن وعذب وهاجر وكان ذا همة عالية لذا نراه يناقش الدكتوراه وعمره سبعون سنة، وكانت له الأيادي البيضاء في كل مكان نزل فيه ، في دمشق والأردن واليمن ، وترك وراءه العلم النافع والولد الصالح والتلاميذ الذين لا يُحصون كثرة ، ونرجو من أولاده وبناته ومريديه وتلاميذه أن ينشروا علمه لينتفع به الناس ، وأن تؤخذ الرسائل العلمية في سيرة حياته وفي أسلوبه الدعوي، وأن يجعلوا له صفحة على الفيسبوك وموقعاً على الانترنت ، ..

وأحب أن أقول لمنتقدي الإخوان الذين يسألون ماذا قدّمتم للجهاد والثورة :

ها هم الأبناء والأحفاد يسيرون على درب الآباء والأجداد، فقد مضى الشهيد الشاب خالد رجب ابن السيدة خنساء أديب الجاجي حفيد الإمام في طريق الشهاد ، ودرب الخلود الذي سار عليه الدعاة والمجاهدون من قبل ومن بعد ...

اللهم خذ من دمائنا حتى ترضى ..

 

مصادر الترجمة :