الدكتور العربي بوسلهام خادم الدراسات الإسلامية

فقدنا خلال الأسبوع المنصرم ثلة من خيرة العلماء والمفكرين والأساتذة، الذين لهم آثار طيبة، كل من موقعه، ومن هؤلاء الأفاضل والأكارم أستاذنا الدكتور العربي بوسلهام رحمه الله تعالى، وأسكنه الفردوس الأعلى، ورزق أهله وطلبته، ومحبيه الصبر والسلوان.

وبما أنني أحد تلامذته رحمه الله، أحب أن أقيد في هذا المنشور بعض الومضات، وفاء بحق أستاذنا الفاضل، وتفانيه في العمل، وذلك في ما يلي:

أولا: القليل من يعرف أن أستاذنا العربي بوسلهام من أوائل أبناء الحركة الإسلامية، الذين حملوا هم الدعوة، وتفانوا في خدمة الإسلام وأهله، بكل محبة وتقدير. ويشهد له بذلك من عاشروه في كلية الطب، وكلية الآداب والعلوم الإنسانية، دائما كان في مقدمة الصف، يوم كان اليسار قويا وشرسا، ومع ذلك يشق طريقه مع إخوانه، الذين يشاطرونه نفس الفكر والهم، وهو خدمة الإسلام.

ولقد رمقته من بعيد، ولم أكن أعرفه يومئذ، يوم حضرت محاضرة لفضيلة الدكتور محسن عبد الحميد حفظه الله، بقاعة باحنيني قرب ولاية الرباط، رمقته وهو يصفق بحرارة لأفكار الدكتور محسن، الذي شغل الساحة الفكرية المغربية ردا على كبار المفكرين اليساريين. وقد كان أستاذنا في مقدمة الصف، محرضا للحضور، وموجها ومنبها. وقد كان ذلك في أواسط الثمانينات من القرن الماضي.

ثانيا: كان أستاذنا العربي يمتاز بعزيمة قوية لإنجاز ما يطمح إليه، يبذل في ذلك كل قوته، إلى حد يستفرغ كافة طاقته، مما يصيبه معها -من بعد- الإرهاق والتعب الشديد. ولا يبالي في ذلك أن يطرق جميع الأبواب، رسمية وغيرها، دون كلل أو ملل. وهنا أحكي لكم ما ذكره لي شيخنا أحمد الريسوني حفظه الله، الذي تعرف عليه منذ السبعينيات، يوم كان موظفا بمحكمة القصر الكبير، وقد كان حديث عهد بالزواج، فزاره أستاذنا العربي بوسلهام، حاملا معه جملة من المشاريع والأفكار الإسلامية، وطال بهم الجلوس ليلا، من غير أن ينتبه إلى العريس الجديد. وكل ذلك إصرارا من أستاذنا العربي كي يخرج بأفكار ومشاريع جيدة للصحوة الإسلامية وللحركة الطلابية.

ثالثا: إن يكن للدراسات من فضل في تأسيسها، والتفاني في خدمتها، والغيرة عليها، فذلك يرجع إلى رجلين كريمين، حملا همها، وسهرا على بنائها، والانشغال بقضاياها، وهما أستاذنا الدكتور محمد بلبشير الحسني حفظه الله، وأخص تلامذته أستاذنا العربي بوسلهام رحمه الله، بحيث لا يكاد يفارقه. وعليكم أيها الأفاضل أن تتصوروا حجم المعركة والحرب الدائرة على شعبة الدراسات الإسلامية من جهات علمانية يسارية، تسعى سعيا حثيثا لإزالتها والقضاء عليها.

رابعا: خدمته للطلبة، قل في صفوف الأساتذة، وكل ميسر لما خلق له، من يخدم طلبته بحب كبير، ماديا ومعنويا، مثل أستاذنا العربي، يؤازرهم، يعطف عليهم، يحمل همومهم، يشجعهم، وينفق من ماله من أجل خدمتهم، والدفع بهم، للمزيد من العلم والعطاء. وأذكر هنا أننا لما درسنا عنده في السنة الدراسية 1986/1987، وهي أول سنة ألج فيها إلى الجامعة، أقام حفلا تكريما للطلبة المتفوقين، وكان من جملة الهدايا كتبا نفيسة لكبار العلماء، وخاصة المعاصرين، وكان من نصيبي كتاب (عقيدة المسلم) للشيخ محمد الغزالي رحمه الله، وقد فرحنا بذلك، وسررنا بكلمة أستاذنا العربي التشجيعية، والتي رفع بها هممنا، وأيقظ عزائمنا.

ولما اطمأن لنا وحصلت الصداقة بيننا، طفق يشركنا في أنشطة الشعبة، من ذلك تلك الندوات التاريخية التي شهدها رحاب كلية الآداب، في موضوعات كثيرة وحيوية، ومنها حول الزكاة التي حضرها العلامة الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله، وقد نظم على إثر ذلك محاضرة للشيخ بمدرج ابن خلدون، وقد جاءتها الوفود حاضرة من كل صقع من أصقاع المغرب تقريبا، وخاصة القريبة، ومازلت أذكر الجحافيل من الناس التي دخلت علينا المدرج، وملأته عن آخره، بما في ذلك الممرات، حتى اضطر الأساتذة للوقوف وراء الشيخ يوسف القرضاوي، ثم ملئ البهو الذي كان كبيرا قبل أن يأخذوا منه جزءا، فلم نستطع نحن في اللجنة التنظيمية مع أستاذنا العربي أن نفعل أي شيئا، غلبنا على أمرنا، بل ذكروا لنا أن الساحة الخارجية قد ملئت هي الأخرى. ويرجع الفضل في ذلك إلى أستاذنا بلبشير وبوسلهام. فتلك الأيام هي أزهى وأبهى ما شهدته شعبة الدراسات الإسلامية. ومع الأسف وقع التراجع، الذي لم يكن يتوقعه أحد، للحسابات الضيقة.

المهم عندي أن أستاذنا العربي رحمه الله، لا ينكر فضله على الدراسات الإسلامية، حبا وخدمة مادية ومعنوية أحد، قد أنفق أزكى عمره بها، شغلته حتى عن قضاياه الشخصية، كما أن فضله في النضال من أجل الإسلام يعرفه رواد وأبناء الحركة الإسلامية الأوائل.

فلا نملك أمام هذا المصاب الجلل في فقده إلا الرضا بقضاء الله وقدره، ونحسبه شهيدا إن شاء الله، بسبب هذا الطاعون والوباء الذي أصابه، فرحمه الله رحمة واسعة، وجعل الجنة الفردوس الأعلى داره وقراره، وجزاه خيرا على ما قدم من تضحيات جسام، قد أوذي بسببها، وغفر له كل تقصير أو ذنب، وإنا لله وإنا إليه راجعون.