الدكتورة هند شلبي

في العام ١٩٩٧ زرت تونس، والتقيت في دار الكتب الوطنية بالعالمة الزيتونية الفاضلة الدكتورة هند شلبي، المتخصصة بالتفسير وعلوم القرآن، التي انتقلت إلى رحمة الله يوم الخميس 24 حزيران 2021، وجدتُ فيها المرأة القابضة على الجمر، في محيط يمنع الحجاب، فكانت تلبس اللباس البلدي، كي يسمح لها بالدخول إلى الجامعة.

تحصلت على الإجازة في أصول الدين سنة 1968، ونالت درجة الدكتوراه من كلية الشريعة وأصول الدين عام 1981.

تولّت تدريس أحكام القرآن وعلومه بالجامعة إلى أن أحيلت على شرف المهنة، ونهل من علمها نخبة من أبناء الوزارة من السيّدات والسادة الواعظات والوعّاظ.

مشهود لها بسعة العلم ومتانة الحفظ ودقّة الفهم، حظيت باحترام وتقدير كلّ من عرفها، وتواصل عطاؤها العلمي عبر الندوات من مؤلّفاتها:

- التفسير العلمي للقرآن الكريم بين النظريات والتطبيق،

- القراءات بإفريقية من الفتح إلى منتصف القرن الخامس للهجرة،

- “تحقيق كتاب التصاريف: تفسير القرآن مما اشتبهت أسماؤه وتصرفت معانيه” ليحيى بن سلام،

- دراسة حول إعجاز القرآن في تفسير التحرير والتنوير منشورة بمجلة المنهل العدد 450.

رحم الله الفقيدة رحمة واسعة وجزاها خيرا عن الإسلام والمسلمين ورزقنا والأمة جميعا الصبر على هذا المصاب الجلل وإنّا لله وإنا إليه راجعون.

ومن مواقفها:

في ليلة السّابع والعشرين من رمضان 1975، جلس الحبيب بورقيبة في إحدى قاعات قصر الحكومة بالقصبة، ومن حوله جمع من الوزراء ورجال الدولة، جريا على العادة التي سنها للاحتفال بمثل هذه الليلة من كل سنة... جلس الحضور ليستمعوا كالعادة إلى محاضرة دينية، كما كان ذلك من قبل مع الشيخ الفاضل بن عاشور، والشيخ الحبيب بالخوجة... خرجت عليهم امرأة تمشي في حياء، تحرك قامتها في شموخ، وفي زيّها مزيج من الحشمة والأناقة... اتجهت نحو المصدح دون أن تعبأ بالحركة التي قام بها بورقيبة كإشارة منه للتعبير عن رغبته في مصافحتها، إذ تعوّد كلما قابلته امرأة أن يصافحها ويقبّلها من خدّها، وأن يربّت أحيانا على كتف بعضهن كمداعبة لطيفة منه، لكن هذه المرة لم تترك له هذه المرأة الفرصة ليتلطف معها، وانطلقت مباشرة إلى المنضدة تقرأ محاضرتها وفي صوتها أناة وجدّية... بسملت وحمدت وصلت على النبي المصطفى، وجعلت محور حديثها "مكانة المرأة في الإسلام" وقارنت بين ما حققه الإسلام للمرأة كبنت وأخت وأم وزوجة، وما جاءت به مجلة الأحوال الشخصية لتقنين علاقة المرأة بالأسرة والمجتمع... فشرخت في الصميم إصلاحات 1956 التي تضمنتها المجلة، واعتبرتها إصلاحات وهمية لم ولن ترتق بالمرأة إلى منزلتها الطبيعية، ولن ترفعها عن واقع الدون والخساسة، ولن تزيل عنها الظلم والاستبداد المسلطين عليها منذ زمن طويل حين حاد المجتمع عن تعاليم الإسلام وسادت علاقاته الهمجية والعقلية السلطوية... وأشارت إلى أن ما نسميه اليوم بقضية المرأة هو في جوهره مشكل مغلوط، وضعه الرجل وعالجه الرجل بأن خرج بالمرأة من استبداد الفرد المسلط عليها من داخل الأسرة، إلى استبداد الجماعة المسلط عليها من قبل المؤسسات الاقتصادية والصناعية، باعتبارها يدا عاملة رخيصة، وبضاعة إشهار، ومتنفسا لنزوات الرجل... وبينت أن كل المحاولات التي تمت في العصر الحديث للنهوض بالمرأة من واقع الاستغلال والخساسة والدون، لم ترتق إلى ما جاء به الإسلام، وبقيت نصوص القرآن على مدار الزمان، أرقى المناهج وأكملها في تحقيق سعادة البشر من أنثى وذكر... تلك المرأة هي هند شلبي ابنة الشيخ الزيتوني أحمد شلبي، وعمّها الزيتوني المناضل الحبيب شلبي حافظ تراث الشيخ الثعالبي، وعضو اللجنة التنفيذية للحزب الحر الدستوري... ولم يكن لها أي انتماء حركي أو تنظيمي لأي جماعة، بل كانت عالمة حرة الرأي ليس من أهدافها إلا رضى الله، والنهل من علوم الإسلام.