الخليفة المأمون وعمُّه إبراهيم بن المهدي

رجال ومواقف:

الخليفة المأمون وعمُّه إبراهيم بن المهدي

حيدر الغدير

 

(1)

المأمون – رجل

المأمون: يا سبحان الله!.. كيف فعل عمّي ما فعل!؟ لقد ظننتُ كل الناس يخرجون على طاعتي إلا عمي هذا، لكن ما حدث كذب ظني.

الرجل: لا عليك يا أمير المؤمنين، ما أحسبُ وقتاً طويلاً سيمضي قبل أن يأتيك الخبر بانطفاء الفتنة، واجتماع الأمة من جديد على خليفتها حين تسارع بالعودة إلى بغداد.

المأمون: بارك الله فيك.. لقد أدخلتَ على نفسي السلوى بهذا الذي تقول بعد أن استبدَّت بي الأحزان لخروج عمي عليَّ، إبراهيم بن المهدي "في صوتٍ متسائل" أيخرجُ عليَّ إبراهيم؟ لقد صدق المثل الذي قال: من مأمنه يؤتى الحذِر.

الرجل: يا أمير المؤمنين، لقد عُرِفتَ بالحكمة والعلم والفضل، واشتهرتَ بالصبر والحلم والأناة، حتى صار الناس يضربون بك المثل إذ يتحدثون، فيقول قائلهم: انظر ما فعل المأمون، اسمع ما فعل المأمون.. وإن أحق الناس اليوم بفضيلة العفو إنما هو أنت يا أمير المؤمنين.

المأمون: صدقت، بورك فيك. عسى أن تأتينا الأخبار سريعاً بانطفاء الفتنة وزوال الشر.

الرجل: إن هذا هو الذي نرجو.. لكنَّ بقاءك بعيداً عن بغداد يؤذِنُ بزيادة الفتنة، ذلك أن وجودك الآن في خراسان يُتيح السبيل لكل طامعٍ أو عابثٍ للتمرد والعصيان، فالرأي يا مولاي أن تعجِّل بالسفر إلى بغداد.

المأمون: أما إنه لرأي "صمت" لكنك تعلم أن العباسيين وهُم أهلي وذويَّ، هم الذين خلعوني، وبايعوا إبراهيم بن المهدي، فماذا أنا لاقٍ منهم يا ترى!؟

الرجل: إنما بزَغَ قرن الشر ونجَم، حين أمنوا سطوتك بسبب بُعدك، وأرى أن التعجيل بعودتك إلى بغداد سيغير الحالة يا أمير المؤمنين، إذ يقوى أنصارك ويشتد ساعدهم، ويضعف خصومك، وتنخلع قلوبهم.

المأمون: إذاً؛ فخير ما نفعله الآن التعجيل بالسفر؟

الرجل: إن أذنتَ يا أمير المؤمنين.

المأمون: وعلى ذلك عولت. آذِن القوم بالرحيل، سنمضي صوب بغداد قبل الفجر إن شاء الله.

الرجل: إن شاء الله. "صمت" أمرُ مولاي، سأخبر القوم بما عزمْت.

 

(2)

المأمون – الرجل

الرجل: يا أمير المؤمنين، ما بقي لنا حتى نصل بغداد سوى مرحلة واحدة.

المأمون: الحمد لله رب العالمين، أثَمَّة نبأ عن إبراهيم بن المهدي؟

الرجل: لقد صدق ما توقعناه ونحن في خراسان.

المأمون: وكيف ذلك؟

الرجل: لقد انفضَّ أنصار إبراهيم بن المهدي عنه، وعاد الناس إلى طاعتك، حتى لم يجد عمُّكَ سبيلاً سوى الهرب والاختفاء عن الأنظار.

المأمون: ذلك من فضل الله عليَّ، ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمتَ عليَّ وعلى والدَيَّ. "صمت، ثم في لهجة متسائلة" إذاً بغداد آمنة الآن؟

الرجل: بسبب مقدمك الميمون يا مولاي، وستكون أكثر أمناً إذ تحل فيها قريباً إن شاء الله.

المأمون: إن شاء الله. "صمت" ابعث إلى بغداد من ينادي فيها بلزوم الهدوء، ويُشعِرهم بدخولي عن قريب.

الرجل: أمرُ مولاي.

المأمون: وأرسل إلى القادة أن يعثروا على إبراهيم بن المهدي باذلين في ذلك كل جهدٍ وإن غلا.

الرجل: أمرُ مولاي. "صمت" ستكون غداً إن شاء الله في بغداد تحكم فيها بشريعة الله.. ولن يفلتَ منك عمك إبراهيم.

المأمون: ويلٌ له مني!.. لقد ركبتَ مركباً صعباً يا إبراهيم، خلعت عهد البيعة، ونزعتَ عصا الطاعة، وشققتَ جماعة المسلمين، ونازعَتْكَ نفسك إلى ما تنقطع دونه الأعناق.

 

(3)

المأمون – الرجل – إبراهيم بن المهدي

المأمون: الحمد لله على ما أنعم، ها أنذا في بغداد وهي هادئة آمنة، عادت إلى الطاعة ورجعتْ عن العصيان.

الرجل: الحمد لله يا أمير المؤمنين، كأن الفتنة لم تكن.

المأمون: صدقت، كأنما كانت سحابة صيف، أو حلم ليل ثقيل. "صمت" نحن بخير الآن، الأمور في مجاريها، وكل شيء طيب، حتى دجلة يبدو مسروراً هادئاً.. شيء واحد بقي الآن..

الرجل: "في لهجة هادئة متسائلة" المتواري عن الأنظار؟

المأمون: هو ذاك، عمي إبراهيم بن المهدي. "صمت" أثَمَّة نبأ عنه؟

الرجل: عندي الذي يُسعِدك يا أمير المؤمنين.

المأمون: أوَقع بين أيديكم؟

الرجل: أجل يا أمير المؤمنين، وهو الآن كليلٌ بالقيود في الغرفة المجاورة.

المأمون: "في صوتٍ عالٍ صارم" أحضروه في الحال.

الرجل: أمرُ مولاي. "حركة أقدام –باب يُفتح ويغلق، خطى ثقيلة قادمة تبدأ خافتة، ثم يعلو صوتها شيئاً فشيئاً، تُسمع ضجة قيود في يدي إبراهيم بن المهدي".

إبراهيم: "في صوت هادئ مستعطف" السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.

المأمون: "في صوت غاضب" لا سَلَّمَ الله عليك، ولا قرب دارك، استغواك الشيطان حتى حدثتك نفسك بما تنقطع دونه الأوهام.

إبراهيم: "بعد صمت.. يتكلم في صوته الهادئ المستعطف" مهلاً يا أمير المؤمنين فإنَّ وليَّ الثأر يحكم في القصاص والعفو، والعفو أقرب للتقوى، ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم "المأمون يكرر الصلاة" أسوة حسنة.

المأمون: "غاضباً" الآن، بعد أن وقعتَ تقول هذا الكلام؟

إبراهيم: "هادئاً مستعطفاً" من تناوله الاغترار بما مُدَّ له من أسباب الرجاء أَمِنَ عادية الدهر على نفسه، وهجمَتْ به الأيام على التلف، وقد جعلك الله فوق ما أذنبت، فإنْ أخذتَ فبحقك، وإن عفوتَ فبفضلك، والفضل أولى بك يا أمير المؤمنين.

"صمت قصير يُنشِد بعده إبراهيم هذه الأبيات مستعطفاً"

ذنبي إليك عظيم ** وأنت أعظم منهُ

فخذ بحقك أو.. لا ** فاصفح بعفوك عنهُ

إن لم أكن في فعالي ** من الكرام فكُنْهُ (1)

المأمون: "بعد صمت، يتحدث في صوت هادئ" يا إبراهيم، القدرة تذهب بالحفيظة، والندم توبة، ولقد حُبِّبَ إليَّ العفو حتى خشيتُ ألّا أثاب عليه، اذهب لا تثريب عليك!..

إبراهيم: "في صوتٍ فرِح" بارك الله فيك يا أمير المؤمنين، إنك بالمكرمات جدير.

المأمون: وجميع أموالك مردودة عليك.

إبراهيم: بورك فيك يا ابن أخي، بورك فيك. "صمت ثم يُنشد"

رددتَ مالي ولم تمنن عليَّ به ** وقبل ردِّك مالي قد حقنتَ دمي

فإن جحدتكَ ما أوليتَ من كرمٍ ** إني لَباللؤم أولى منك بالكرم

*****

 

هوامش:

(1)  الأبيات الثلاثة والبيتان الأخيران منسوبة إلى إبراهيم بن المهدي.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين