الحكاية التي تبكيني

 

حكايةٌ ما تذكّرتها إلا فاضت عيناي بالدموع، ولا رويتها في مَجْمَع من الناس إلا حشرَجَت الكلمات في حلقي فعجزتُ عن إتمامها، أو كدت أعجز عن الإتمام.

 

عرفت قبل سنتين أخاً فاضلاً عاملاً كرّس وقته لخدمة اللاجئين السوريين في الأردن، وجمع فريقاً من المتطوعين يبحثون عن اللاجئين المنقطعين خارج المخيمات. عثروا يوماً على جماعة منهم تعيش في ظروف بالغة السوء، في أوكار متهاوية لا تدفع حَرّ الصيف ولا تمنع قَرّ الشتاء، وكان ذلك في رمضان، فزاروهم وحملوا إليهم ما استطاعوا حمله من المؤن واللباس.

 

قال: فلما وصلنا وجدنا عدداً كبيراً من الأطفال يمشون حُفاة، ليس في أقدامهم شيء، فسألنا، فعلمنا أنهم لا يملكون ما ينتعلونه في أقدامهم الصغيرة. فلما رجعنا المرةَ التي بعدها أخذنا لهم شحّاطات بلاستيكية من أرخص الأنواع، الواحدة بنصف دينار (بنحو ثلاثة ريالات) فكان فرحهم بها كفرح رجل حصل على سيارة جديدة من الوكالة، ولبثوا هم وأمهاتهم يشكروننا عليها النهارَ كلَّه. إلا أننا لاحظنا أن أحد الأطفال لم يستعمل شحاطته وبقي يعانقها طول الوقت، فلما هممنا بالانصراف مساء سألناه: ألم تعجبك؟ لِمَ لا تستعملها؟ قال: بلى، ولكني أريد أن أدّخرها ليوم العيد!

 

*   *   *

 

اللهمَّ عفوَك! أين أذهب بوجهي يوم أقف بين يديك فتسألني عن يتامى المسلمين وفقرائهم، الذين يرسم البسمةَ على وجه أحدهم مبلغٌ تافه أصرف أضعافَه كل يوم في الكماليات والترّهات؟ ماذا أقول وبماذا أجيب حينما تسألني: كيف طابت نفسك أن تصرف على نفسك وولدك آلافَ الدنانير وهؤلاء الصغار بحاجة إلى آحاد القروش؟!

 

اللهمّ عفوك وغفرانك، لقد اختبرتني بما رزقتني من مال فرسبت في الاختبار!

 

*   *   *

 

أيّها المسلمون: في سوريا والعراق ملايين اليتامى والمحتاجين، لا يُتوقَّع أن يفكر فيهم كل مسلم (وإن كان هذا هو الواجب) ولا أن يمدوا لهم جميعاً يدَ العون، يكفي قليلٌ منهم. لو نهض لهذه المهمة النبيلة الجليلة واحدٌ من كل ألفٍ من أمة المليار لاجتمع عندنا مليون مسلم، ليس مطلوباً من كل واحد فيهم أن يدفع ألوفاً ولا مئات ألوف، بل ليدفع مئة ريال، مئةً فحسب، فهذه مئة مليون ريال سترسم البسمات على وجوه ملايين الأطفال، وستعيد إليهم عيدَهم الذي فقدوه منذ دهر حتى نسوا معنى العيد.

 

إنها دعوة لمن يحب أن يجاور محمداً صلى الله عليه وسلم في الجنة، فمَن يستجيب؟

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين