الحضارة الإسلامية مقارنة بالحضارة الغربية

الحضارة الإسلامية مقارنة بالحضارة الغربية

 

د. توفيق يوسف الواعي

التقديم للكتاب:

فلقد كان من رحمة الله بالمسلمين خاصة، والبشرية عامة، أن أرسل فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين .

كما كان من فضله ومنه أن هدانا إلى الطريق المستقيم والصراط القويم، فنشأت على هذا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون . كانوا في التاريخ مُثُلا روادا وأئمة.

ولقد ظهر على مدار التاريخ رواد للحضارة الحقة، وأئمة للسلوك الإنساني والريادة البشرية الرحيمة، فكانوا بمثابة الظلال الوارفة التي ترتاح في جنباتها الإنسانية، والنسائم الندية التي تبهج الأرواح والقلوب. وهؤلاء كانت لهم نفحات

علوية وهدايات ربانية وإيحاءات إلهية، وقد كان أصدق مُثُل على هذا الطريق هم الأنبياء والمرسلون ومن تبعهم بإحسان. كما ظهر في حقب من الأزمان صنف آخر سام الناس الهوان والخسف، وأذلهم بالقهر والظلم والبغي،  وكان تأثيرهم في البشرية كالنار في الهشيم، وكالوباء في الأمم، وإن صاحبهم عمران وعلم أو تقدم وفن:

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَاد (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَاد (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَد (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَاد (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَاد (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلاَد (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَاد (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَاب (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد (14)}

وبرغم أن هذه الفترات التاريخية ظهرت بعض معلمها، فإنما لم تلق العناية والاهتمام، أو قل: لم تلقَ القبول والاطمئنان في هذا العصر. وقد يكون السبب أنَّ حضارة اليوم هي المثال المتكرر للصنف الثاني، الذى ظهر على مدار التاريخ، وانساح في الأرض يستعبد الناس ويقهرهم، ويعبدهم للطاغوت، ويسلبهم الإنسانية والإرادة، تارة بقهر الجيوش، وأخرى بقهر الشهوات والغرائز وسيطرة البطون. وكان لزاما أن يظهر جانب الحق؛ ويسطع نور الحقيقة، خاصة وأن حضارة الإسلام هي المثال المتكرر للصنف الأول، أو قل: المثال الجامع للحضارة الإنسانية الحقة.

وكان لزاما أن يردَّ الناس عن الباطل، وأن تُفتح بحضارة الإسلام قلوب غلف وعيون عمي وآذان صم. وأن يزهق الباطل بأضواء الحق وأنوار الهداية، وتفيق الإنسانية من غفوتها وأحزانها مرددة قوله تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُور}[فاطر:34]، { وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ } [الأعراف:43]

تقف البشرية اليوم عل حافة الهاوية بسبب التهديد المستمر بالفناء والزوال المعلَّق فوق هامتها؛ وذلك لفقدانها للقيم التي يمكن أن تنمو الحياة الإنسانية في ظلها نموا سليما وتترقى ترقيا صحيحا.

وهذا واضح كل الوضوح في العالم الغربي الذي أفلس في هذا المجال إفلاسا ذريعا، فلم يعد لديه ما يعطيه للبشرية من قيم، بل لم يعد لديه ما يقنع ضميره باستحقاقه للوجود. ولهذا وقف العقلاء وقفة تأمل يما يشاهدونه هذه الأيام من آثار الغرب فيما يسمونه حضارة وثقافة فوجدوا إغراقا في الاقتصاديات، واستعبادا للماكينات وسباقا إلى الالكترونيات، وازورارا عن القلب والجوهر والروح في الإنسان.

ووجدوا مواكب حاشدة من الصور تلاحقنا بها السينما والصحف والاذاعة والتلفاز تجعل الناس تجري وتلهث إلى غير

غاية وتعيش على هامش أنفسها وكأنما أضحى مثلها الأعلى أن تقيم في نكد وصراع وتمزق .

فباسم الحضارة والثقافة أهدرت الآدمية والناطقية في الناس، وباسم العقل - بعد أن ابتذلوه - نددوا بما هو روحي وأبدي وسخروا من الأديان والقيم . وباسم الحضارة والتقدم صنعت الحضارة أسلحة القهر والدمار واستبعدت الشعوب ونهبت الثروات .

ولهذا وقف الكل متلفتا إلى منقذ منتظر وإلى مخلص يسعفه من هذه اللوثة؛ فناسب أن يقدم له الغوث في حضارة الإسلام التي أنقذت البشرية قبل ذلك، وأخرجتها من الظلمات إلى النور، وهي اليوم مستعدة كما بدأت أول الشوط أن تعيده، وكما أسعدت أوله تهنئ آخره. وإن غدا لناظره قريب .

ليس غير حضارة الإسلام دواء أو شفاء، فقد ظهرت الحقيقة جلية للعيان، وخلت الساحة تماماً من المبادئ والقيم التي تستطيع أن تنقذ البشرية من وهدتها، وتلفت الكل وتعلقت الآمال بالرسالة الخاتمة لما أحسوا فيها من حيوية واستقامة وسمو.

 

لتحميل الملف .. اضغط هنا