الثورة السورية ومستقبل البشرية -4-

الغرب والدولة المحتلة لفلسطين (إسرائيل)

إن الدولة المحتلة لفلسطين (إسرائيل) هي امتداد للغرب الصليبي عقائديا وتكنولوجيا واستراتيجيا المتمثل في مجلس الأمن ، بأعضائه الخمسة الدائمين فأمريكا وروسيا  وبريطانيا وفرنسا والصين هم في خدمة إسرائيل أولا وأخيرا ..  وهم الذين يتحكمون في منظمة الأمم المتحدة ، التي وصفها السيناتور جوزيف بال في مؤتمر بكاتدرائية سان جون ، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بقوله: "إن التوجه الراهن لقيام منظمة عالمية يمثل أضخم حملة صليبية منذ أن بعث السيد المسيح بحوارييه الإثنى عشر لتعليم الأخوة الإنسانية"([1]). فميثاقها المعمول به الآن، هو ثمرة إستراتيجية أنجلوسكسونية ، حيث أن جميع مهمات الأمم المتحدة ذات الصلة بالأمن الجماعي قد فشلت ، لأنه لا يتم التوصل إلى قرار سياسي حقيقي بين الأعضاء الخمسة الدائمين ، " بل يسود إجماع رخو قلما تترتب عليه نتائج ،  لكن عندما تمس مصالح الولايات المتحدة كما هو الحال في حرب الخليج، لا يواجه الأميركيون أي صعوبة لإقناع شركائهم حتى يعرجوا أمامهم"([2]) .

وإنشاؤها لم يكن أمرا عبثيا دون تخطيط ، بل كان هناك تخطيط على المدى البعيد ، ينفذونه على مبدأ المثل القائل بطئ ولكنه أكيد المفعول ، " لقد عملت الصليبية والصهيونية معاً، يداً بيد، للقضاء على الدولة العثمانية، وتقطيع أوصال العالم الإسلامي، وتحويله إلى مزق ضئيلة يسهل ازدرادها، على أن تكون فلسطين من نصيب الصهيونية لتقيم فيها دولتها، ثم تتوسع منها إلى ما تسميه " إسرائيل الكبرى "، وأن يكون بقية العالم الإسلامي نهباً مباحاً للصليبية والصهيونية معاً في الوقت ذاته، يأكل منه كل بقدر ما تتسع معدته، أو بقدر ما يُريد.

ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف وضعت مخططات مشتركة سياسية وحربية واقتصادية.. الخ ربما يكفي للتعرففقد قام كامبل بنرمان رئيس وزراء بريطانيا سنة 1907 بتشكيل لجنة من علماء التاريخ ورجال القانون و السياسة ليس من بريطانيا وحدها وإنما من عدة دول أوربية، ووجه بنرمان خطابا لهذه اللجنة محدداً لها مهمتها وجاء فيه:

" إن الإمبراطوريات تتكون وتتسع وتقوى، ثم تستقر إلى حد ما، ثم تنحلَّ رويداً رويداً، وتزول، والتاريخ ملئ بتلك الأمثلة، وهي لا تتغير بالنسبة لأي إمبراطورية أو أمة، فهناك إمبراطوريات: روما وأثيبتا والهند والصين، وقبلها بابل وأشور والفراعنة وغيرها، فهل يمكن الحصول على أسباب أو وسائل تحول دون سقوط الاستعمار الأوربي وانهياره، أو تؤخر مصيره المظلم بعد أن بلغ الذروة الآن، وبعد أن أصبحت أوربا قارة قديمة استنفذت كل مواردها، وشاخت معالمها، بينما العالم الآخر لا يزال في شبابه يتطلع إلى مزيد من العلم والتنظيم والرفاهية؟."

هذا ولقد ظل هؤلاء العلماء يبحثون ويتدارسون طيلة سبعة أشهر، ثم قدموا نتيجة أبحاثهم في هيئة تقرير سري خاص إلى وزارة الخارجية البريطانية ومن أبرز ما جاء في هذا التقرير:

        إن الخطر ضد الاستعمار الأوربي في آسيا وفي أفريقية ضئيل ، ولكن الخطر الضخم يكمن في البحر المتوسط ، وهذا البحر همزة الوصل بين الغرب والشرق، وحوضه مهد الأديان والحضارة، ويعيش في شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوافر له وحدة التاريخ والدين واللسان، وكل مقومات التجمع والترابط، هذا فضلا عن نزعاته الثورية، وثرواته الطبيعية.

فماذا تكون النتيجة لو نقلتْ هذه المنطقة الوسائل الحديثة، وإمكانيات الثروة الصناعية الأوربية، وانتشر التعليم بها، وارتفعت الثقافة؟!

إذا حدث ما سلف فستحل الضربة القاضية حتما بالاستعمار الغربي، وبناءاً عليه ، فإنه يمكن معالجة الموقف على النحو التالي:

  • على الدول ذات المصالح المشتركة أن تعمل على استمرار تجزؤ هذه المنطقة... وتأخرها، وإبقاء شعوبها على ما هي عليه من تفكك وتأخر وجهل.

  • ضرورة العمل على فصل الجزء الأفريقي في هذه المنطقة عن الجزء الآسيوي، وتقترح اللجنة لذلك إقامة حاجز بشري قوي، وغريب، يحتل الجسر البري الذي يربط آسيا بأفريقيا، بحيث يٌشكل في هذه المنطقة... وعلى مقربة من قناة السويس قوة صديقة للاستعمار الأوربي... وعدوة لسكان المنطقة.([3])

ومن أجل الوصل إلى تنفيذ قرارات هذا المؤتمر أُقيمت الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918)  للقضاء على الدولة العثمانية ، وفصل العالم العربي عنها ، تمهيدا لإنشاء الدولة المزعومة ( إسرائيل ) في فلسطين .

" فقامت ايطاليا باحتلال ليبيا عام 1334ه‍/1914م، وجاءت فيما بعد اتفاقية سايكس- بيكو عام 1916م، وصدر وعد بلفور بعدها عام1337ه‍/1917م ، نقطة البداية في تنفيذ هذه الإستراتيجية القائمة على التجزئة والتفكيك للنظام الإقليمي العربي، وإمعانا في تنفيذ ما عقدت العزم عليه، سعت إلى إلغاء الخلافة الإسلامية وكان لها ما أرادت عام 1344ه‍/1924م ، فانفردت بالمنطقة العربية، وانتهت هذه الإستراتيجية بإحلال القطرية في ربوع المنطقة العربية، فبلاد الشام مثلا لم تعرف الحدود بين أقسامها من قبل، أصبحت اليوم فيها دول أربع تميز هذه عن تلك حدود من صنيع الاستعمار الغربي، ورائدته يوم ذاك بريطانيا وفرنسا، وأصبح لكل منها علم وطني ونشيد وطني وحتى فريق كرة قدم وطني "([4])

" ووزعت أسلاب " الرجل المريض " بعد القضاء عليه بين بريطانيا وفرنسا صديقتي اليهود  ووضعت فلسطين بالذات تحت الانتداب البريطاني  وبريطانيا يومئذ هي زعيمة العالم الصليبي  وصاحبة الإمبراطورية " التي لا تغيب عنها الشمس " والنصيرة الأولى للصهيونية  ووزير خارجيتها " بلفور " صاحب وعد بلفور المشهور من أصل يهودي  ومندوبها السامي الذي عينته في فلسطين " صمويل هور " يهودي. وفى ظل الانتداب تم التحضير لإنشاء الدولة  بتسليم الأراضي التي تملكها الدولة لليهود  وما لزم من بقية الأرض يشترى بأُمان مغرية  ثم يغرى الذين باعوا الأرض بإنفاق ما حصلوا عليه من ثمنها على الفتيات اليهوديات  اللواتى يعملن في " تل أبيب " لهذا الهدف!! " ([5])

ثم قامت الحرب العالمية الثانية عام 1939 واستمرت إلى عام 1945م ، " وقتل فيها أربعون مليونا من الشباب ، غير المدن التي دمرت ، والمدنيين الذين قتلوا في الغارات الجوية .. وغير قنبلتى هيروشيما ونجازاكى الذريتين ، اللتين قضتا على الوجود الحي كله من نبات وحيوان وإنسان في مساحة واسعة من الأرض ، وما تزال تولد أجنة مشوهة من أثر الإشعاع الذرى السام الذي انتشر من القنبلتين في أماكن بعيدة عن مكان الانفجار ، بعد ما يقرب من أربعين عاما من الحدث البربري الفظيع ، الذي سمح به الضمير الأمريكي بلا تحرج ولا تأثم تأمينا " لمصالح " ذلك التجمع الشرير ! وما كان التجمع الآخر الذي انهزم بأقل شرا ولا خبثا ولا انعدام إنسانية عن التجمع الذي انتصر ! فلو أن هتلر سبق إلى استكمال القنبلة الذرية قبل أن يداهمه " الحلفاء " ويسرقوا " العلماء " الذين يعملون في صنعها ، لكان قمينا أن يفعل بها مثل ما فعلوا أو أشد ! وبرز من الحرب الثانية " معسكران " مختلفان ، هما المعسكر الشيوعي والمعسكر الرأسمالي ، يبدو في ظاهر الأمر أنهما تجمعان قائمان على " مبادئ " مختلفة .. خاصة وأن الشيوعية على الأقل تحمل مبادئ محددة ، وتحمل دعوة عالمية لنشر هذه المبادئ في الأرض .

تعلن الشيوعية – دائما – أن الدين لا يجوز أن يكون أساسا للتجمع ! إنما هو الآثار البالية التي أحدثتها عصور الرق والإقطاع والرأسمالية .. وأن تصحيح الأوضاع الذي تحدثه الشيوعية يقضى على تلك الآثار البالية ، ويقيم مجتمعا إنسانيا " حرا " لا تقوم فيه التفرقة على أساس الدين .. وطالما أبدت رأيها صريحا في استنكار رغبة المسلمين في شبه القارة الهندية في إنشاء دولة " إسلامية " وقالت إن هذه اتجاهات رجعية لا ينبغى تشجيعها .

ثم قامت الدولة اليهودية عام 1948م ، على أساس الدين ، فهي من منشئها ، أو من منشأ الدعاية لها وطن " لليهود " ودولة " لليهود " وتجمع " لليهود " ، وفى منتصف الليل ، بتوقيت المنطقة التي أقيمت فيها الدولة اليهودية ، أعلنت أمريكا اعترافها بالدولة ، وبعد عشر دقائق اعترفت روسيا ! روسيا القائمة على أساس " المبادئ " التي تنكر قيام أي تجمع على أساس الدين !([6])

لم تقم إسرائيل في هذه البقعة المباركة لتكتفي بها وإنما قامت لتتوسع وتنطلق إلى إسرائيل الكبرى ثم إلى المملكة الكونية ، فإسرائيل لها أطماع توسعية في البلاد العربية في سوريا ولبنان والأردن ومصر والعراق والمملكة العربية السعودية والخليج العربي ، هذه الأطماع تسعى إلى تحقيقها بالحرب والسلام وبالدبلوماسية والتدمير واستغلال المنظمات الدولية " ([7])

وها هو الغرب الصليبي يستغل الفرص لإنشاء الحرب العالمية الثالثة لإقامة دولة إسرائيل الكبرى ..

فقد كتب جاك تني عضو مجلس الشيوخ الأمريكي  في كتابه " الأخوة الزائف "

وإذا قدر للحرب العالمية الثالثة أن تدور فإنها ربما ستنشب لجعل البلدان العربية توابع تدور في فلك إسرائيل. وربما كان هذا الاحتمال هو الوارد في ذهن ناحوم جولدمان، رئيس المجلس اليهودي العالمي، عندما كان يتحدث أمام المؤتمر اليهودي الكندي في 31 مايو 1947 عندما أخبر يهود كندا بأن إسرائيل أهم (منطقة إستراتيجية في العالم). وقال كذلك، كما ورد في نشرة المؤتمر:

"لم يكن لفلسطين قبل خمسة وعشرين عاماً خلت عشر ما لها من أهمية في السياسة العالمية اليوم. لقد أصبح العالم عالماً واحدا، والكثير العديد من رجال الإستراتيجية يعتقدون بأنه أهم منطقة إستراتيجية في العالم هي الشرق الأوسط. وهناك مؤرخون كبار للحرب العالمية الثانية يعتقدون بأن المعركة الفاصلة في الحرب كانت معركة العلمين، لأنه لو اجتاح النازيون الشرق الأوسط لكسبوا الحرب. ربما كان هذا الكلام مبالغاً فيه أو غير مبالغ، ولكنهم مقتنعون بأنه لو قامت أي حرب في المستقبل فإنها ستكون عالمية وستتركز في هذا الجزء من العالم. إن الشرق الأوسط، بوجوده بين القارات الثلاث، وحلقة الصلة بين أوروبا وآسيا وأفريقيا، ربما يكون أعظم منطقة إستراتيجية في العالم." ([8])

 

 


 ([1] ارض الميعاد والدولة الصليبية – أمريكا في مواجهة العالم منذ 1776م – والتر أ. مكدوجان ترجمة رضا هلال ص218

[2]) أميركا التوتاليتارية، الولايات المتحدة والعالم: إلى أين؟ تأليف ميشال بوغنون موردان، ترجمة: خليل أحمد خليل

[3] ) اليهودية احمد شلبي مكتبة النهضة  المصرية ط8 /1988م ص 100-101

[4] ) النزعة الاستعلائية في الفكر الغربي محمد عواض هزايمة مجلة المنارة المجلد 15 العدد 1، 2009.

[5] ) الصحوة الاسلامية محمد قطب مكتبة السنة  ط1 1411-1990م ص 22-23  والكتاب جزء مفصول من كتاب واقعنا المعاصر لمحمد قطب .

[6] ) مذاهب فكرية معاصرة محمد قطب ص  574 دار الشروق  ط1/1403-1983

[7] ) حقيقة العلاقة بين اليهود والنصارى ص 314 .

[8] ) الأخوة الزائفة  جاك تني عضو مجلس الشيوخ الامريكي ترجمة  احمد اليازوري ، منشور على موقع مركز الشرق  العربي للدراسات الحضارية والإستراتيجية .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين