التكوين العلمي

بقلم عبد الحكيم الأنيس

            من المشروعاتِ المهمة في هذا العصر الالتفاتُ إلى طريقة " تكوين العلماء " في العصور السابقة، وقد اهتم المؤرِّخون بذكر ما قرأه المترجَمون على شيوخهم، وما حصَّلوه بأنفسهم، ومن المصادر الرائعة في بيان التكوين العلمي الرجوع إلى كتب "المشيخات" التي ذكرَ فيها العلماءُ شيوخَهُم وما قرأوه عليهم، وحملوه عنهم، غيرَ ما أُجيزوا به.
   
ومن "المشيخات" المهمّة مشيخة ابن خير الإشبيلي المتوفى سنة (575هـ)، وقراءةُ هذه المشيخة نافعةٌ ماتعةٌ ترى فيها ما قرأه ابنُ خير وما أجيز به، وترى الكتبَ التي كانت شائعة متداولة آنذاك في الأوساط العلمية.
 
ومنها مشيخة ابن حجر العسقلاني: "المَجْمَع المؤسِّس للمعجم المفهرس" ، وقد ذكر في هذا الكتاب شيوخَه، وأورد في كل ترجمة ما أخذه عن صاحبها.
 
وتتفاوت المشيخاتُ في أهميتها، فبعضُها لا يعتني بذكر المقرؤات، وهذه أقلُّ أهمية من تلك التي تُحصي هذه المقرؤات وتبيِّنها، وهي التي أقصدها هنا.
 
ومثل "المشيخات: "المعاجم" .
 
وينبغي العلمُ أن هذه "المشيخات" و "المعاجم" قد يقومُ بجمعها العالمُ نفسه، أو أحد تلامذته، ومن هذا النوع الثاني: معجم شيوخ الصدفي.(وحبذا أن يقوم باحثٌ بجمع مافي تاريخنا من مشيخات ومعاجم).
 
ومن الكتب النافعة في بيان التكوين العلمي ما كتبه العلماءُ في التراجم، فقد يذكرون فيها ما قرأوه من كتب أولئك المترجمين، ومن أهم هذه الكتب: " الفوائد البهية في تراجم الحنفية " للعلامة عبد الحي اللكنوي (ت: 1304هـ)، فإنّه درج في هذا الكتاب على ذِكْر ما قرأه من مؤلفات مُتَرْجَميه بقوله:    "طالعت"، وقد استخرجتُ عناوين هذه الكتب التي نصَّ على مطالعتها فكانت عجباً !
 
وقد نصَّ اللكنوي على ما قرأه أيضاً في كتابه الآخر: "فرحة المدرسين بذكر المصنفات والمصنفين" – وما زال مخطوطاً-، ومن المستحسن جردُ ما ذَكَرَ فيه أنّه قرأه، وجمعه مع مقروآته المذكورة في " الفوائد البهية".
 
ومن الكتب النافعة في بيان التكوين العلمي الكتب التي ذَكَرَ فيها مؤلِّفوها ما قرأوه قبل تأليف كتابٍ معيَّن أو في أثناء تأليفه، ومن هذا النوع ما ذكره الشعراني في مقدمة كتابه "الميزان الكبرى" وقد ذكر كتباً مدهشة ! .
 
ومن الكتب النافعة في بيان "التكوين" المؤلَّفات التي وضعها العلماءُ لبيان سيرهم الذاتية، ومن هذه الكتب كتاب " التحدُّث بنعمة الله " للسيوطي (ت:911هـ)،  و" سبيل التوفيق " للشيخ عبد الله الغماري (ت: 1413هـ).
 
ومنها كتب الرحلات ولا سيما الرحلات العلمية التي اعتنى فيها أصحابُها بذكر مَنْ التقوهم من العلماء وما أخذوه عنهم، ومن هذه الرحلات المهمة رحلة ابن رُشيد: "ملء العيبة"، ورحلة العيَّاشي: "ماء الموائد" ، وهما رحلتان عامرتان بالفوائد الفرائد، ومطالعتُهما من نعيم الدنيا.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين