التصور القرآني عن الموت والحياة

الموت في تصوّر المؤمن ليس نهاية وجود الإنسان، وإنّما هو رحلة من الدنيا الفانية إلى الآخرة الباقية، ولقد عرضه القرآن الكريم على المؤمنين عرضاً مُحبّباً، بمقتَضى إيمانهم بالآخرة، ويقينهم بأخبارها، مع ما يظهر من شدّته ومرارته، ونفرة الإنسان عنه بطبعه، ممّا جعلهُم يَأنسون به، ويرتاحون إليه: فهو نهاية الحياة القصيرة الفانية، حياة الكدر والابتلاءات، والغصص والآلام، وبداية الحياة السعيدة المطمئنّة، الخالدة في النعيم المقيم، والعزّ والتكريم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فيما لا عين رأت، ولا أذُنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر..

وهو قدر محتوم، لا يتقدّم ولا يتأخّر، ولا منجى منه ولا مفرّ، فإذا كان أمره كذلك فحريّ بالمؤمن أن يكون مستعدّاً للقائه في كلّ وقت، وأن يعلم أنّ ما بعده من مَغفرة الله وقربه، وجنّته ورضوانه خير له من هذه الدنيَا وحظوظها الفانية، ممّا يوجب على المؤمن أن لا يتقبّل الموت عند نزوله فحسب، بل يطلب الموت في مظانّه، التي هي مواطن يحبّها الله تعالى، ويرضى عن العبد بهَا، كما عبّر عن ذلك عمير بن الحمام الأنصاريّ رضي الله عنه عندما قال:

ركضاً  إلى الله  بغير  زادِ         إلاّ التقى  وعمل المعادِ

والصبر في الله على الجهادِ وكلّ زادٍ عرضة النفادِ

 إلاّ التقى والبرّ والرشادِ

ولقد تغلغلت هذه الحقائق في نفوس الصحب الكرام رضي الله عنهم، ومن تبعهم بإحسان، فأحبّوا الموت في سبيل الله تعالى، كما أحبّ عدوّهم الحياة، وطلبوه في مظانّه، وعرف عنهم ذلك عدوّهم فهابهم، وخشي لقاءهم، فوهبت لهم الحياة الكريمة، وكانوا سادة الأمم، وقادتها إلى كلّ خير.. في الوقت الذي نرَى القرآن الكريم يعيب على اليهود، وهم يدّعون أنّهم أبناء الله وأحبّاؤه، وأنّ الآخرة خالصة لهم من دون الناس.. يعيب عليهم القرآن الكريم شدّة تعلّقهم بالحياة الدنيا، وحرصهم على أيّ نوعٍ منها، ولو كانت ذليلةً مهِينة، شأن المادّيّين الذين لا يعرفون الآخرة، ولا يؤمنون بها: { قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوْا المَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنْ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96) } البقرة.

 

هذا ونلخّص أهمّ الحقائق القرآنيّة عن الموت في النقاط التالية:

1 ـ الموت نقلة من هذه الدار، ومرحلة من مراحل الحياة، وليْس نهَايةً لها.

2 ـ الموت والحياة بقدر الله المحتّم، الذي لا يتقدّم ولا يتأخّر، وهو من الغيب الذي لا يعلمه إلاّ الله تعالى.

3 ـ ما عندَ الله تعالى خَير للمؤمن التقيّ وأبقى من الدنيا وما فيها.

4 ـ الدنيا دَار ابتلاء ومحن، وهيَ مَزرعة الآخرة، والآخرة دار الحساب والجزاء.

5 ـ المؤمن يضَحّي برغباته وبحياته في سبيل الفوز في الآخرة بمرضاة ربّه.

6 ـ لا أحدَ يعلم بم يختم له، ولكنّ البداية الحسنة، والاستقامة على الخير تبشّر المؤمن بالخاتمة الطيّبة بإذن الله.

7 ـ الذينَ لا يؤمنون بالآخرة لا همّ لهم إلاّ الدنيا وشهواتها.

8 ـ ويحرصونَ على الحياة ولو كانت في مستنقع الذلّ والهوان.

9 ـ المؤمن التقيّ يحيا حياة طيّبة، ويموت ميتة طيّبة بإذن الله تعالى.

10 ـ الإيمان بالحساب والجزاء في الآخرة خير ما يضبط سلوك الإنسان، ويفرض عليه الالتزام بحدوده.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين