التربية الإيجابية بين الحب والحزم

كان أبي (إبراهيم جلال) رحمه الله قوي الشخصية كريما محبا للضيف حنونا علينا داعيا إلى الخير محبا للقرآن الكريم ومعظما للسيرة النبوية، تسامى على شدة ألمه لاستشهاد أخوي جلال وعبد الحكيم على يد طاغية الشام الأسد بالاعتكاف يوميا في المسجد الحرام والطواف حول الكعبة الشريفة، والتضرع إلى الله لالتماس الصبر والسلوان.
كان يمسك بيدي ويطوف حول الكعبة ويلقني الاذكار من الكتاب والسنة الشريفة حتى زرع حب الذكر في قلبي، واذكر وانا صغيرة ابنة ستة أعوام عندما يشتد الزحام يحملني فوق اكتافه القوية ويطوف سبعة أشواط حول الكعبة، فأشعر بسعادة بالغة وانا في الطابق الثاني فوق اكتافه اراقب الناس وهم يطوفون وأشعر بنفسي اميرة تحمل فوق اكتاف الحب والحنان والرحمة.
اتصفت تربية ابي لنا بالحب والحزم، كان يلعب معنا ويلبي رغباتنا ويداعبنا، ولكنه وضع لنا برنامجا حازما لا نستطيع له فكاكا، في كل يوم يجب أن نجلس انا واختي ظلال، بين المغرب والعشاء ساعة اعتكاف لحفظ عشرة آيات من القران الكريم، وهناك تسميع يومي لنا بعد صلاة الفجر، من حفظت منا فلها جائزة(ريالين)، ومن لم تحفظ منا فلها عقاب صارم، احيانا يكفي الواحدة منا نظرة غضب من ابي كي ترتجف لساعات من الخوف بانتظار العقاب.
احب ابي القرآن والسنة الشريفة وشجعنا في تربيته الايجابية على حفظ القرآن و قراءة سيرة رسولنا الكريم فقد أخذ بحديث رسولنا الكريم عندما قال:(تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وسنتي)، كان يعلم رحمه الله انه ان غرس حب القرآن والتمسك بسنة رسولنا الكريم فينا فإنه سيحمينا في زمن اشتدت فيه الفتن.
لم يكن ابي رحمه الله يهتم كثيرا بمتابعة مناهجنا الدراسية ربما لأنه كان مقتنعا بمقولة: علم أولادك القرآن، وسيعلمهم القران كل شيء، وربما لانه أطمئن ايضا إلى متابعة امي الحنونة(امينة شيخة) المحاضرة في ذلك الوقت بجامعة ام القرى بدرستنا شخصيا، فقد كانت تعود من عملها متعبة لتجلس معنا وتتابع دراستنا بكل اهتمام وحب.
رحم الله ابي الكريم وتقبله مع الصديقين والشهداء والصالحين، وجزاه خيرا على حسن تربيته لنا، وثبتنا على الصراط المستقيم بعده، وغفر لنا وله، وجمعنا على سرر متقابلين في جنات النعيم.