التّخيير بين اللّبن والخمر (في ذكرى الإسراء والمعراج)

من المواقف المهمّة في رحلة الإسراء والمعراج موقف التّخيير بين اللّبن والخمر، ففي صحيحي البخاري ومسلم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "لَيلةَ أُسْريَ بي، أُتيتُ بقَدَحَيْنِ: قَدَحِ لَبَنٍ، وقَدَحِ خَمرٍ، فنظَرتُ إليهما، فأخَذتُ اللَّبَنَ، فقال جِبريلُ: الحَمدُ للهِ الذي هداكَ للفِطْرةِ، لو أخَذتَ الخَمرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ"

الفرق الجوهري بين اللّبن والخمر، أنّ اللّبن "ويقصد به هنا الحليب" باقٍ على أصل الخلقة، بينما الخمر تدخّلت فيه اليد البشريّة تدخلًا يخرجُ عصير العنب عن أصل خلقته بطريقةٍ فيها إفسادٌ لا إصلاح.

فالحليب الصّافي يمثّلُ الفطرة السويّة التي تبقى على أصل الخلقة الطبيعيّة التي خلقها الله تعالى في كلّ المناحي القلبيّة والاعتقاديّة والسّلوكيّة والعمليّة في الواقع الفرديّ والاجتماعيّ.

أمّا الخمر فهو يمثّل حالة التدخل البشريّ للإفساد بإخراج ما هو من أصل الطبيعة البشريّة إلى نقيضه وجعل الحالة الشّاذّة هي الأصل أو الطبيعيّ في المجالات المختلفة الاعتقاديّة والسّلوكيّة والاجتماعيّة الفرديّة والجماعيّة.

كلّ ما تتدخّل فيه اليد البشريّة أو العقل البشريّ لتخرجه عن حالته الطبيعيّة المنسجمة مع أصل الخلقة، وتفسده وتحاول ترسيخ نقيضه الشّاذ، فهو نوعٌ من الغواية الموصلة إلى الهلاك، وينبغي ألّا تغرّنا النشوة العابرة والسّكرة الحاصلة نتيجة حالة الشّذوذ، فالخمرُ الذي عافَه رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليلة الإسراء فيه نشوة وسكر، لكنّ فيه تغييب للعقل وإفساد في المآل؛ وكذلك كلّ ما هو شاذّ ويحاول العقل البشريّ تجميل قبحه وتقنين إفساده.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين