التحذير من المخدرات

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على نبيّنا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. أما بعد: 

فإن من أعظم الآفات التي ابتليت بها الإنسانية في هذا العصر آفة المخدرات، فقد انتشرت هذه الكارثة كثيرًا وأضحت وباءً يقض مضجع المجتمعات بسبب الكوارث الكبيرة التي تسببها على كافة المستويات: اقتصادية كانت، أو اجتماعية، أو دينيةً. 

والمخدرات كل مادة تُغيبُ العقل والحواس ويصيب متعاطيها الفتور والكسل، فيدخل في ذلك كل مادة طبيعة أو اصطناعية تحتوي على ما يؤثر على العقل والحواس. 

وقد انتشرت أسماء كثيرة لها في عصرنا هذا، منها ما هو طبيعي (كالحشيش، والخشخاش الذي يستخرج منه الأفيون، ونبات القات، والكوكايين، وغيرها) ومنها ما هو صناعي (كالهيروين، وعقاقير الهلوسة، والعقاقير المهدئة) وكل هذه الأنواع لها تأثير على الجملة العصبية التي تتحكم في توازن الإنسان ووعيه.

ولقد أجمع علماء الأمة على تحريم الخمور والمخدرات بل عدوا ذلك من كبائر الذنوب وموبقاتها التي يجب على المسلم البعد عنها بعدًا كليا في التعاطي والاتجار بل حتى في حضور مجلس يكون فيه اقتراف لتلك الرذيلة إلحاقاً لها بالخمر في هذا، فقد روى الإمام الترمذي رحمه الله تعالى عن أَنَسِ بْنِ مَالِك ٍرضي الله عنه قَالَ : (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِي لَهَا وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ)

ولقد تعددت الأدلة على حرمة الخمر ومثلها المخدرات بجامع اتحاد العلة فكلاهما مسكر يفسد العقل وينهك البدن. فيحرم تعاطيها بأي وجه من الوجوه، وذلك لضررها البالغ على الجسم والعقل ولما يترتب عليها من آثار سيئة ومفاسد أشد من آثار المسكرات من إضاعة الأوقات والأموال ومن إثارة العداوة والبغضاء ومن الصد عن ذكر الله وعن الصلاة. 

المخدرات تسبب الكثير من الأمراض الصحية والنفسية والعقلية التي يصعب علاجها، والعقل من الكليات الخمس التي أوجب الله عز وجل المحافظة عليها، وهو أعظم نعم الله التي أنعمها على الإنسان، إذ به قوام الإنسان، وكرامته وعليه مدار التكليف والمساءلة والحساب في الدنيا والآخرة. 

وقد رفع الله مكانة العقل ونبه إلى رفعة وعلو المؤمن الذي يُعمل عقله فقال جل شأنه ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ ]الزمر: 9[

لذلك حرم الإسلام كل ما من شأنه أن يسبب الضرر للعقل سواء كان من فعل الإنسان على نفسه أو من تعدي غيره عليه، فحرم كل أنواع المسكرات والمخدرات.

والمخدرات تؤدي إلى التهاون والتكاسل عن العبادات.

كما أنها باب من أبواب الولوج إلى عالم الجريمة. وهي سبب في الغالب في إضاعة الأهل والأولاد، بل في إضاعة النفس، والدين، والعرض، وقد ألمح بيان الباري سبحانه إلى ذلك في حديثه عن الخمر، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ [المائدة: 90 - 91].

وقال الله تعالى: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأعراف:157] 

والمخدرات كما الخمر من أكبر الخبائث ولا يشك أدنى عاقل في كون المخدرات من أمهات الخبائث. 

وﺭﻭﻯ اﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ ﻓﻲ ﻣﺴﻨﺪﻩ ﻭﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ ﻓﻲ ﺳﻨﻨﻪ ﻋﻦ ﺃﻡ ﺳﻠﻤﺔ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ: (ﻧﻬﻰ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺴﻜﺮ ﻭﻣﻔﺘﺮ)

كما أن المخدرات من أسباب الضائقات الاقتصادية، فهي سبب في إنفاق الأموال الطائلة بسبب غلاء أسعارها واستغلال عصابات الاتجار بها للمدمنين عليها لذلك تجد من أدمن على المخدرات يتفق كل شيء في سبيل الحصول عليها وقد يضطره الحال إلى أن يضحي بممتلكاته ليحصل على المخدرات هذا السلوك يودي بالأسرة إلى براثن الفقر والحاجة.

ولا يغيب عنا أن تعاطي المخدرات سبب كبير من أسباب انتشار بعض الآفات الاجتماعية كالرشوة والخيانة والسرقة والاغتصاب والدعارة.

فيا أيها الشباب، هذا دينكم الذي يحرص على الخير كل الخير لكم، ويحرص على حفظكم من كل شر وسوء يحذركم الوقوع في هذه الهاوية، يحذركم ضياع الدنيا والآخرة، يحذركم مقت الله تعالى ومقت الناس، يحذركم ما يجركم إلى ارتكاب جريمة ربما تكون الحياة ثمناً لها.

واحذر أيها الشاب المسلم من رفقاء السوء الذين يعملون على إضلالك وغوايتك وجرّك للوقوع في خطر المخدرات، وهدفهم من ذلك نشر الرذيلة وشيوع المعصية، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى خطر رفيق السوء: أخرج أبو داود والترمذي عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: (الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل) وفي حديث آخر عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ؛ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ, وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ, وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً, وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ, وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)

فالله الله في دينكم وعافيتكم وعقولكم، والحذار الحذار من هذا السم الزعاف، الله الله في طاقتكم التي تنتظرها الأمة وتعلق عليها آمالاً عظيمة، الأمة تنتظر جهادكم وجهدكم وإصلاحكم وصلاحكم، وأن تعيدوا للأمة مجدها الذي تفتقد وعزها الذي تشتاق، بالعلم والصناعة والاختراع والأخلاق والفضيلة، فكيف بمن يُعدّ للعظائم أن تستهويه الرذائل وتسقطه القاذورات.

تحميل الملف