التاريخ بين صدق الآثار وأكاذيب الكتب

 

مشهدان من داخل متاحف "سنغافورة" لهما دلالتهما ، المشهد الأول من داخل (الأكويريوم) بجزيرة "سانتوزا" يمثل صورة المسلم العربي مجسماً بزيه التقليدي راكباً جملاً وبجواره خارطة جغرافية وشاشة عرض تتحدث عن طريق الحرير الذي كان يربط الشرق الأقصى تجارياً بالعالم من خلال العالم الإسلامي.

ومقابل ذلك المجسم قسم خاص للمنتجات العُمانية التي كانت رائجة في هذه البلاد مثل اللبان العماني والقهوة العربية والسجاد والأسلحة ...

وفي المتحف الوطني السنغافوري تجد مشهداً مختلفا كل الاختلاف ، حيث تجد مشهداً مصوراً  لبيوت (حانات) تدخين الأفيون التي جاء بها المحتل الإنجليزي إلى تلك البلاد ونقلها عن طريق المهاجرين الصينيين ، وبجوارها لوحة مكتوب عليها : ( في بداية القرن العشرين كان في سنغافورة الصغيرة 550 محل رسمي مرخص لتدخين الأفيون وكانت تجارة الأفيون في سنغافورة وحدها تمثل من 40-60% من عوائد حكومة الاحتلال.

مما حدا بالمؤرخ الإنجليزي "Carl Trocki" للقول بأنه لولا الأفيون لما كانت الامبراطورية البريطانية .)!!

المشهد الأول ينقل صورة تبادل تجاري وثقافي ، والمشهد الثاني ينقل صورة إفساد وسيطرة واستغلال .

وصِدْقِية المشهدين تنبعان من كون هذه الدولة ليست دولة إسلامية ، ولكن كان سكانها مسلمين يحكمهم سلطان مسلم حتى بداية القرن التاسع عشر ، وتحول المسلمون فيها إلى نسبة لا تزيد عن 20% ، وصارت الأغلبية صينية بوذية بفعل الهجرات أثناء الاحتلال الإنجليزي.

هذا المشهد من الشرق الأقصى وأمثاله في ربوع أفريقيا جنوب الصحراء يقطع بكذب فِرية : إن الإسلام انتشر بالسيف ، بل ويعيد التهمة لمن روجها بشكل جازم وقطعي : إن المسيحية انتشرت في الشرق الأقصى وأفريقيا بحد السيف تحت ظل الاحتلال .

وننتقل من الشواهد المحبوسة خلف جدران المتاحف إلى الفضاء العام لنقف متأملين أمام أثرين متناقضين :

(الكوليسيوم ، والسبيل).

الأول من أهم الآثار المتبقية من الحضارة الرومانية وأعظم آثارها في "روما" ، "الكوليسيوم" هو المسرح الروماني المُعَد لمصارعة البشر مع بعضهم ، أو بين البشر والحيوانات المفترسة ، مصارعة حتى الموت ، موت إنسان أمام إنسان ، أو موت إنسان بين فكي ومخالب حيوان . والمدرجات لجمهور المشاهدين ، والمقصورة لعلية القوم ، والكل مجتمعون لمشاهدة أعمال القتل والتعذيب وسط صيحات التشجيع وآهات الاستحسان .!!

هذا الأثر القائم هو أحد الروافد الثقافية الغربية والذي لا تجد له مثيلاً ولا شبيهاً أبداً في حضارتنا الإسلامية ، بل ولا في بلاد الشرق قبل الإسلام .

أما "السبيل" فهو أثر خالد في الحواضر التي لامستها حضارة الإسلام ، ليس في عواصمها الكبرى في المغرب والقاهرة والمشرق فقط ، بل ما زالت قائمة في قلب أوروبا أينما حل المسلمون في بلاد البلقان والجمهوريات المنفصلة عن الاتحاد السوفيتي السابق .

فما هو السبيل ؟ هو الأثر الذي تفنن المسلمون في عمارته وتجميله وتزيينه لتقديم الماء العذب بالمجان لعابري السبيل .

وكما للكوليسيوم أشباه ونظائر في أقبية أفريقيا التي كانوا يجمعون فيها العبيد للفرز والتسعير قبل البيع والتصدير .. 

فللسبيل أيضاً أشباه ونظائر من الخان (فنادق لإيواء عابري السبيل) والتكية (مكان لمبيت وإطعام المساكين)  والوقف بأنواعه ، وحتى ما ورثناه في عمارة بيوتنا من المضيفة وحجرة المسافرين  .. 

فليكذبوا في كتب التاريخ كما يشاءون وليوظفوا لترويج أكاذيبهم "هوليوود" وأجهزة الإعلام ومناهج التعليم ..

وليردد خلفهم الببغاوات من بني قومنا عن جهل أو عمالة .

ولكن بين أيدي الناس تلك الآثار الخالدة التي تكشف الكذب والبهتان والزور .. لمن أراد أن يتعلم ويفهم .

وستظل شاهدة على عظمة وسمو دين عنوانه : نشر الخير والدعوة له .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين