البصائر الثلاث للدعوة إلى الله تعالى

لقد لقّن الله حبيبه محمدا صلى الله عليه وسلم وهو في مقام الدعوة إلى الله؛ فقال له: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}، وقد وردت هذه الآية في سورة يوسف الذي كان داعية مصلحا للمصريين وكان نبيا رسولا لبني إسرائيل.

فالدعوة إلى الله ليست حرفة الذين لم يجدوا حرفة تليق بطموحاتهم في هذه الحياة، والداعية المؤمن لا يخبط في دعوته للناس خبط عشواء، وإنما يسير وفق منهج دعوي منضبط، يمكن تلخيص أبرز معالمه في ثلاث بصائر عامة:

الأولى: بصيرة التدبر لكلام الله، بحيث يتم الاهتداء بتوجيهاته الشاملة والاستبصار بأنواره الكاملة، ويتم فهم مفرداته الدقيقة وهضم مقاصده العامة والخاصة، مع استيعاب واضح لقيمه الحضارية التي تتوزع في كافة ميادين الحياة.

الثانية: بصيرة التفقه في الواقع الذي يعيش فيه هو ومن يود دعوتهم؛ بحيث يفهم طبيعة العصر وتياراته ومذاهبه ويحيط بمتغيراته السريعة، ويدرك الخصائص العامة للمجتمعات المحلية ويعرف عوائدها ومكوناتها المختلفة، ويفهم نفسيات الناس وطبائعهم وأمزجتهم وطرائق تفكيرهم وتأثير الظروف المحيطة بهم، ويدرك نقاط قوتهم ومواضع ضعفهم.

الثالثة: بصيرة التفكر في أنجع الطرائق لتنزيل النصوص القرآنية والمقاصد الشرعية على الحوادث اليومية والنوازل الحياتية، بحيث يتم ترتيب الأولويات، من قبيل البدء بالكلي قبل الجزئي والمعلوم قبل المجهول، وبالقطعي قبل الظني والمتفق عليه قبل المختلف فيه، وبالعلمي قبل العملي والتصوري قبل السلوكي، وبالعقدي قبل التشريعي، والفردي قبل الجماعي.

وفي هذا الإطار يحتاج الداعية إلى امتلاك مهارات الدخول من أبواب متفرقة، والتحلي بأساليب الخطاب المؤثر والتربية الواعية والتعليم الممنهج، ولابد له من التخطيط الذكي الذي ينطلق من معرفة دقيقة بالإمكانات المتوفرة والكامنة وبالمصاعب القائمة والمتوقعة، ويرسم الأهداف بواقعية بعيدا عن التضخيم أو التواضع، ويحدد الوسائل والأساليب المطلوبة، مع التحلي بمرونة عقلية تمكنه من اختيار الأفضل في كل موقع والأنجع مع كل شخص أو موقف على حدة.

وينبغي أن يتحلى الداعية بالخيال الخصب والمهارات المتجددة من أجل استشراف المستقبل واستبصار النتائج، وللتنبوء بالمآلات والعواقب، وصولا إلى التحلي بثقافة المراجعة الصارمة والنقد الذاتي، بما يكفل تقويم الاعوجاجات وردم الفجوات، وباستكمال النواقص وتجويد الأداء.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين