الباطل المدجج والحق الأعزل!

كثير من الناس يرى الحق محاصرا متتبَّعًا مقهورا محصورا مغلوبًا لمجرد أنه ضعيف لا يحمل أي قوة، ولا يملك ما يحميه ويمنعه، ويرون الباطل – في الوقت نفسه – الباطل وأهله منتصرين ظاهرين لأهل الحق قاهرين كَابِتين لما يرونه معهم من سلاح وطائرات وجيش وشرطة وبلطجية وقناصة، فيبدو الباطل منتفشًا قويًّا منيعًا لا يُطاوله أحد من أهل الحق.

والحقيقة أن الحق راسخ قوي مهما كان أعزل منزوعا منه كل سلاح، وجردا من كل قوة، وإلا فما السر للبطش الشديد الذي يلقاه أهل الحق - رغم تجردهم من كل ما يحميهم – من أهل الباطل، والمحاصرة والمتابعة والقهر والحبس والمنع ... إنه خوف الباطل الزاهق من الحق الصامد أن يأتي عليه من القواعد فينقلب خاسئا خائبا مدحورا!

إن الحق يظل قويا راسخا أصله ثابت وفرعه في السماء يؤتي أكله كل حين بإذن ربه بما يحمل من مقومات وخصائص ومناغمة للفطرة وموافقة مع ما خلق الله عليه الكون، والسنن التي أقام الله عليها الحياة والأحياء، ويبقى الباطل ضعيفا مهزوما منكسرا في داخله حتى لو حوى كل مظاهر القوة والمنعة بما يحمله من مخالفة صارخة للسنن، وما يمارسه من ظلم وقهر، وما يلابسه من مصادمة للفطرة والقوانين التي بنى الله عليها الكون والحياة!

يقول شهيد الإسلام سيد قطب رحمه الله: "كم من مرة وقف الباطل مدججا بالسلاح أمام الحق الأعزل. ومع ذلك كان الباطل يحتشد احتشاد المرعوب ، ويرتجف من كل حركة وكل صوت - وهو في حشده المسلح المحشود! فأما إذا أقدم الحق وهاجم فهو الذعر والفزع والشتات والاضطراب في صفوف الباطل ولو كانت له الحشود ، وكان للحق القلة". الظلال: 1/ 492.

ولهذا يُحكى أن الباطل خرج في "فسحة" يومًا مع الحق، فقال الباطل: أنا أعلى منك رأساً. قال الحق: أنا أثبت منك قدماً. قال الباطل: أن أقوى منك. قال الحق: أنا أبقى منك. قال الباطل: أنا معي الأقوياء والمترفون. قال الحق: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ(123)". [سورة الأنعام]. قال الباطل: أستطيع أن أقتلك الآن. قال الحق: ولكن أولادي سيقتلونك ولو بعد حين!.

قد يظن البعض من أهل الحق أن الباطل قد استولى وانتصر، وقوي وظهر، واقترب من الإجهاز على الحق وأهله، وأو يظن أنه قد نجا وانتفش وانتفخ، وأن الله تاركه أو غافل عنه، وهذا من سوء الظن بالله تعالى، ومن هنا يقول المفسر الملهم سيد قطب يرحمه الله: "إن ذهاب الباطل ناجيا في معركة من المعارك. وبقاءه منتفشا فترة من الزمان ، ليس معناه أن اللّه تاركه ، أو أنه من القوة بحيث لا يغلب ، أو بحيث يضر الحق ضررا باقيا قاضيا .. وإن ذهاب الحق مبتلى في معركة من المعارك ، وبقاءه ضعيف الحول فترة من الزمان ، ليس معناه أن اللّه مجافيه أو ناسيه! أو أنه متروك للباطل يقتله ويرديه .. كلا. إنما هي حكمة وتدبير .. هنا وهناك .. يملى للباطل ليمضي إلى نهاية الطريق وليرتكب أبشع الآثام ، وليحمل أثقل الأوزار ، ولينال أشد العذاب باستحقاق! .. ويبتلى الحق ، ليميز الخبيث من الطيب ، ويعظم الأجر لمن يمضي مع الابتلاء ويثبت .. فهو الكسب للحق والخسار للباطل ، مضاعفا هذا وذاك! هنا وهناك!". الظلال: 1/ 522-523.

وما نراه اليوم في واقعنا المصري يشهد بأن الباطل مهما أوتي من قوة فهو ضعيف، وأن الحق مهما كان أعزل فهو الأقوى والأبقى، فالفريق السيسي معه الطائرات والدبابات والقناصة والبلطجية والداخلية والجيش والشرطة والمخابرات العامة والحربية وأمن الدولة .. ومع هذا كله يخاف من "بالونة" مرسوم عليها شعار رابعة .. ويخشى من كلمة يقولها الرئيس المنتخب محمد مرسي داخل القفص!

ألا .. ما أضعف الباطل المدجج وما أقوى الحق الأعزل!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين