الانتصار لسيد المرسلين وكفايته المستهزئين


 

يا نَاطِحَ الجَبَلَ العالي لِيَكْلِمَه      أَشفِقْ على الرّأسِ لا تُشْفِقْ على الجَبَلِ

رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قمةٌ سامقة وجبلٌ شامخ والذين يحاولون النيل منه - صلى الله عليه وآله وسلم - مَثَلُهُم:

كناطحٍ صخرةً يومًا لِيُوهِنَها                    فلم يَضِرْها وأوْهَى قرنَه الوعِلُ

و«لا يضر السحابَ نبحُ الكلاب، ولن يَضِيرَ السماءَ نقيقُ الضفادع».

وكل المسلمين فداءٌ لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -.

إمامَ المرسلينَ فِداكَ رُوحي ... وأرواحُ الأئمةِ والدعاةْ

رسُولَ العالمينَ فِداكَ عِرضِي ... وأعراضُ الأحبةِ والتقاة

بالصور المسيئة من المجلة سيئة الصيت " شارل ابدو" اهتزّ العالم الإسلاميُّ أجمع لتلك الصور المشينة التي تهدف إلى الإساءة إلى خير  الخلق، رسول الل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، وكم آلمت – هذه الأحداث - كل مسلم غيورٍ على دينه بل كل حر شريف ، وسر هذه الحملات فى قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ"[1]  وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا"[2] والبشارة فى الصحيح: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ»[3]  فكيف بمن عادى محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - الْمُرَادُ بِوَلِيِّ اللهِ الْعَالِمُ بِاللهِ الْمُوَاظِبُ عَلَى طَاعَتِهِ الْمُخْلِصُ فِي عِبَادَتِهِ.وفى الذؤابة من ذلك صفوة الخلق – محمد صلوات الله وسلامه عليه-  والمَعْنَى فَقَدْ تَعَرَّضَ لِإِهْلَاكِي إِيَّاهُ، فَأَطْلَقَ الْحَرْبَ وَأَرَادَ لَازِمَهُ أَيْ أَعْمَلُ بِهِ مَا يَعْمَلُهُ الْعَدُوُّ الْمُحَارَبُ، وفِي هَذَا تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ لِأَنَّ مَنْ حَارَبَهُ اللهُ أَهْلَكَهُ. هذا والذين يؤذون رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ملعونون في الدنيا والآخرة، (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا"[4] وهذا الإيذاء يشمل كل أذِيَّة، قولية أو فعلية، مِن سَبٍّ وشَتْمٍ، أو تَنَقّصٍ له، أو لدينه، أو ما يعود إليه بالأذى. و{لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} أي: أبعدهم وطردهم، ومِن لَعْنِهِم في الدنيا أنه يُحتِّم قتل من شتم الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وآذاه. {وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} جزاءً له على أذاه، أن يؤذَى بالعذاب الأليم، فأذِيَّةُ الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، ليست كأذِيَّةِ غيره،

قال تعالى:"إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ"[5]  في هذه الآية وعد من الله - سبحانه وتعالى - لرسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يكفِيَه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة. وقد وفا- سبحانه وتعالى - فما تظاهر أحد بالاستهزاء برسوله صلوات الله وسلامه عليه- - وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتَلَه شر قتلة. نماذج من عقاب الله - سبحانه وتعالى - للمستهزئين برسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -:ومن هذه النماذج كما فى الصحيح أبو جهل "قال: «هل يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْن أَظهُرِكُم»، فَقِيلَ: «نَعَمْ»، فَقَالَ: «وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيتُهُ يَفعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ أَوْ لَأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ»، قَالَ فَأَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَهُوَ يُصَلِّي - زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ - فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيهِ وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ. فَقِيلَ لَهُ: «مَا لَكَ؟» فَقَالَ: «إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ، وَهَوْلًا، وَأَجْنِحَةً»، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا »[6].

2-: عن ابْن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَتَقَعُ فِيهِ، فَيَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَيَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَتَشْتُمُهُ، فَأَخَذَ الْمِغْوَلَ[7] فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِهَا، وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا، فَوَقَعَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا طِفْلٌ فَلَطَّخَتْ مَا هُنَاكَ بِالدَّمِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَجَمَعَ النَّاسَ فَقَالَ: «أَنْشُدُ اللهَ رَجُلًا فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إِلَّا قَامَ»، فَقَامَ الْأَعْمَى يَتَخَطَّى النَّاسَ وَهُوَ يَتَزَلْزَلُ حَتَّى قَعَدَ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا صَاحِبُهَا كَانَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَأَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ، وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً، فَلَمَّا كَانَ الْبَارِحَةَ جَعَلَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَخَذْتُ الْمِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا، وَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا» فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَلَا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ»[8].  وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ إِذَا لَمْ يَكُفَّ لِسَانَهُ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَلَا ذِمَّةَ لَهُ فَيَحِلُّ قَتْلُهُ[9]. وفِيهِ أَنَّ سَابَّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يُقْتَلُ.

3-: بَعَثَ- صلى الله عليه وآله وسلم - بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ - فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ» فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ"[10]. أَيْ يَتَفَرَّقُوا وَيَتَقَطَّعُوا. فكان هلاك كسرى بأنْ سلط الله عليه ابنه شيرويه فقتله.

4-: ذكر الحافظ ابن حجر في كتابه (الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة) أن بعض أمراء المغول تنَصَّر فحضر عنده جماعة من كبار النصارى والمغول فجعل واحد منهم ينتقص النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهناك كلب صيد مربوط فلما أكثر من ذلك وثب عليه الكلب فخمشه فخلصوه منه. وقال بعض من حضر: «هذا بكلامك في محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -». فقال: «كلا، بل هذا الكلب عزيز النفس، رآني أشير بيدي فظن أني أريد أن أضربه»، ثم عاد إلى ما كان فيه فأطال، فوثب الكلب مرة أخرى فقبض على زرْدِمَتِه – بلعومه وحنجرته - فقلعها فمات من حينه، فأسلم بسبب ذلك نحو أربعين ألفًا من المغول[11].


[1] (الأنعام: 112)،

[2] (الفرقان: 31)

[3] صحيح البخاري - كِتَابُ الرِّقَاقِ بَابُ التَّوَاضُعِ

[4] الأحزاب :57

[5] الحجر: 95

[6] صحيح مسلم كتاب صِفَةِ الْقِيَامَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ بَابُ قَوْلِهِ: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 7]

[7] قال بعضهم: المغول هي السكين التي تكون في السوط، ومن رواه معولاً بالعين المهملة فهي هذه الفأس التي تنقر بها الحجارة

[8] (وصححه الألباني) سنن أبي داود كِتَاب الْحُدُودِ بَابُ الْحُكْمِ فِيمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[9] حاشية السندي على سنن النسائي (7/ 109) عون المعبود وحاشية ابن القيم (12/ 11) الإحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم (4/ 399)

[10] صحيح البخاري كِتَابُ العِلْمِ بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي المُنَاوَلَةِ، وَكِتَابِ أَهْلِ العِلْمِ بِالعِلْمِ إِلَى البُلْدَانِ

[11] الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (4/ 153)

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين