الاستعمار وفلسطين.. للشيخ علي الطنطاوي

التقديم للبحث:

هذا عمل أمضيت في التحضير له عامين كاملين ، ثم استغرق مني عدة أشهر من العمل المتفرغ الدؤوب لأنهيه في صورته التي يخرج بها اليوم على الناس.

لقد بدأت أولاً بكتب جدي رحمه الله فأعدت قراءتها كلها وهي نحو أربعين مجلدا وقرأت معها ما لم يُنشَر في الكتب بعد، من مقالات قديمة وكتابات مخطوطة، ومن ذلك كله استخرجت نحو ألفٍ من المقاطع الصغيرة التي سمَّيتُ ك منها فكرة من الأفكار الطنطاوية.

إن كاتباً أقل شأناً من علي الطنطاوي ما كان له أن يُمضي ثلاثة أرباع القرن في الكتابة والخطابة والإذاعة ثم لا يعيد أفكاره ولا يكرر صوره وألفاظه، بل إن تكرار الأفكار أمر مرغوب مطلوب لمن كان همُّه تركيزَ هذه الأفكار في الأذهان أو جعلها أفعالاً في حياة الناس.

ولقد واجهت في عملي بهذه المجموعة الكثيرَ من مثل هذا التكرار، فأبقيت على بعضه -ممّا تنوعت مفردات ألفاظه وتباينت صورُ عرضه- وضحَّيت بالكثير، ولولا ذلك لتضخمت هذه الكتيّبات حتى تضم القَدْرَ الأوفر من كتابات علي الطنطاوي، فهو قليلاً ما كتب للتسلية وتَزْجية الوقت، وقليلاً ما تحدث ليُطرب ويسلّي، أما عمدةُ حديثه وعمودُه وعمادُه على مر السنين فقد كان دعوةً إلى الله والخير والفضيلة، وفي سبيل إصلاح الدين وإصلاح الحياة، كل عناصر الدين وكل عناصر الحياة.

ولا بد أنني سهوت عن بعض <الأفكار> التي كان من حقها أن تضمّها هذه المجموعة، بل لا آمَنُ أن أكون قد فقدت شيئاً منها وأنا أجمعها أولاً، ثم أوزّعها على الكتب ثانياً، وأرتبها في نَسَق ثالثاً، فإنْ يكن شيءٌ من ذلك حصل فإنّ فيما بقي غَناءً عمّا ذهب، ولعلي أعود إليها ببعض التنقيح في الطبعات الآتيات إذا يسّر الله لها القبول والرواج بإذنه.

 

أما العمل الأصعب والأدق فكان توزيع الأفكار على الأجزاء المختلفة التي تكونت هذه المجموعة منها، ثم في ترتيبها في كل كتاب ترتيباً مناسباً. فأنا مصاب بهاجس قسري لا أستطيع مقاومته ولا أملك التحكم فيه، يدفعني إلى ترتيب كل شيء أشتغل فيه ترتيباً يناسبه، فإن لم يتحقق لي ذلك لم أصل إلى الرضا عن الذات ذلك الذي زعم عالم النفس الأميركي أبراهام ماسْلو أنه يستوي على قمة هرم الحاجات البشرية.

 

وهذا أمر لا نهاية له ولا يصل إلى قرار، فالمرء لا يزال كلما نظر إلى عمله قال: لو قدّمت هذا لكان أفضل، ولو أخرت ذلك لكان أجمل، ولو حذفت ذاك لكان أكمل... وهو قول معروف في هذه الصناعة، الكتابة، ما يزال بعضهم ينقله عن بعض، وإن زعم الزاعمون أن القاضي الفاضل هو أول من كتبه في رسالة أرسلها إلى العماد الأصفهاني ذات يوم.

 

تحميل الملف