الإمام النووي رحمه الله زاهد العلماء وعالم الزهاد

العقيدة الإسلامية ليست قوالب جافة يلوكها بعض الجهلة الموتورين، وحقائق الإيمان ليست ألفاظًا خاوية يرددها بعض المتنطعين السطحيين، ويقينيات التوحيد ليست مجرد مصطلحات وعبارات خشبية يقَيَّم من خلالها العلماء الربانيون .

ما كنت أظن أن نشهد عصرًا يقوم به بعض الذين يعيشون في أحضان الغرب وأموالهم ممن ينتسب في ظاهره وملبسه لأهل العلم - والعلم منه بريء - أن يشوّه عقيدة عالم جليل، وعارف رباني زاهد ورع تقي، كرّس حياته لخدمة العلم ونشره، وتفانى في تقرير حقائق الإسلام وعقائده وتعاليمه وأحكامه، والتي رسخت في أعماق روحه وقلبه، وظهرت على جوارحه وتمثلت سلوكًا حقيقيًا وأخلاقًا ربانية، والذي أجمع علماء الأمة ممن عاصروه وترجموا له على إمامته وعلوه شأنه.

رحمك الله أيها الإمام الجليل شيخ الإسلام أبو زكريا يحيى بن شرف النَّوَوِيُّ، زاهِد العُلَماء وعالِم الزُّهَّاد، فقد ظهر من خِلال سِيرته العَطِرة صدْق نيَّة هذا الإمام وإخلاصِه، ومن استِفادة كافَّة العُلَماء - فضلاً عن طلبة العلم - على تعدُّد مشاربهم من مؤلَّفات هذا الإمام العِملاق.

 الإمام النَّوَوِيَّ إمامٌ في علومٍ كثيرة، أعلاها العقيدة والحديثُ الشريف والفقه والتفسير، والعِبادة والزهد والوَرَع، والرِّجال واللغة، وهو صاحِب الكلمات النُّورانيَّة الأخَّاذة والقلم السيَّال؛ فهو إمامُ سنَّة، وقامِع بدعة، فكم من أُلُوفِ الآلاف من المسلمين تعلَّموا السُّنَّة منه عبْر العصور، ومعلومٌ أنَّ نشر السنة معناه: هدم لباطل وإبطال لبدعة، وهو رأسٌ في التألُّهِ والتعبُّد، والأدب الجم مع العُلَماء والمخالِفين، ؛  وإنه لَيَجْدُرُ بنا أن نقول في حقِّه: إنَّه ما جاء بعدَه من عالمٍ ولا متعلِّم إلا وللإمام النَّوَوِيِّ - رحمه الله تعالى - في عنقه منَّة - نحسبه كذلك، ولا نزكِّي على الله أحدًا.

وعندما أراد الحافظ الذهبي رحمه الله أن يترجم لهذا العالم الجليل الإمام النووي قدم ذلك بهذه المقدمة فقال عنه: (الإمامُ القدوة الحافظ، الفقيهُ المجتهد الرباني، شيخُ الإسلام، حسنةُ الأيام، صاحبُ التصانيف النافعة ...

كان يُواجه الملوكَ والظلمةَ بالإنكار عليهم، ويَكتب إليهم، ويُخوِّفهم بالله تعالى).

وصدق الشاعر عندما قال:

وإِذا أرادَ اللّهُ نشرَ فضيلةٍ * طويتْ أتاحَ لها لسانَ حسودِ

لولا اشتعالُ النارِ فيما جاورَتْ * ما كان يعرفُ طِيبُ عَرفِ العُودِ

فمثل ذلك الحاقد الحسود الذي يتجرأ على التشكيك في عقيدة الإمام النووي رحمه الله كانت سبباً في رفعة مقام هذا العالم الرباني، وإعادة تعريف الأمة بمكانته، وبيان الجهود التي بذلها في خدمة هذا الدين، وكثرة الترحم عليه، وبالمقابل فإن هذه الحملة التي يقودها هذا الحقود وأتباعه أظهرت حقيقة الفكر المشوه الذي يحملونه والخواء المنهجي الذي يدعون إليه، والخدمة المجانية التي يقدمونها لأعداء الأمة إن لم تكن مأجورة ومقصودة.