المفتون في القرن الحادي عشر الهجري
64- السيد أسعد البتروني
1093هـ 1682م
السيد أسعد بن عبد الرحمن بن أبي الجود البتروني الحنفي الحلبي.
عالم فقيه، وأديب فاضل، وشاعر مطبوع، لطيف المحاورة، شريف النفس، متواضع بادي البشر والود.
ولد بحلب، وقرأ وتأدّب على علمائها، ثم قصد القسطنطينية طالباً القضاء، وتنقل بين دمشق والقاهرة، ونال أعلى المراتب، وحظي من دنياه كثيراً، وسمت همته وعلا شأنه حتى ولي إفتاء الحنفية عن مفتيها الشيخ محمد بن حسن الكواكبي مدة يسيرة.
ذكر المحبي له بعض القصائد التي تدل على جمال شعره ورقته وأصالته، منها هذه الأبيات التي رفعها إلى شيخه موسى الرامحمداني في قصيدة طويلة:
قد حلّ أمر عجب=شيب بفودي يلعب
نجومه لا تغرب=فأين أين المهرب
أرجو بقاء معه=ما أنا إلا أشعب
أندب أياماً مضت=فيها صفا لي المشرب
في حلب بسادة=قد خدمتهم رتب
من كل سمح ماجد=تخجل منه السحب
إلى أن قال:
موسى الذي لفضله=مُدّ رواقٌ مُذْهَبُ
حلّال كلّ مشكلٍ=وحاتم إذ يهب
وإن جرى محكم=يُخال (قُسّاً) يخطب
وقد حوى معالياً=تنحط عنها الشهب
مرض آخر حياته وكثرت مراجعته للأطباء، حتى مهر بهذه الصناعة، لكنها لم تُجْدِه في دفع الموت، الذي وافاه في القسطنطينية، سنة: ثلاث وتسعين وألف هجرية، ودفن بها [32].
65- محمد بن حسن الكواكبي
1018-1096هـ
1609-1684م
شمس الدين، الشيخ محمد بن حسن بن أحمد بن أبي يحيى الكواكبي الحلبي الحنفي، مفتي حلب ورئيسها.
عالم مفسر محقق، وفقيه أصولي بارع، انتهت إليه السيادة والرياسة في حلب، مع كرم في الأخلاق وبشاشة في الوجه، وصدق في الوعد، وقبول واحترام من عامة الناس وخاصتهم.
ولد بحلب، ونشأ بها، وأخذ عن فحول علمائها كالنجم محمد الحلفاوي، والشيخ جمال الدين البابولي وغيرها، وما زال يترقى في الفضل والعلم حتى تفرّد وترأس، وولي إفتاء حلب، وألّف ودرّس، وكثر طلابه والآخذون عنه، وسلّم له العلماء والفقهاء، وبقيت الفتوى بيده إلى أن أدركته المنية، وإن تخلل ذلك فترة عزل قصيرة [33].
ترك المفتي الشيخ محمد عدداً من المؤلفات تدل على سعة علمه، وطول باعه في الفقه والتفسير والأصول، منها:
1- حاشية على تفسير البيضاوي [34].
2- نظم الوقاية وشرحه؛ فقه [35].
3- نظم المنار وشرحه؛ أصول [36].
4- حاشية على شرح الموقف.
5- عون الرب الوهاب وإرشاد الطلاب (منظومة الكواكبي) [37].
بالإضافة إلى مجموعة من الأبحاث في الفقه والتفسير وغيرها، كما ترك المفتي المترجم له مجموعة أشعار وقطعاً نثرية في غاية اللطافة والجمال.
من شعره قوله مضمّناً بيتي أبي العباس المرسي:
حتّامَ في ليل الهموم زنــ=ــاد فكرك تَقْتَدحْ
قلب تحرَّق بالأسى=ودموع عين تنسفحْ
ارفق بنفسك واعتصم=بحمى المهيمن تنشرحْ
واضرع له إن ضاق عنــ=ك خناق حالك تنسفحْ
ما أمّ ساحة جوده=ذو محنة إلا مُنِحْ
أو رجاءه ذو المعضلا=ت بمغلق إلا فُتِحْ
فدع السوى وانهج على=نهج السويِّ المتضحْ
واسمع مقالة ناصحٍ=إن كنت ممن ينتصحْ
ما تمَّ إلا ما يريد=فدع مرادك واطّرحْ
واترك وساوسك التي=شغلت فؤادك تسترحْ
وكانت وفاته يوم الخميس ثالث ذي القعدة، سنة، 1096هـ ودفن عند جده في جامع أبي يحيى الكواكبي [38] في حي الجلوم[39].
[32] خلاصة الأثر 3/399، وإعلام النبلاء 6/350.
[33] انظر حديثنا عن أخذ منصب الإفتاء منه من قبل السيد أسعد البتروني في الترجمة السابقة.
[34] مخطوطة ذكرها المحبي في خلاصة الأثر، والطباخ في إعلام النبلاء 6/358، والبغدادي في هدية العارفين، 2/298.
[35] طبع في مصر بإشراف الشيخ محمد راغب الطباخ، سنة: 1327هـ.
[36] طبع في مصر بإشراف الشيخ محمد راغب الطباخ، سنة: 1327هـ.
[37] مخطوطة ذكرها المحبي في خلاصة الأثر والطباخ في إعلام النبلاء 6/358، والبغدادي في هدية العارفين، 2/298.
[38] جامع يحيى الكواكبي جامع قديم بحي الجلوم قام بترميمه وتوسعته جد المترجم له الشيخ محمد بن إبراهيم بن يحيى الكواكبي، فنسب إليه ثم دفن المذكور فيه ومن بعده دفن بعض أولاده، كما وسعه المترجم وجدّد فيه.
[39] خلاصة الأثر 3/437، وهدية العارفين، 2/298، وإعلام النبلاء 6/356، وقد ذكر الشيخ يوسف الحسيني في ثبته "كفاية الراوي والسامع وهداية الرائي والسامع" وأثنى عليه، ومعجم المؤلفين، 9/182.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول