الإعلام عمن تولى إفتاء حلب من الأعلام (16)

المفتون في القرن العاشر

47- ابن المرعشي

938هـ 1531م

الشيخ عمر بن محمد بن الشيخ أحمد بن أبي البكر المرعشي[16] الأصل الحلبي الحنفي المشهور بابن المرعشي.

فقيه، كان أحد رؤساء حلب وفضلائها، كان أول شأنه فقيهاً شروطياً [17]، يجلس بمركز العدول، ثم صحب الشيخ بدر السيوفي، وأثرى، وعلا قدره في ظل الدولة العثمانية، فصار يحضر تفاتيش الأوقاف، وأحبّه القاضي زين العابدين بن الفناري، فقربه وأعلا قدره، ثم تصدر للفتوى وأجرى قلمه على صورها - قيل بحكم سلطاني سعى في إخراجه، وقيل لا- وعلى هذا يكون المترجم أول من ولي الإفتاء بحكم سلطاني، بعد دخول سليم الأول حلب سنة: 922هـ.

ثم تعرض للابتلاء فسيق هو وأولاده إلى جزيرة (رودوس) [18] بسبب فتنة قتل(قرا قاضي) [19] إلا أنه خرج من هذه المحنة، وعاد إلى حلب، على ما في يده من المناصب وما هو عليه من الرياسة.

توفي بحلب، سنة: ثمان وثلاثين وتسعمائة للهجرة النبوية الشريفة [20].

48- أحمد بن محمد الأنطاكي

871-953هـ

1466-1546م

الشيخ شهاب الدين أحمد بن الشيخ شمس الدين بن محمد ابن القاضي برهان الدين الأنطاكي [21] ثم الحلبي الحنفي المشهور بابن حمارة.

عالم محدث، وفقيه أصولي، وعالم بالقراءات.

أخذ العلم في مسقط رأسه -أنطاكية- على كبار علمائها، ثم قدم حلب، وصحب البدر السيوفي ولازمه، وتعاطى صنعة الشهادة بدار العدل، ثم حج، وأخذ علم الحديث على محدث مكة الشيخ المحدث عبد العزيز بن نجم الدين المكي، وزار القاهرة، والتقى بالشيخ أبي يحيى ابن زكريا الأنصاري، واستجازه فأجازه، ثم عاد إلى حلب، وتولى التدريس في جامع الصروي[22] ، وفي المدرسة الحلاوية[23]، بالإضافة إلى إمامة وخطابة الجامع الأموي الكبير فيها، ثم ضم إليه إفتاء حلب بحكم سلطاني؛ يتضمن أن لا يكون مفتياً غيره، أخرجه له قاضي القضاة محيي الدين بن قطب الدين الحلبي، لما تحقق فيه من الديانة في الفتوى، وما زال على وظائفه هذه مع الصلاح الزائد، وعدم الخبرة بأساليب أهل الدنيا، إلى أن وافته المنية بحلب، فجر يوم عرفة من سنة: ثلاث وخمسين وتسعمائة للهجرة النبوية الشريفة.

له كتاب (المناسك) [24] بالإضافة إلى الحواشي اللطيفة التي حررها - بخطه الحسن- على هوامش الكتب التي كان يطالعها [25].

المدرسة السعدية (جامع الصروي)

49- إبراهيم بن عبد الرحمن العمادي

880-954هـ

1475-1547م

إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن برهان الدين بن زين الدين العمادي الأصل، الحلبي المولد والدار، الشافعي الشهير بابن العمادي.

فقيه عالم بالفقه وأصوله، والحديث وعلومه، والعربية وفروعها، والتفسير والقراءات، وغيرها.

ولد بحلب بعد الثمانين والثمانمائة، وأخذ العلم عن شيوخها والواردين عليها؛ كخليل الله اليزدي، والبدر السيوفي، وابن الأبار، والكمال ابن الناسخ الطرابلسي، ورحل إلى القاهرة، وأخذ من الشهاب القسطلاني، وأبي زكريا الأنصاري، وحج وأخذ بمكة عن العز بن مهند، وابن كشني، وأصيل الدين الإيجي وغيرهم.

وجدّ المترجم له واجتهد حتى نبغ وتميّز، وفضل في مختلف العلوم والفنون، وأسرع إليه طلاب العلم والعامة، فدرّس وأفتى، وكانت له اليد البيضاء في أمر الاستفتاء، فأجاب على أسئلة المستفتين، ولم يبخل على أحد بالإفتاء، ولا صدّ ولا ردّ مستفتياً، ولم يتقاض من أحد مالاً على الفتوى، وانتهت إليه رياسة الشافعية بحلب إفتاءً وتدريساً في الجامع الأموي الكبير، وفي المدرسة العصرونية.

دمث الأخلاق، دائم الابتسام، حليم، بعيد عن إيذاء من يبدؤه به، وله مزيد اعتقاد بالصوفية.

 

توفي يوم الجمعة من شهر رمضان، سنة: أربع وخمسين وتسعمائة للهجرة النبوية الشريفة، ودفن في مقبرة الصالحين خارج باب المقام [26].

([16]) نسبة إلى مرعش، وهي مدينة كانت من الثغور الشامية، وهي اليوم تابعة لتركية. يُنْظَر: فتوح البلدان، 3/778، ومعجم البلدان، 5/126.

([17]) الفقهاء الشروطيون: هم طلاب علم متواضعون، كانوا يجلسون أمام دار العدل يشهدون على عقود الزواج وغيرها بأجر معلوم، وربما سُمٌّوا بـ (العدول).

([18]) رودوس، هي جزيرة (رودس) اليوم، مشهورة في البحر المتوسط، تقع مقابل الإسكندرية على ليلة منها، وهي اليوم تابعة لليونان. يُنْظَر: فتوح البلدان، 3/727، ومعجم البلدان، 3/9.

([19]) (قر اقاضي): علاء الدين علي بن أحمد الرومي، ولي كتابة الإبل وتفتيش الأوقاف والنظر على الأموال السلطانية بحلب سنة: 934هـ، فبالغ في ظلم الناس وجمع الأموال منهم بطريقة غير شرعية، مما دفع جماهير الشعب البسطاء إلى ضربه في الجامع الأموي بالنعال والحجارة، وكانت فتنة عظيمة ابتلي فيها كثير من العلماء والوجهاء بحلب، فقُتِل من قتل، وسُجِنَ من سجن، ونفي إلى جزيرة (رودس) من نفي، وكان المترجم أحد المنفيين، يُنْظَر: إعلام النبلاء، 3/146-148.

([20]) در الحبب الجزء الأول – القسم الثاني ترجمة رقم 344 ص1027 وإعلام النبلاء 5/454.

[21] نسبة إلى أنطاكية: قصبة العواصم، من الثغور الشامية، بينها وبين حلب يوم وليلة، وهي بلد عظيم ذو سور كبير، وبين أنطاكية والبحر نحو فرسخين، وهي اليوم عاصمة لواء اسكندرون الذي سُلِب من سورية وأصبح تابعاً لتركية إدارياً وسياسياً. يُنْظَر: معجم البلدان، 1/316.

[22] جامع الصروي: أنشأه الحاج ناصر الدين بن محمد الصروي سنة 780هـ ثم جدده ووسعه وجعله مدرسة علي بن سعيد الملطي سنة 920هـ ورتّب المترجم مدرّساً فيها، وهو ما يزال معروفاً تقام في الصلوات في محلة البياضة غير أن المدرسة فيه معطلة. يُنْظَر: نهر الذهب، 2/302. و(التعليم الشرعي ومدارسه في حلب في القرن الرابع عشر) للمؤلف.

[23] يقال بأن (هيلانة) والدة (قسطنطين) هي من قامت ببنائها كنيسة، واستمرت على ذلك إلى أن تسلم نور الدين الزنكي الحكم في حلب، فحولها إلى مسجد عرف (بمسجد السراجين)، وبنى فيه إيواناً عظيماً، وغرفاً للطلاب، وحوّلها إلى مدرسة للمذهب الحنفي، عرفت (بالمدرسة الحلاوية)، لأن نور الدين الزنكي كان يضع أمام بابها جرناً يملؤه بالحلوى والقطايف، فيأكل منه التلاميذ والعابرون، وكان انتهاء عمارتها سنة: 543هـ، كما هو مدون على بابها، فكانت هذه المدرسة إحدى أشهر المدارس في حلب، وكانت تضم عدداً كبيراً من الطلاب، كما كانت مرتّباتها من أعلى المرتبات، ودرس فيها الكثير من علماء وفقهاء حلب أمثال: ابن الشحنة وابن العديم وغيرهم. ينظر كتاب (التعليم الشرعي ومدارسه في حلب في القرن الرابع عشر) للمؤلف.

[24] ذكره الرضي الحنبلي في در الحبب ص12.

[25] در الحبب: الجزء الأول القسم الثاني الترجمة رقم 30 وإعلام النبلاء 5/510.

[26] در الحبب الجزء الأول، القسم الثاني ت رقم 16، وإعلام النبلاء 5/513 كما ترجمه الزين الشماع في تشنيف الأسماع، وعنه نقل الرضي الحنبلي في در الحبب.