الإعلام عمن تولى إفتاء حلب من الأعلام (12)

المفتون في القرن التاسع الهجري 

32- ابن الخرّاط

856هـ 1403م

الشمس، محمد بن سليمان بن عبد الله الحراني، ثم الحلبي الشافعي المعروف بـ (ابن الخرّاط).

فقيه فاضل، وعالم ديّن، ذكيّ، شديد في أحكامه، أصله من الشرق، قدم به أبوه وهو طفل إلى حماة فسكنها، وعمل في أول حياته بصنعة الخراطة، ثم تركها وأقبل على العلم، فأخذ عن علماء حماة، ثم رحل إلى دمشق، وأخذ من علمائها أيضاً، ثم قدم حلب بعد التسعين وسبعمائة للهجرة، فنزل بالمدرسة الصلاحية[19]، وناب في الحكم عن القاضي ناصر الدين ابن خطيب نفرين، ثم تولى تدريس النورية[20]، واستمر يدرس ويفتي ويخطب في الجامع الكبير إلى أن وافته المنية بفالج عرض له، ليلة الأربعاء سابع ربيع الأول، سنة: ست وثمانمائة للهجرة، ودفن خارج باب المقام (مقبرة الصالحين) ([21]).

33- عمر بن إبراهيم ابن العديم

754-811هـ

1353-1408م

عمر بن إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز، بن محمّد بن أحمد بن هبة الله بن أحمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير بن هارون بن موسى بن عيسى بن عبد الله بن أبي جرادة محمّد بن عامر العقيلي القاضي كمال الدين أبو القاسم الحلبي ثم المصري المعروف بابن العديم. أو ابن أبي جرادة.

عالم فقيه، له مشاركة في الفقه والحديث والعربية.

ولد بحلب، سنة أربع وخمسين وسبعمئة، وتفقه على علمائها، ورحل إلى القاهرة غير مرة للاشتغال بالعلم وغيره، وهو من بيت علم ورئاسة وقضاء، ولي القضاء بحلب ودرّس وأفتى، وكان ذا وجاهة لدى الملوك، وكان ماهراً في الحكم، ذكياً كثير التعصب لمن يقصده، خبيراً بالسعي في أموره، أخذ عليه بعض من أرّخ له [22] شدة دهائه ومكره، وحرصه على الدنيا وجمع المال، إلا أن بعض المؤرخين نفى عنه ذلك، وقال: "كلام المقريزي لا يسمع في ابن العديم لوجوه، منها: تعصبه لابن الطرابلسي".[23]

على أن بعض شعراء عصره [24] هجاه بهذين البيتين:

ابن العديم الذي في عينه عور=أليس إنّ عليه ستر عورته

وليس محمودة في الناس سيرته=لكن نزول القضا أعمى بصيرته

توفي المترجم له يوم السبت ثالث عشر جمادى الآخرة، سنة: إحدى عشر وثمانمائة للهجرة النبوية الشريفة [25].

34- محب الدين ابن الشحنة

749-815 هـ

1348-1412م

محب الدين، أبو الوليد، محمد بن محمد بن محمد بن محمود بن غازي بن أيوب بن محمود بن الختلو الحلبي الحنفي المعروف بـ (ابن الشحنة).

ولد بحلب، ونشأ بها، وأخذ عن شيوخها، وتفقه بهم، ونبغ حتى أن شيخيه ابن منصور والإلفي أذنا له في الإفتاء والتدريس وهو شاب لما يلتحِ، كما أخذ على علماء دمشق والقاهرة، واشتغل بالعلم، حتى اشتهر وعلا صيته، وولي قضاء حلب ودمشق والقاهرة ثم قضاء الشام كله.

وكان إماماً عالماً وفاضلاً ذكياً، وله نظم حسن[26]، درس وأفتى في حلب ودمشق والقاهرة ووصل إلى درجة الاجتهاد.

ترجمه ابن حجر وقال: "ولما فتح اللنك [27] حلب حضر عنده طائفة من العلماء، فسألهم عن القتلى من الطائفتين من هو منهم الشهيد؟ فقال: -محب الدين- قال رسول الله r: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"([28]) فاستحسن كلامه وأحسن إليه"

وله مؤلفات منها:

1- الأبحاث فيما يحل به المطلقة بالثلاث [29]، واسمه في هدية العارفين (أوضح الدليل والأبحاث بما يحل به المطلقة بالثلاث).

2- السيرة النبوية [30].

3- روض المناظر في علم الأوائل والأواخر وزيله اقتطاف الأزهار [31].

4- الرحل القسرية بالديار المصرية [32].

5- وقد جمع حفيده لسان الدين أحمد ابن الشحنه جانباً من الفتاوى التي كانت ترفع أسئلتها إليه في كتاب [33].

6- مختصر المختصر في أخبار البشر، لأبي الفداء، في التاريخ [34].

توفي يوم الجمعة ثاني ربيع الآخر سنة: 815هـ، ودفن خارج باب المقام [35].

35- عبد الرحمن ابن الشحنة

753-830هـ

1352-1426م

فتح الدين، أبو البشرى، عبد الرحمن بن محمد -تقدم نسبه- المعروف بــ (ابن الشحنة) وهو أخو المحب المتقدم.

فقيه عالم، ولد بحلب ونشأ فيها، وسمع من أخيه المحب، ومن الظهير ابن العجمي، والكمال ابن حبيب، وابن الصابوني، وغيرهم، ونبغ وناب عن أخيه في قضاء الحنفية بحلب، وولي إفتاء دار العدل، ثم تحول إلى المذهب المالكي، فولي قضاء المالكية.

له نظم قليل، وكان إنساناً حسناً عنده حشمة ومروءة.

توفي بحلب، ليلة السبت ثامن محرم سنة: ثلاثين وثمانمائة للهجرة النبوية الشريفة، ودفن خارج باب المقام (مقبرة الصالحين) [36].

 

([19]) المدرسة الصلاحية: كانت دار للامير صلاح الدين يوسف بن الأسعد الدوادار، ثم وقفها المذكور مدرسة للمذاهب الأربعة، سنة 737هـ، وهي مدرسة صغيرة، كانت قد أشرفت على الخراب فجددها السيد بهاء الدين بن الشيخ تقي الدين المدرس، سنة 1260هـ، فأضحت تعرف باسمه (البهائية) وتقع إلى الشمال من خان خير بك وجنوبي خان الوزير، وقد استولت عليها الآن وزارة العدل، وجعلتها مركزاً للقاء الأمهات المطلقات بأطفالهن. وما أن أخلتها وزارة العدل، حتى سارع بعض المثقفين في مدينة حلب، يطالب بها مجلس المدينة ـ وكأنّ أوقاف المسلمين لا راعي لها ـ لتسيطر عليها مديرية الثقافة، وتجعلها متحفاً للشاعر المتنبي، بحجة أنها كانت داراً له في يوم من الأيام، مما جعلني ألحّ على مدراء الأوقاف، الذين تولوا هذا المنصب بعد عام: 2006 م، للعمل على إعادتها إلى مديرية الأوقاف، للإشراف عليها، وفتح مسجدها للمصلين، عندما كنت مفتشاً في دائرة الأوقاف الإسلامية بحلب، بل إنّ بعض هؤلاء (المشعوذين) كان يأتي بالسياح والزوار ليقول لهم: هذه دار المتنبي، ويشير إلى غرفة الشيخ العليا ويقول للزوار: هنا كان المتنبي يجلس ويكتب أشعاره، وكادت المدرسة تسرق مرة ثانية، ويستجيب مجلس المحافظة المتواطئ مع هؤلاء لطلبهم وإعطائهم المدرسة ليجعلوها متحفا للمتنبي، مما دعاني لأعداد دراسة تاريخية مفصلة عن هذه المدرسة وتقديمها إلى مدير الأوقاف ليقدمها إلى محافظ حلب وبعض أعضاء مجلس المدينة ليثبت لهم خطأ اعتقادهم هذا، وبعد أخذ ورد واجتماعات ودراسات، وبإلحاح مني ومتابعة من مدير الأوقاف، تمت إعادة المدرسة إلى مديرية الأوقاف بحلب أصحابها الحقيقين، عام: 2010 م، ذلك بفضل الله سبحانه وتعالى، وأضحت مقراً لإدارة معاهد تعليم القرآن الكريم وحفظه في حلب، وقد قمت بفضل الله بتعين إمام ومؤذن لها، بعد تسلم مفاتيحها مباشرة، وظهيرة ذلك اليوم، وقف المؤذن على بابها يرفع كلمة: الله أكبر، الله أكبر، وصلينا الظهر فيها جماعة والحمد لله وانظر كتاب التعليم الشرعي ومدارسه في حلب في القرن الرابع عشر (المؤلف).

[20] من أشهر المدارس التي أنشأت في العهد الزنكي المدرسة الِنفَّريَّة النورية، أنشأها نور الدين الشهيد محمود الزنكي مدرسة للشافعية، سنة:544هـ، كان موقع المدرسة النفرية النورية في محلة السفاحية إلى الجنوب من المدرسة الخسروية، وهي الآن داثرة لم يبق لها أثر. وانظر كتاب التعليم الشرعي ومدارسه في حلب في القرن الرابع عشر (للمؤلف)

([21]) الضوء اللامع 7/255، كما ترجم له ابن حجر في إنبائه 2/284، وإعلام النبلاء 5/140.

[22] المقريزي في عقوده 2/249، وابن حجر في إنبائه 2/411.

[23] في المنهل الصافي 8/262.

[24] عثمان بن محمد الشغري الحنفي الحابي، أحد شعراء حلب في عصره.

[25] الضوء اللامع 6/65 وذكر أن وفاته كانت سنة 815، وإنباء الغمر، 2/411، ودرر العقود الفريدة للمقريزي 2/249 وإعلام النبلاء، 5/155، كما ترجم له ابن تغري بردى في المنهل الصافي 8/262، وذكر أن مولده كان في سنة:760.

[26] وقد رأيت بعض منظوماته مطبوعاً ومشروحاً منها: (مائة المعاني والبيان) وقد شرحها محمد بن عبد القادر الأهدل في كتابه (دفع المحنة عن منظومة ابن الشحنة في علم البلاغة) نشر دار النصيحة في المدينة المنورة

[27] تيمورلنك: قائد تتري ينتهي نسبه إلى جنكيز خان ملك التتر، دخل مدينة حلب وأعمل فيها فساداً سنة (802هـ)، مات سنة (807هـ) بمدينة أنزار، ودفن بسمرقند. يُنْظر: إعلام النبلاء، 2/395-408.

[28] الضوء اللامع 1/3 نقلاً عن ابن حجر في إنبائه وفي الدرر الكامنة، والحديث رواه البخاري ومسلم.

[29] ذكره الطباخ في إعلامه 5/161 نقلاً عن عقود المقريزي.

[30] ذكره الطباخ في إعلامه 5/161 نقلاً عن عقود المقريزي. ورأيتها على بعض صفحات الشبكة الاكترونية واولها قوله: باسم الإله سيرةَ الرسولِ * بدأتُ، والمولدُ عامَ الفيلِ، وهي في اثنين وستين بيتاً

[31] ذكره صاحب كشف الظنون في الجزء الأول ص 580 وأورد الطباخ وصفاً غنياً له في مقدمة كتابه إعلام النبلاء الجزء الأول ص69.

[32] ذكره الطباخ في أعلامه 5/161.

[33] ذكره الطباخ في إعلامه، ولا أدري ماذا حل به.

[34] ذكره البغدادي في هدية العارفين، 2/180.

[35] الضوء اللامع، 10/3، وإنباء الغمر، 2/535، وكشف الظنون، 1/580، وهدية العارفين، 2/180، وإعلام النبلاء، 5/158.

[36] الضوء اللامع 4/150 والدر المنتخب، وإعلام النبلاء 5/178، وإنباء الغمر 3/15.