الأستاذ الكلونيل محمد الخامس بركاش‎

 

 

تنكست أعلام مدينة هرناتشوس الإسبانية-الأندلسية، التي تنحدر منها جل العائلات الأندلسية بمدينة الرباط، وأعلنت الحداد، بعد نبأ وفاة أحد أعمدة إحياء الذاكرة الأندلسية في المغرب، وسليل الموريسكيين المهجرين من الأندلس بعد الطرد النهائي سنة 1609م، ابن الرباط، وسليل زعمائها وحكامها ودبلوماسييها؛ الكولونيل، والمؤلف والمفكر السيد محمد الخامس بركاش رحمه الله تعالى...

 

فقد فجعت جمعية ذاكرة الأندلسيين المغاربة، كما القضية الأندلسية برمتها، كما مدينة الرباط، والمغرب، بوفاة الكولونيل السيد محمد الخامس بركاش، صبيحة أول البارحة الثلاثاء 12 غشت 2014، وقد شيع جثمانه إلى مدفن أسرته الكريمة بمقبرة الشهداء بالعلو، من مدينة الرباط، بعد عصر يومه الثلاثاء، في جنازة مهيبة، حضرها أعيان من مختلف مؤسسات الدولة وطبقات المجتمع الرباطي، وممثلين عن الجيش المغربي الذي كان الفقيد من ضمن الدفعة الأولى لخريجيه بعد الاستقلال..

 

عرف الفقيد السيد محمد بركاش، إضافة إلى مهامه الإدارية السامية التي تقلدها، بكونه أحد أعيان الأسر المغربية الرباطية، الذين كان لهم دور رائد في المجتمع المدني، والحفاظ على هويته، وإعانة المحتاجين...

 

كما عرف بكونه رجلا مثقفا، ومؤلفا، ترك مجموعة من المؤلفات والمذكرات القيمة التي دونها باللغة الفرنسية، والتي من أبرزها كتابه الكبير حول أسرته: عائلة بركاش الشهيرة عبر حقب التاريخ المغربي، وجذورها، ومسارها، وأهم أعمالها وأعيانها، وشجرتها، ومن ثمة الإشراف على تاريخ الطرد المتعسف للمسلمين الأندلسيين، والذي بلغ أوجه سنة 1609م، حيث كانت أسرته إحدى الأسر المهاجرة إلى المغرب حينه، وقد عنون الكتاب ب« Une famille au cœur de l’histoire »: "عائلة من قلب التاريخ".

 

ويعتبر هذا الكتاب - إضافة لتعريفه بعائلة بركاش - أحد أهم المصادر المغربية في التعريف بالقضية الموريسكية، وربط الشتات الأندلسي بالداخل الأندلسي/ إسبانيا، ولذلك فقد لقي إقبالا كبيرا ليس على مستوى المغرب فحسب، بل حتى على المستويين الفرنسي والإسباني، ما حظى بالمؤلف أن نال عدة جوائز دولية، وقد تسبب إسهامه في حفظ الأنساب، وتواريخ العوائل المغربية، والرباطية بالخصوص، عن طريق تقلده رئاسة الجمعية المغربية للبحث في الأنساب، التي كان أحد مؤسسيها، أن عين عضوا في الأكاديمية الدولية للأنساب في فرنسا...

 

كما يعتبر الكولونيل محمد الخامس بركاش، رحمه الله تعالى، أحد مؤسسي جمعية "ذاكرة الأندلسيين المغاربة" التي تعنى بإحياء الذاكرة الأندلسية في المغرب، وتفعيل الاعتراف الدستوري بالعنصر الأندلسي كمكون للمجتمع المغربي، وقد كان الفقيد عضوا فاعلا في المجلس الإداري للجمعية، لا يكاد يتخلف عن جميع اجتماعاتها ونشاطاتها...

 

عرف الفقيد - رحمه الله تعالى - بدماثة أخلاقه، وسموها، وتواضعه الجم، والروح الدعابية، والثقافة الواسعة، وكرم المائدة، والتشبث بهويته الإسلامية، ولكن أهم صفة لمستها فيه، وكانت بارزة بروزا قوبا قليل المثال؛ هي: شدة محبته للنبي صلى الله عليه وسلم، وتعلقه واحترامه لآل البيت الكرام، وهي صفة صارت قليلة جدا في عصرنا، خاصة بالقوة التي تمثلت في فقيدنا الكريم...

 

وقد أقامت "جمعية ذاكرة الأندلسيين المغاربة" بالتعاون مع مجلس مدينة الرباط، ندوة علمية تكريما للفقيد، تحت عنوان: "إضاءات في الهوية الأندلسية"، وذلك بتاريخ الخميس 26 يونية 2014، حضرها جمهور كبير من أسرة المحتفى به، ومحبيه، وأصدقائه، من مختلف طبقات المجتمع.

 

إن فقد الكولونيل محمد الخامس بركاش ليعتبر خسارة للمغرب بعامة، وللثقافة، وللقضية الأندلسية التي فقدت فيه مؤرخها، وباعثها، وابنها البار الذي ما فتيء يبذل صميم الجهد من أجل الدفاع عن قضية الأندلسيين ثقافة وهوية، وحقوقا...فرحمه الله تعالى رحمة واسعة، وتجاوز عنه، وحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، وإنا لله وإنا إليه راجعون...