إلى أحفاد الفاتح العظيم لينظر كل صادق من أبناء أمتنا موضع قدميه

ليس تدخلا في شأن داخلي لشعب أقام دولته الديمقراطية عبر معاناة يومية طويلة دامت على مدى قرن من الزمان ..

وليس ترددا في فرض المحاسبة عبر قضاء حر نزيه على أي فاسد أو مساعد على الفساد أو مسهلا له مهما كان موقعه أو انتماؤه ..

ولكن ما يجري اليوم على الأرض التركية ليس شأنا تركيا داخليا كما تعودوا القول . والمعركة التي افتتحتها قوى الشر في المنطقة لتستثمرها على مستويات داخلية وخارجية لا يجوز أن تغيب غاياتها وآفاقها عن قادة مسلمين مؤمنين وسياسيين يفترض أنهم يمتلكون القدرة على قراءة الواقع والتعامل مع معطياته واستشراف آفاقه .. 

في كل دول العالم يحدث أخطبوط الفساد اختراقات . وفي كل هذه الدول تمتد يد القضاء العادل لتلقي بالحكم الفصل في بيان المفسد من المصلح والحق من الباطل في هدوء وسكينة وبعيدا عن أي توظيف سياسي . التوظيف السياسي للأمر المطروح أمام القضاء هو بحد ذاته نوع من أنواع الفساد الذي يجب أن تتصدى له الشعوب بكل حزم ...

إن تكشف الدور الإيراني في محاولة الاختراق الأخلاقي للمجتمع التركي لا يخفف أبدا من جريرة المرتكبين ، إذا أثبت القضاء ارتكابهم ، ولكنه سيضاعفها ؛ وهو في الوقت نفسه سيضع كل قارئ للسياسة أو متعامل معها أمام معطى إضافي لا يجوز له أن يتغافل عنه أو أن يتجاهله .

إن المعركة التي ينفخ الشيطان ( الإيراني - الأسدي ) في ضرامها لم تعد تجاذبا بين قوى سياسية تركية يمتلك كل طرف من الأطراف على مستوى المجتمع التركي مبرراته ، بل لقد اتضحت أنها جزء من معركة الأمة الكبرى ، جزء من المعركة التاريخية التي خاضها يوما السلاطين  العثمانيون والتي لا تزال تداعياتها تستعر حتى اليوم .

إن أفق هذه المعركة التي يخوضها اليوم الصفوي والأسدي ضد وجود الأمة كما صرح بها حسن نصر الله وضد عقيدتها وحضارتها وتاريخها ومستقبلها وحرية أبنائها يفرض على أحفاد الفاتح العظيم أن تكون لهم قراءتهم المستقلة والمتميزة ، وأن يكون كل فرد منهم قادرا على أن يحدد بجلاء وبوضوح موضع قدميه ...

إن ( المعركة -  المؤامرة ) المفتوحة اليوم على الأمة التركية والمجتمع التركي هي جزء من (المعركة - المؤامرة ) التي تدار على هذه الأمة أجمع كما أعلن مدبروها مرارا : من بحر قزوين إلى خليج العرب . من كابل وقندهار وغرزوني والشيشان إلى أنقرة واسطنبول وبغداد ودمشق وبيروت والبحرين وطمب الكبرى والصغرى إلى صعدة وصنعاء ..

وإنها لمعركة تثير قلق كل مسلم غيور على دينه وعقيدته وقومه وحاضرهم ومستقبلهم . ..

إن أي محاولة لتوظيف التجاذبات الجانبية ، أو الصراعات الفرعية الجانبية في سياق هذا الصراع المحوري بين الحق والباطل والخير والشر لهو أمر يتسامى كل المسلمين العقلاء عن الوقوع في حباله ...

إننا في هذا المقام إذ نعلن عن قلقنا البالغ على مستقبل التجربة الديمقراطية التركية ، وعلى المستقبل الجيوسياسي للمنطقة بأسرها ، وللأمة الحضارة والثقافة على كل صعيد ؛ ندعو كل الأحرار على الأرض التركية أن تكون لهم قراءتهم الاستشرافية الحقيقية لطبيعة ما يدور حولهم ..

لقد ظل الإمام بديع الزمان النورسي صاحب الخطبة الشامية والمثنوي العربي إماما هاديا بأسلوبه ونهجه ومدرسته على مدى قرن من الزمان . وإن الوفاء المتبادل في مثل الموطن الذي تعيشه تركية والمنطقة اليوم هو أبسط ما يقتضيه المقام وما دعا ويدعو إليه الشيخ الذي ظل يتحرق على ما حل بأمة الإسلام من هزيمة وهوان  ..

ولقد كان المرحوم الأستاذ نجم الدين أربكان المعلم الأول في مدرسة الإسلام الحركي في تركية الحديثة ، وكان له إشعاعه غير المحدود على سائر الحركات الإسلامية في العالم ..

إن المعرفة الحقة تصنع المواقف الصادقة ، وإن قوما لم تنفعهم معرفتهم ولم يستفيدوا من علمهم شملهم ربنا في عموم المغضوب عليهم .

إن حساسية الموقف الناشب عن المؤامرة ( البابكية – الأسدية ) في تركية اليوم ، في سياقاتها الدولية والإقليمية تتطلب من قادة الأمة مبادرات صادقة لوضع ما يجري على الأرض التركية في نصابه .

إن المأمول من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، ومن رابطة العلماء السوريين دورا حقيقيا يتجاوز النداءات والبيانات المنتظرة إلى حركة وفود تسعى إلى تدارك ما يمكن تداركه لرأب الصدع ورتق الفتق ..

(( لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ..))

(( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ))

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين