إسهام المدرسة المالكية في الفكر التربوي الإسلامي (7)

العقد الفريد:

وهو لأحمد بن محمد بن عبد ربه، شاعر الأندلس، المتوفى سنة 382هـ. [محمد بن سحنون: كتاب آداب المعلمين، تحقيق محمود عبد المولي، الجزائر، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، 1969، ص 61]

ويعد العقد من المصادر التي يَرجع إليها الباحثون في تاريخ الإسلام السياسي والاجتماعي والثقافي.

وإذا كان العرب قد أطلقوا على قصائدهم الطويلة الخالدة من تراث العصر الجاهلي اسم المعلَّقات؛ لأنَّها جديرة بأن تعلَّق بالقلوب لجودتها، أو لأنها كانت تعلق بأستار الكعبة، فإن ابن عبد ربه المغربي الأندلسي القرطبي حينما فتح عينيه على أدب المشرق: شعره ونثره، راح يجمع أصدافه، ولآلئه ودرره وجواهره ويصوغها عقداً فريداً تتيه به الثقافة العربية الإسلاميَّة. [عبد الأمير شمس الدين، مرجع سابق، ص 44].

وصحيح أنَّ الكتاب ليس في التربية، ولكن إذا تذكرنا أن الشعر هو ديوان العرب، وأن الشعر هو جوهر الأدب العربي، أدركنا أنه أحد المصادر الأساسية للكشف عن أخلاقيات العرب والمسلمين وآرائهم فيها، هو تلك الكتب الخاصة بالأدب.

وإذا كان النقص الذي يمكن أن يواجهنا هنا هو أن ابن عبد ربه يقوم بدور (الراوي) بصفة أساسيَّة، لكن ربما يكمن خلف عمليَّة الاختيار والانتقاء والتصنيف لمحات من نظرات تربوية.

والقارئ الذي يسعى إلى التماس قيم تربوية في كتاب العقد الفريد، فإنه يمكنه القول أن ابن عبد ربه يجمع ما بين معارف فلسفية كلية، ينتظمها منهج تربوي عام، ومعارف علميَّة جزئيَّة تقف عند حدِّ الاستقراء أو القياس، ويستدلُّ عليها باليقين العلمي المستند إلى القرآن الكريم أولاً، ثم إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم التراث الإسلامي الفكري بمعناه الشامل. [على إدريس: عبد الله بن أبي زيد القيرواني، في (مكتب التربية العربي لدول الخليج: من أعلام التربية العربية الإسلاميَّة)، 1988، م2، ص 129].

وقد تهيَّأ لابن عبد ربه أن يمارسَ دوراً تربويّاً مَلحوظاً؛ لأنَّه مارس مهنة المعلم والمؤدب في مرحلة من مراحل حياته، فقد كان مربيّاً ومؤدباً للخليفة الناصر بالأندلس.

ويؤكد محلِّلون أنَّ كتاب العقد إنما صُنِّف من أجل الخليفة الناصر، وكذلك أولاده بعد ذلك، فهو إذاً صورة من صور التربية الخاصَّة، وهو الأمر الذي اختلف بالنسبة للقابسي.

والعقد الفريد أقرب ما يكون إلى أن يكون سلسلة محاضرات في السياسة والعلم والأدب، وبحكم طبيعته الخاصة وغرضه المحدد، أراد منه ابن عبد ربه أن يرسم للخليفة عدداً من القواعد والقيم الواجب اتباعها في رعاية شؤون الرعيَّة، وأن يجعل ذلك من بين دروس تأديبه.

ولعل ما يعزز محتواه التربوي أن (محمد إبراهيم سليم) قد جمع معظم ما يتصل بالمسائل التربويَّة اتصالاً مباشراً في موضوعات العقد ونشره واضعاً عناوين من عنده، ومن هنا نجد موضوعات مثل: أدب الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم - أدب النبي لأمته - أدب الحكماء والعلماء، وتضمن القسم الرابع (فضيلة العلم - في فضيلة الأدب وحب الولد - اتخاذ الإخوان وما يجب لهم - الرفق والأناة - صفة الحلم - في التواضع - في الحياء - السؤدد - العقل والهوي - في التجارب والتأدب بالزمان...). وفي أحد أقسامه جمع عدداً من مواعظ ووصايا بعض الأدباء لأبنائهم، مثل لقمان، وأكثم بن صيفي، وخالد بن صفوان، وعمر بن الخطاب، ووصية أعرابي لابنه، وعلى بن الحسين، وعلى بن أبي طالب لابنه الحسن، وبعض الحكماء.

الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين:

وهي للفقيه المربي المغربي المالكي، أبي الحسن القابسي، المتوفى عام 403هـ

وقد اقتصرت الرسالة على ناحية أساسية وهي ما كان يعترض شؤون العلم والتعليم ويعيق مسيرته، ويوجد تردداً في عصره وتحفظاً في الإقبال سواء على التعليم أو طلب العلم، فانبرى ليحدِّد العلاقة الشرعيَّة بين المعلم والمتعلم: ما يجوز له وما لا يجوز، وما يحق له حلالاً وما لا يحق، ومتى يجب أن يتقاضى، وكم؟ وممن؟.. الخ، وكل ذلك كانت قضايا مطروحة في عصره. 

لقد بدأت إرهاصاتها على يد ابن سحنون، ثم تزايدت في أيام القابسي فتناولها هذا بفكر الفقيه المالكي المتفهم، وقدَّم لها من هذا المنطلق ما اجتهد من حلول شرعيَّة، بما تيَّسر له من الأحاديث النبوية والسيرة وما درج عليه السلف. وكان إذا تعسَّر عليه أمر، لجأ إلى القياس، وأحياناً إلى الاجتهاد مُلتزماً بمنهج الإمام مالك والأصول المأخوذة عنه. [لم تتح لنا فرصة الاطلاع على نص الرسالة، وكان اعتمادنا على ما نشره من مقتطفات منها على إدريس في المرجع السابق]

ووصف القابسي بأنه: (كان عالماً عاملاً، جمع العلم والعبادة، والورع والزهد والإشفاق والخشية، ورقَّة القلب، ونزاهة النفس ومحبَّة الفقراء، حافظاً لكتاب الله سبحانه ومَعَانيه وأحكامه، عالماً بعلوم السنة والفقه واختلاف الناس، سَلَّم له أهل عصره ونظراؤه في العلم والدين والفضل، كثير الصيام والتهجُّد بالليل والناس نيام مع كثرة التلاوة، وكانت فيه خصال لم تكمل إلا فيه: منها القناعة، والرفق بأهل الذنوب، وكتمان المصائب والشدائد، والصبر على الأذى، وخدمة الإخوان، والتواضع لهم، والإنفاق عليهم، وصلتهم بما عنده). [على إدريس: عبد الله بن أبي زيد القيرواني، في (مكتب التربية العربي لدول الخليج: من أعلام التربية العربية الإسلاميَّة)، 1988، م2، ص 132]

ولعمري لو أنَّ أحدنا أغمض عينيه ليحلم حلم يقظة بما يتمنَّاه في المعلم المثالي، لما وجد أكثر من هذه المواصفات، فهل كان الواصف يصف واقعاً لعالم أم كان يصف ما ينبغي أن يكون؟!

ويرجع الفضل إلى الدكتور أحمد فؤاد الأهواني في الكشف عن هذه الرسالة، حيث كان تحقيقها وتحليلها هو موضوع رسالته للدكتوراه التي حصل عليها من كلية الآداب بجامعة القاهرة في أوائل الأربعينات من القرن العشرين بإشراف الشيخ مصطفى عبد الرازق، أستاذ الفلسفة الإسلاميَّة في ذلك الوقت، وشيخ الأزهر فيما بعد.

وبمقارنة الموضوعات التي تناولتها رسالة القابسي، بموضوعات رسالة ابن سحنون نلمس أن ما نقله القابسي عنه يكاد يكون بلفظه في بعض المواضع، وباختلاف يسير في مواضع أخرى، كحذف السند عن رأي فقيه، أو تغيير في العبارة دون إخلال بالمعنى.

لكن القابسي لم يكتفِ بما أخذه عن كتاب (آداب المعلمين)، بل نقل عن الفقهاء الذين أخذ عنهم سحنون وابنه، كابن القاسم وابن وهب وغيرهما. [لم تتح لنا فرصة الاطلاع على نص الرسالة، وكان اعتمادنا على ما نشره من مقتطفات منها على إدريس في المرجع السابق].

فإذا كان لابن سحنون فضل الصدارة في تحرير كتاب خاص في تعليم الصبيان فللقابسي مزيَّة التوسع في هذا الموضوع، والإفاضة في أبوابه المختلفة، والترتيب الذي يدلُّ على استقرار فكرة التعليم في الذهن والعمل على بيان السبل المختلفة المؤدية إلى تحقيق الغاية المنشودة منه، فالقابسي يسجِّل في كتابه أحوال تعليم الصبيان في القرن الرابع، وابن سحنون يدوِّن هذه الأحوال في القرن الثالث.

ولعلَّ الفكرة التي طرحها القابسي وعُدَّ فيها غير مسبوق، فضلاً عن كونه سابقاً لعدَّة عصور تلت عصره، هي طرحه لإلزامية التعليم بالمنهج نفسه: منهج الفقهاء، ذلك أن معرفة العبادات واجبة بنص القرآن، ومعرفة القرآن واجبة أيضاً لضرورتها في الصلاة، وأن الوالد مكلف تعليم ابنه القرآن والصلاة لأن حكم الولد في الدين حكم أبيه، فإذا لم يتيسر للوالد أن يعلم أبناءه بنفسه فعليه أن يرسلهم إلى الكتاب لتلقي العلم بالأجر، فإذا لم يكن الوالد قادراً على نفقة التعليم فأقرباؤه مكلفون بذلك، فإذا عجز أهله عن نفقة التعليم فالمحسنون مرغبون في ذلك، أو معلم الكُتَّاب يعلم الفقير احتساباً أو من بيت المال. [على إدريس: عبد الله بن أبي زيد القيرواني، في (مكتب التربية العربي لدول الخليج: من أعلام التربية العربية الإسلاميَّة)، 1988، م2، ص 132].

فكرة أخرى تعدُّ دعَّامة لديمقراطية التعليم، وهي تعليم الإناث، فالإسلام حث على تعليمهنَّ، لكن واقع المسلمين في العهد الأول لم يتحَ إلا لقليلات أن يتعلمن، فجاء القابسي ليؤكد أنَّ هذا حق لهنَّ لابد أن يحصلن عليه، كل ما هنالك أنَّه رفض أن يختلطن بالصبيان في التعليم.

وعلى الرغم من تسوية الإسلام بين جميع أفراد الأمَّة في التعليم، إلا أنَّ المجتمع الإسلامي كان قد بدأ يعرف صورة من صور الأرستقراطية في التعليم بانزواء أبناء الفئات الحاكمة وكبار القادة داخل القصور يتعلَّمون تعليماً خاصّاً على أيدي (مؤدبين) وقد أشار الجاحظ إلى هذا بأنَّ المعلمين ينقسمون قسمين، أحدهما يعلم أبناء الملوك والأمراء، والآخر يعلم أبناء السوقة، ولم يكن هذا ليعجب القابسي، فقد خاطب الجمهور وفكر في مصلحته، ونظر في فائدة أبنائه، وأهمل الكلام على الأمراء والأشراف، فلا نجد إشارة إلى هؤلاء المؤدبين الذين يصحبون أولاد الملوك لتعليمهم وتأدبيهم [لم تتح لنا فرصة الاطلاع على نص الرسالة، وكان اعتمادنا على ما نشره من مقتطفات منها على إدريس في المرجع السابق].

لقد أراد القابسي في القرن الرابع أن يكون وفيّاً للسلف الصالح، مُتَّبعاً لآثارهم، مُقتفياً خطواتهم ما استطاعَ إلى ذلك سبيلاً، فهو يُريد أن يعلم أبناء المسلمين القرآن والكتابة لمعرفة الدين، وإذا كان قد اضطرَّ إلى التعديل من طريقة السلف، فهو تعديل يتلاءم مع أحوال المجتمع المتغيرة، ولهذا أوصى بأجر المعلم، وبتعليم النحو والعربية والشعر . [على إدريس: عبد الله بن أبي زيد القيرواني، في (مكتب التربية العربي لدول الخليج: من أعلام التربية العربية الإسلاميَّة)، 1988، م2، ص 137].

جامع بيان العلم وفضله:

لمؤلفه شيخ الإسلام، حافظ المغرب، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، ولد في قرطبة سنة 368، ومات سنة 463هـ(72)، ووصف بأنه ليس في المغرب أحفظ منه مع الثقة والدين، والتبحُّر في الفقه والعربيَّة والأخبار، وفيها (قرطبة) طلب الفقه وتفقَّه، ولزم أبا عمر أحمد بن عبد الملك الإشبيلي، وكتب بين يديه، ولزم أبا الوليد بن الفرضي وعنه أخذ كثيراً من علم الأدب والحديث. [محمد إبراهيم سليم: تأديب الناشئين بأدب الدنيا والدين، لأحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي، القاهرة، مكتبة القرآن، 1986، ص 11].

وكان ابن عبد البر يتمتَّع باحترام وتقدير أمراء الطوائف، حتى من عرف منهم بالقسوة والفظاظة، وربما كان سبب ذلك حياده إزاء الخلافات السياسيَّة من جهة، ومكانته العلميَّة من جهة أخرى، وله مُؤلفات كثيرة في الحديث والفقه والأدب والأنساب، أشاد بها بعضُ العلماء ومنهم ابن حزم. وقد كان، بالإضافة إلى ذلك، معلماً له كثير من الطلاب الذين يتلقَّون عنه هذه العلوم وبخاصَّة علم الحديث، ولعلَّ اهتمامه بالحديث وتركيزه عليه راجع إلى تأثره بمن تتلمذ عليهم من كبار علماء الحديث، وقد تتلمذ عليه بدوره كثيرون كان أبرزهم في الحديث والأنساب ابن حزم. [محمد إبراهيم سليم: تأديب الناشئين بأدب الدنيا والدين، لأحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي، القاهرة، مكتبة القرآن، 1986، ص 11].

وكثيراً ما يجد القارئ أن ابن عبد البر كان يستغني بما يورده من النصوص المختلفة عن أن يقدم رأيه بأسلوبه. وهو يقدم كثيراً من هذه الأحاديث في رواياتها المختلفة بدون ترجيح أو تحليل لبعضها، وهذا ظاهر عندما نقرأ موضوعاً مثل (العقاب أو التأديب)، أو (فضل العلم على العبادة). وفي الجزء الثاني من الكتاب بصفة خاصة تظهر شخصيته وآراؤه ظهوراً مُتميزاً، وهو في هذا الجزء يقدم تصنيفين للعلوم من وجهتي نظر دينية وفلسفية، كما يضع منهجاً لإعداد المتخصصين في الفقه والحديث. [حسن عيسي أبو ياسين، ووفاء فهمي السنديوني: النظريات التربويَّة في كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي، في (من أعلام التربية العربية الإسلاميَّة)، ج2، ص 157].

وتحمل مقدمة ابن عبد البر لكتابه الغرض من تأليفه، مما يشير إلى أن بعضاً من تلاميذه سأله أن يصنف كتاباً في هذا الموضوع، وهو يلخص في هذه المقدمة أهم الموضوعات التي وعد بأن يتناولها، فها هو يقول:

(أما بعد، فإنك سألتني رحمك الله عن معنى العلم وفضل طلبه، وحمد السعي فيه والعناية به، وعن تثبيت الحجاج بالعلم، وتبيين فساد القول في دين الله سبحانه بغير فهم، وتحريم الحكم بغير حُجَّة، وما الذي أجيز من الاحتجاج والجدل، وما الذي كره منه، وما الذي ذُمَّ من الرأي وما حُمد منه، وما يجوز من التقليد وما حرم منه. ورغبت أن أقدم لك قبل هذا من آداب التعلم، وما يلزم العالم والمتعلم التخلق به والمواظبة عليه، وكيف وجه الطلب، وما حمد ومدح فيه من الاجتهاد والنصب، إلى سائر أنواع آداب التعلم والتعليم، وفضل ذلك وتلخيصه باباً باباً، مما روي عن سلف هذه الأمَّة رضي الله عنهم أجمعين لتتبع هديهم، وتسلك سبيلهم، وتعرف ما اعتمدوا عليه من ذلك مجتمعين أو مختلفين في المعنى منه...).

ذلك هو الغرض من الكتاب وأهم موضوعاته، لكن بأي الدوافع استجاب ابن عبد البر لسؤال تلاميذه؟

هنا نجده يقول: (... فأجبتك إلى ما رغبت، وسارعت فيما طلبت رجاء عظيم الثواب، وطمعاً في الزلفي يوم المآب، ولما أخذه الله عز وجل على المسؤول العالم بما سئل عنه من بيان ما طلب منه وترك الكتمان لما علمه).

وهو في استجابته هذه يَستند إلى القرآن الكريم والسنَّة النبويَّة، وهو نهج فقهاء المالكية المربين، وكان هذا نهجُه في تأليف الكتاب.

أما الدليل الذي يَستند إليه من القرآن فهو قول الله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَه} (آل عمران: 187).

والدليل الذي استند إليه من السنَّة النبوية، هو قول المصطفي صلى الله عليه وسلم: (من سئل عن علم فكتمه جاء يوم القيامَّة ملجماً بلجام من نار). [عبد الأمير شمس الدين، مرجع سابق، ص 94].

وإذا أردنا أن نسوق مثالاً واحداً من عديد من الأفكار التي طرحها ابن عبد البر، فإننا نشير إلى تأكيده على أهمية الحوار والسؤال في طرق وأساليب التعلم والتعليم:

إنَّ توجيه المتعلم سؤالاً إلى من يَعتقد أنَّ لديه قدرة على الإجابة عنه من شأنه أن يؤدي إلى سدِّ فجوة في البناء المعرفي لدى السائل، ومن هنا نجد ابن عبد البر يسوق عدداً كبيراً من الآثار والأحاديث والمواقف التي تسير كلها على طريق التأكيد على ضرورة ألا يستحي مُتعلم من أن يسأل عما يجهل، فهذا هو طريق النمو المعرفي، وهذا هو طريق الترقي وتنمية التفكير.

ومما استشهد به ابن عبد البرِّ قول السيدة عائشة رضي الله عنها: رحم الله تعالى نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمر دينهن. [أحمد فؤاد الأهواني، مرجع سابق، ص 15].

وقال ابن شهاب: العلم خزائن مفاتحها المسألة.

ومن المواقف العمليَّة، ما روي عن ابن عباس من أنَّ رجلاً جُرح على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ أصابه احتلام فأمر بالاغتسال، فأصابه البرد، فمات. فلما بلغ ذلك رسول الله قال: قتلوه قتلهم الله: ألم يكن شفاء العيِّ السؤال ؟!.

ونقل عن أميَّة بن أبي الصلت قوله شعراً :

لايذهبنَّ بك التفريط مُنتظراً *** طول الأناة ولا يطمح بك العجل

فقد يزيد السؤال المرء تجربة *** ويستريح إلى الأخبار من يسل

وليس ذو العلم بالتقوى كجاهلها *** ولا البصير كأعمى ما له بصرُ

فاستخبر الناس عما أنت جاهله *** إذا عميتَ فقد يجلو العمى الخبرُ

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم 

الحلقة السادسة هـــنا

[وللبحث تتمة في الجزء التالي]

المصدر: مجلة المسلم المعاصر العدد 107، شوال، ذو القعدة، ذو الحجة 1423 هـ

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين