والفرق بين القضاء والمقضي والقدر والمقدَّر
1 - لا يجوز الاحتجاج بالقدر على وجود الظلم والمنكرات والمعاصي والسكوت عليها بحجة ان الله قدر ذلك ، وكذلك لا يجوز للإنسان أن يحتج بقدر الله على ما يرتكبه من ذنوب وقبائح صغيرة أم كبيرة، بهدف أن يتنصل من مسؤوليته ، وينسب ذلك إلى الله تعالى ، ومن نسب ذلك لله على جهة اللوم والاحتجاج به على الوقوع في المعاصي فقد افترى على الله الكذب، والله يقول : { إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} [النحل : 116].
لذلك لما جِيءَ إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسارقٍ، فقام ليقطع يَدَه، فقال: يا أميرالمؤمنين، إنما سَرَقْتُ بقَدَر الله. فقال له: ونحن إنَّا نقطع يَدَكَ بقَدَر الله.
الاحتجاج بالقدر على قسمين :
القسم الأول :ممنوع : وهو الاحتجاج به على المعاصي لتبريرها ، وتبرير الاستمرار فيها ، وهذا من صفات الكافرين المشركين ، وبعض الغلاة من القدرية الجبرية .
هناك أربع آيات وردت في ذلك
أ- قوله تعالى : ( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا ( (الأنعام: 148)
ب- وقوله : ( وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) (النحل: 35)
ج- وقوله تعالى : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ ) (يّـس: 47)
د- وقوله تعالى : ( وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ .) (الزخرف: 20) .
?فهذه أربعة مواضع حكى فيها الاحتجاج بالقدر على المعاصي والإشكال في ذلك : أنه قد علم بالنصوص صحة قولهم : لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ، ولو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ، ولو شـاء الرحمـن ما عبدناهم ، إنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، وقد قال الله تعالى : ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ( (الأنعام: 112) ، وقوله : ( وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ) (السجدة: 13) .
?فكيف أكذبهم ، ونفى عنهم العلم ، وأثبت لهم الخرص فيما هم فيه صادقون ، وأهل السنة جميعاً يقولون : لو شاء الله ما أشرك به مشرك ، ولا كفر به كافر ولا عصاه أحد من خلقه ، فكيف ينكر عليهم ما هم فيه صادقون ؟
والجواب على هذه الشبهة :
إنهم لم يذكروا ما ذكروه إثباتاً لإيمانهم بوحدانية الله واعتقاداً بوجوب الإيمان بقضاء الله وقدره وتعظيماً لله ، وإنما قالـوه للاعتراض على شرع الله ، وعدم التزامهم بما أمر ، وحتى لا يكلفوا انفسهم الابتعاد عما حرمه ونهى عنه ، فالهدف هو اعتراضهم على أوامره وعدم الزامهم بما نهاهم عنه ، فعارضوا شرعه وأمره ونهيه بحجة القضاء والقدر .
وقد رد الله على شبهتهم بأنهم قالوا هذا بدون علم وعبارة عن رجم بالغيب لأن الله لم يكشف لهم عن إرادته ، وانما اعتمدوا على الظن والتكهن ، فقال تعالى عقب ذلك مباشرة فقال تعالى : ( كَذَلِـكَ كَـذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ( (الأنعام: 148)
القسم الثاني : مشروع : وذلك في حالين:
أ- الاحتجاج به بعد وقوع المصيبة والبلاء الذي يقع على الإنسان ليصبح في حالة من الاستقرار والطمأنينة والرضا .
ب- الاحتجاج به على المعصية بعد التوبة منها ، ومنه احتجاج آدم وموسى .
قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: "احتجَّ آدم وموسى، فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا خيَّبتنا وأخرجتنا من الجنة، قال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه، وخطَّ لك بيده، أتلومني على أمر قدَّره الله عليَّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ فحجَّ آدم موسى، فحجَّ آدم موسى". رواه البخاري ومسلم
2- ضرورة التفريق بين القضاء والمقضى ، والقدر والمقدور ، والفعل والمفعول :
ينبغي أن تكون هناك نظرتان منفصلتان بين القضاء والمقضي ، والقدر والمقدور : فنحن نؤمن بأن كل ما يجري في هذا الكون إنما هو وفق قضاء وقدر تعلق به علم الله تعالى وإرادته وقدرته ، فنرضى به ونستسلم له.
أما المقضي والمقدور وهو ما يظهر على ساحة الوجود والذي قام على أسباب ومسببات ، واختيار من الإنسان وتعمد من فعل خير أو شر ، وفيها طاعات ومعاصي ،: فنحن مأمورون أن نتعامل فيها وفق أحكام الشريعة ، فالطاعات يجب الرضا بها ، والمعاصي لا يجوز الرضا بها من حيث هي مقدور ، أما من حيث كونها قدر الله ، فيجب الرضا بتقدير الله بكل حال لأنها وفق حكمة قد تظهر لنا وقد لا تظهر .
وأضرب على ذلك بمثال :
هناك من ابتلي بالاعتداء على والده بالقتل ، فبعد وقوع هذه المصيبة واجب الابن أن يصبر ويستسلم لله تعالى ويسترجع لأنه قدر كتبه الله لحكمة .
ولكن بالمقابل من قام بعملية القتل فنحن نستنكر هذه الجريمة ، ولا نرضى بها، ونحاسب صاحبها على فعله لأنه فعلها بناء على اختيار وتعمد ، ونقيم عليه حد القصاص ، فهذا هو المقضي والمقدور الذي أمرنا بإنكاره لأنه متعلق بفعل الإنسان .
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول