أصول الاقتصاد الاسلامي

الدول هي منظومة معقدة من الأنظمة والمؤسسات ويجب أن تتكامل فيما بينها حتى تسمى دولة تؤدي دورها في خدمة الناس وتنال الاعتراف بها دوليا ومحليا

 

 ومن أهم المنظومات وأكثرها تعقيدا هو الاقتصاد، وهو المجال الأهم الذي يضطرنا أحيانا لأخذ خيارات صعبة وأحيانا ليست مثالية ولا توافق شرائع الإسلام بشكل كامل، ولكن ضغط الحاجة والموازنة بين السيئ والأسوأ يضطرنا للتعامل مع الواقع سعيا لتغييره.

 

وفي سورية وحتى سنوات قادمة سنضطر للتعامل مع البنوك العالمية والتحويلات المالية والإعتمادات البنكية، لتسيير التجارة والتصدير والاستيراد ومئات الإجراءات الاقتصادية الأخرى البسيطة والمعقدة، والتي لا بد منها حتى يعيش الناس.

 

سيقول لك أحدهم نحن نريد دولة إسلامية تلتزم الشرع، فهل قام رسول الله بهذه الموازنات الاقتصادية حتى نتبعه فيها ؟؟

 

والجواب أن هذا كان شيئا طبيعيا في سياق إنشاء دولة الإسلام في المدينة وحتى حين امتدت وتوسعت في عهد الصحابة، ومن أشهر الأمثلة على ذلك في السيرة النبوية هو تعامل الرسول مع العُملة التي كانت موجودة في عصره حيث كانوا يتعاملون بالعملات الذهبية البيزنطية والفارسية، والتي كانت سائدة في جزيرة العرب قبل وبعد ظهور الإسلام، وذلك على الرغم من أن العملات البيزنطية كانت تشتمل على صور ملوك وأمراء بيزنطة وعلى مأثورات دينية مسيحية وحروفاً لاتينية، وكانت هناك محاولات إضافة صبغة إسلامية على العملات اعتباراً من عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب لاسيما بعد فتح بلاد فارس، وذلك من خلال إضافة بعض المأثورات الدينية اليسيرة على الدراهم من مثل (لله الحمد - بسم الله - لا إله إلا الله وحده محمد رسول الله - بسم الله ولي الأمر)، وإجراء بعض التعديلات الطفيفة على الرموز الدينية المنقوشة على تلك العملات (مثل شعار النار أو الأصنام)، إلا أن تلك العملات "المُعرّبة" احتفظت بوجه عام بقوامها وشكلها الأصلي دون تغيير كبير.

 

وتعد سنة 77 من الهجرة بمثابة الحد الفاصل في هذا الشأن، حيث تم صك أول دينار ذهبي عربي (إسلامي) خالص في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان بدمشق، وصدر أول دينار بوزن مثقال (4.25 جرام من الذهب) مشتملاً على المأثورات الدينية الإسلامية وأهمها "الشهادة".

 

إذن لم يقم رسول الله ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي بإلغاء التعامل بهذه العملات أو طبع عملات خاصة بالدولة الإسلامية، لأن هذا كانت ستكون له نتائج مضرة بالاقتصاد في الدولة المسلمة، وأيضا لم نسمع أن أحدا من العلماء أو الفقهاء اعترض عليهم، لأن الكل يدرك أنه يجب أن يكون هناك بناء للاقتصاد والنظام السياسي والإداري المناسب لتستطيع إقرار عملة جديدة تستبدل بها العملات القديمة.

 

إذن التدرج في بناء الدول والأنظمة حتى تتوافق تماما مع الشريعة الإسلامية يحتاج دراسات وأبحاث وسياسات بديلة للانتقال من الاقتصاد الربوي للاقتصاد الإسلامي.

 

وفي هذا الشأن نسأل الجهات التي تدعي أنها تريد بناء خلافة إسلامية هل عندكم الأبحاث الاقتصادية التي تعالج المشاكل الاقتصادية ؟ والتي لن تجعل الناس في حرج شديد بدون أنظمة اقتصادية تعينهم في شراء الأطعمة والأشربة والأجهزة والمعدات والمصانع والتعامل مع المطارات والموانئ وآلاف الأمور حتى نستطيع إدارة الدولة وتسيير شؤون الناس.

 

ولماذا نراكم تحرصون على شراء أحدث الأجهزة العسكرية الغربية والتدريب عليها والاستفادة منها، وبنفس الوقت تحرمون على الآخرين التعامل مع الأنظمة الاقتصادية والدولية التي لا مهرب منها، أليس هذا تناقضا ؟

 

ومن الكتب المهمة التي تشرح الاقتصاد الإسلامي كتاب: أصول الاقتصاد الإسلامي، للأستاذ الدكتور/ عبد الحميد محمود البعلي، وسأرفق لكم رابط الكتاب للإطلاع عليه.

 

اللهم نسألك الصلاح في القول والعمل ونسألك الخير لبلادنا حتى نخرج من هذه المحن والمصائب للوصول لدولة العدل والحرية نعيش فيها كرماء معتزين بديننا وشريعتنا وبنفس الوقت متفهمين للعصر وأدواته وتوازناته ... 

 

 

 

أخوكم أسامة الخراط

تحميل الملف