أزلية العلاقة بين الشعبين الإرتري والفلسطيني

 
 
 
الأستاذ أحمد المهاجر
 
في ظل الجدار العازل الذي فرضه النظام الدكتاتوري على إرتريا وشعبها، خلال عقدين من الزمن قُطعت خلالها علاقات وهدمت جسور بفعل السياسات الخرقاء للنظام، وفي ظل صمت الإعلام الرسمي الحكومي في ارتريا عما يجري من أحداث في محيطنا العربي والإسلاميي، وانتفاضة الشعوب من أجل التحرر من الدكتاتوريات، ومايجري الآن من إعتداءات وحشية على الشعب الفلسطيني في غزة، والذي تربطنا به وشائج الدين والعروبة، والنضال المشترك، وهذا الموقف المتخاذل من النظام الانعزالي تجاه قضايا المحيط، لايمثل الشعب الارتري، وإن ارتماء النظام الدكتاتوري في أحضان العدو الصهيوني المعروف بمواقفه العدائية لقضية الشعب الإرتري، يفضح الوجه القبيح لهذا النظام، وستظل قضية الشعب الفلسطيني ونضاله المشروع ضد اليهود حاضرة في وجدان وضميرالشعب الإرتري منذ الأزل، تؤكدها الحقائق التاريخية، وتدعمها الوثائق الرسمية.
 
 
 
 
أحداث عام 1948 م في فلسطين وأصدائها في أرتريا
 
وصلت أنباء المعارك الدائرة في فلسطين ومانتج عنها من كوارث ومآسي إلى أرتريا عبر المذياع ، وعبر خطابات أرسلها مفتي فلسطين ورئيس الهيئة العربية إلى سماحة مفتي أرتريا ، وإلى حزب الرابطة الإسلامية في أرتريا. وكان لهذه الأحداث صدى واسعا في أنحاء القطر جعلتها موضع حديث الناس في مجالسهم ومصدر شغلهم. وقد أقيم لقاء عام بدعوة من سماحة مفتي أرتريا لجمع التبرعات لمنكوبي فلسطين ، حيث أقيم إجتماع ضخم حضره جمهور كبير في مساء يوم الأحد 6 شعبان 1367 الموافق 13 يوليو 1948م في مدرسة الثقافة الإسلامية بمعهد فاروق الأول حول جامع أسمرة. ..وقد ارتجل سماحة المفتي كلمة حث فيها المسلمين على التبرع لاخوانهم في فلسطين وقد تم تكليف لجنة لجمع التبرعات من جميع انحاء القطر مزودة بخطاب من مفتي ارتريا إلى القضاة لمساعدتها وتسهيل مهامها. وقد زارت اللجنة بالفعل كافة مدن أرتريا وجمعت مبالغ كبيرة من الأموال.
 
وصول وفد فلسطين إلى إرتريا والاحتفاء به
 
وفي نهار الجمعة 25 محرم 1368 هجرية الموافق 26 نوفمبر 1948م وصل الى أسمرة الشيخ محمد صبري عابدين مراقب الشؤون الدينية بالمجلس الأعلى في القدس وأمين سر ديوان الهيئة العربية العليا لفلسطين ومعه مرافقه الاستاذ جميل بركات ، حيث عرجوا على أرتريا بعد أن زارو اليمن وعدن لشرح قضية فلسطين ولطلب المساعدة. ولقد مكثوا في أسمرة أياما وزاروا الأماكن والمدارس الإسلامية وأقيمت لهم عدة إحتفالات من الرابطة الاسلامية والجالية العربية وبعض تجار المسلمين وغيرهم. وقد غادر الوفد أرتريا في يوم 6 صفر 1368 هجرية الموافق 7 ديسمبر 1948م متجها إلى الخرطوم.
 
وفى نفس اليوم الذي غادر فيه وفد فلسطين ، أرسلت لجنة جمع التبرعات لمنكوبي فلسطين مبلغ عشرة آلاف جنيه إلى بنك لندن باسم سليمان عزمي رئيس الهلال الأحمر.
 
 
موقع مفتي إرتريا الشيخ ابراهيم مختار على الشبكة العنكبوتية.
 
علاقة الثورة الإرترية بالثورة الفلسطينية
 
يقول الاستاذ محمد عثمان ابوبكر: إن الثورة الإرترية اعتبرت الثورة الفلسطينة الثورة التوأم بالنسبة لها منذ انطلاقتها في 1965م وذلك للقواسم المشتركة بين الثورتين، إذكان هناك تحالفا بين نظام هيلي سلاسي والكيان الصهيوني الذي ساعد الاستعمار الإثيوبي بالخبرة العسكرية لمحاربة الثورة الإرترية.
 
كما أن الثورة الفلسطينية رغم ظروفها قدمت دعما مقدرا للثورة الإرترية عسكريا وماديا في بداية السبعينات.
 
 
دور المنظمات الجماهيرية الفلسطينية تجاه الثورة الارترية
 
ويذكر الكاتب دور المنظمات الجماهيرية الفلسطينية في دعم القضية الإرترية وفي مقدمتهم الاتحادات الشبابية والطلابية والأدباء والمثقفين الذين لعبوا دورا كبيرا في تعميق النضال الإرتري في وجدان الشعب الفلسطيني والشعوب العربية قاطبة، ويأتي في مقدمة هؤلاء الشاعر سميح القاسم الذي لم تنسه أغلاله في الأراضي المحتلة ثورة شعبنا.تأريخ إرتريا المعاصر.
تاريخ إرتريا المعاصر : تأليف الأستاذ محمد عثمان أبوبكر.
 
ومن المسلمات ان أضيف هنا أن محور هذه العلاقة المتينة بين الشعبين وتضامنهما هوالإسلام، وركنها الركين رابطة العقيدة، من أجل هذا كله نجد أن أن الشعب الإرتري حاضرا في أحداث المنطقة العربية عامة وفلسطين خاصة.
 
في ذات الاتجاه وربطاً للماضي بالحاضر في العلاقات الأزلية بين الشعبين الشقيقين الإرتري والفلسطيني، سار القائمون على برنامج "ملفات إرترية" الإسبوعي في قناة الحواراللندنية عندما خصصوا حلقة كاملة بعنوان: تضامن الشعب الإرتري مع غزة ضد العدوان الذي يتعرض له إخواننا في فلسطين، فتنادى الإرتريون من كل حدب وصوب ليمطروا "قناة الحوار" سيلا من الاتصالات ليعبروا من خلال هذه النافذة تضامنهم مع الشعب الفلسطيني وتقديم واجب العزاء في الشهداء العزل، وأنه ليس من شيم الشعب الإرتري نكران الجميل، بل إن تراثه ومورثاته ملئية بقصص النخوة وإغاثة الملهوف وإجارة المستجير ونصرة المظلوم.
 
فكانت المداخلات والتفاعل من الشارع الإرتري صفعة قوية في وجه الدكتاتور، ورسالة واضحة أنما يمارسه النظام الارتري من محاصرة الشعب الإرتري وعزله عن محيطه وسياسة ما أريكم إلا ما أرى ليست هي الحل.
 
وأن الصمت المطبق من قبل الإعلام الرسمي- فضائية واحدة وصحيفة واحدة وإذاعة واحدة- في ارتريا عن أحداث الثورات العربية وانتفاضة الشعوب في كل من مصر وتونس وليببيا واليمن وثورة الشعب السوري الشقيق، والعدوان المتكرر على الشعب الفلسطيني، وقتل الأبرياء وهدم المنازل وتشريد أصحابها كل هذه الجرائم ترتكب وحكومة الجبهة الشعبية في إرتريا وإعلامها صم بكم عمي، فهذا الإعلام في الحقيقة لايمثل إلا الإبن العاق للثورة الإرترية وفي كل ثورة ابن عاق متمرد لايمثل الثائرين.
 
وفي محاولة لرفض الجدار العازل الذي فُرض علي الشعب الإرتري لم يكن ليسكت الأحرار أويصمتوا، فقد وجد الشباب الإرتري التواق للحرية في الإعلام الحديث متنفسا يتنفس من خلاله عبير الحرية، ويناصر القضايا العادلة للشعوب، وينحازلقضايا الحرية، فقد اتخذوا من صفحات "التواصل الاحتماعي مجموعات الفيس بوك وتويتر وقنوات اليوتيوب وغرف البالتوك الإرترية " منابر يكسرون بها الجدار الصمت والقبة الواقية التي بناها اأفورقي، بعد أن ضاق بهم الوطن وضاقة بهم مؤسسات إعلام العار الرسمي الحكومي، الذي لايتسع إلا لرأي واحد وقول واحد، وتحليل واحد، ونتيجة واحدة.
والشباب الإرتري في العالم من خلال الإعلام البديل، ساندوا ثورة ليبيا وتونس، وبلغ التعاطف والتناصر مع ثورة 25 يناير في مصرذروته، يتابعون أدق تفاصيلها وأحداثها لحظة بلحظة، إلى ان استكلمت الثورة أهدافها، وقال الشعب كلمته، وحتى في الانتخابات فإن الشباب الإرتري أبدوا مؤزرتهم لأصحاب المشاريع الوطنية من المرشحين، نابذين نظام مبارك فرحين بسقوط الفلول، ويوم أن فاز الدكتور مرسي عمت الأفراح والتهاني بين الشباب على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، والكل اصطف إلى جانب خيار الشعب المصري، ومشروع النهضة، والكل يعبر عن فرحته بطريقته الخاصة فقد غير البعض صورهم الشخصية الى صورة الدكتور مرسي والبعض اكتفى بنشر الاخبار والتهاني، آملين أن يكون عهد مصر الثورة ومصرالنهضة عهد خير ليس لمصر وحدها بل لكل شعوب المنطقة عامة والقرن الإقريقي خاصة.
 
وعندما اندلعت ثورة الشعب السوري العظيم، بدأ الحماس يدب في الشباب الإرتري أيضا لينحاز إلى الشعب السوري الشقيق في ثورته ضد الدكتاتور،يتابع أخباره ويتألم لمصابهم ويفرح كلما حدث تقدم في الثورة.
 
أما الأفكار الإنعزالية والعقلية المنغلقة للجبهة الشعبية الحاكمة في إرتريا والتي مافتئت تنخر في جسد الشعب الإرتري منذ فترة الكفاح المسلح تزرع فيه الكراهية والفتنة وتبعده عن جذوه وتأريخه وواقعه الثقافي والديني، ثم بعد الاستقلال كشرت عن أنيابها وبدأت بتغييب وخطف وسجن المفكرين والعلماء والمعلمين متوهمة بأنها بذلك تحاصرالوعي والفكربتغييب الدعاة والمصلحين.
 
لَنْ تَسْتَطِيعَ حِصَارَ فِكْرِيَ سَاعَةً ..... أَوْ نَزْعَ إِيمَانِي وَنـُورِ يَقِينِي!
فـَالنُّورُ فِي قـَلْبـِي، وَقـَلْبـِيْ فِي يَدَيْ ..... رَبِّي، وَرَبِّي نَاصِرِي وَمُعِينِي!
سَأَعِيشُ مُعْتَصِمًا بـِحَبْلِ عَقِيدَتِي ..... وَأَمُوتُ مُبْتَسِمًا لِيَحْيَا دِينِي!
 
وطالت الاعتقالات الوزراء والعسكريين والإعلاميين من أاصداقاء النضال" فأفورقي لم يطرف له جفن حينما يضع معارضيه في أقبية السجون بلا محكامات لمايناهز العقدين من الزمن، ولايشغل باله كثيرا إن تواترت روايات تؤكد موت هذا أو ذاك، مع أن بإمكانه أن يقدمهم لمحاكمات لاسيما وأن السلطة القضائية تقع تحت قبضته.
 
بيد أن اكثر مايؤرقني في هذا البلد إنه كانت أمامه فرصة كبيرة لأن يكون واحة ديمقراطية لامثيل لها في المنطقة، وربما في العالم، ذلك أنه خرج إلى الدنيا من حيث انتهت أنظمة شمولية، فلم يكن بحاجة إلى تجريب المجرب. كما أنه بلد مساحته صغيرة وعدد سكانه قليل ممايسهل عملية الانضباط الديمقراطي، .. لعل هذه هي الدكتاتورية الوحيدة التي نبتت في واد غير زرع!
 
الاستاذ فتحي الضو في كتابه "نون والألم" في معرض حديثه عن قائمة الدكتاتوريين في العالم والتي نشرتها مجلة "فورين بوليسي" وضمت القائمة أفورقي
 
وعودًا إلى موضوع علاقة الشعب الإرتري مع شقيقه الفلسطيني أختم هنا برائعة الأستاذة شريفة العلوي" ومازلت على الأرض سماءً"
آه يا القدسُ
ياوجهتنا الأولى
وياقبلتنا الأولى
في مرايا الروح أنت
وشمٌ يولد فينا
ليُعرينا فلولا
وغَفَونا
فغفا الكون خمولا
احضنيني بين موتاك حياةً
وانثريني في نعوش الصبح ورداً وفصولا
.................
اركلي كل حذاءٍ
يرتدي فيك سوادا
وأياد ترعب الفحر
وتغتال أسودا
اقذفي من صدرك الطاهر
تلك الحشرات
إيه يا القدس
لقد قدسك المولى
ومازلت على الارض سماءً

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين