أخطاء في فهم العبادة وممارستها

أطفالنا والعبادة (10)

أخطاء في فهم العبادة وممارستها

د. عبد المجيد أسعد البيانوني

 

يكاد يكون الخطأ جزءاً من تركيبة الإنسان وتكوينه، وليس ما يقلق أن يكون كذلك، ولكنّ المقلق حقّاً أن يتحوّلَ الخطأ مع مرور الزمن إلى: " صواب مشهور "، ويكون في نظر كثير من الناس خيراً من " الصواب المهجور "، وأن يجد من المتحمّسين له من يدافع عنه، فيبني له فلسفة، ويضع له قواعد، ويذمّ " الصواب المهجور "، ويزري به، ويعيب من يتمسّك به، ويدافع عنه..

 

ويَزدادُ الخطأ خطراً عندما يتّصل الأمر بدين الله، فيخشى أن يكون الخطأ، الذي يصرّ عليه المصرّون ـ لأنّهم ليسوا أهلاً للاجتهاد ـ نوعاً من التلاعب والتحريف لدين الله، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا منْ خلفه.. وهو غير الخطأ الاجتهاديّ المأذون به، الذي يؤجر عليه صاحبه، لأنّه في دائرة الفروع والظنّيّات..

 

ـ فهناك إذن نوعان من الخطأ:

ـ خطأ مأذون به، وهو الخطأ الاجتهاديّ، نمية وتحقيق الصادر من أهله وفي محلّه، ولا سبيل لنا إلى الإنكار على صاحبه، لأنّنا لا نعلم الصواب على سبيل الجزم واليقين.

ـ وخطأ غير مأذون به، وهو الخطأ المجزوم به، وهو الخطأ الناتج عن سوءِ فهم، أو قصور فهم، ولا يتمارى أحد من أهل العلم الموثوق بعلمهم وفقههم بخطئه، ومجانبته للحقّ.

 

ـ وهذا القسم من الخطأ في العبادة غير المأذون به يمكننا أن نميّز منه الأنواع التالية:

1 ـ القصور في فهم العبادة.

2 ـ الاقتصار على بعض جوانب العبادة، والتضخيم لها وإهمال ما سواها.

3 ـ الإضافة إلى العبادة ما ليس منها.

 

والنوع الأوّل والثاني لا يقلاّن أهمّيّةً عن النوع الثالث، الذي يهتمّ به كثير من الدعاة والمصلحين، ويهملون ما عداه.

1 ـ فالقصور في فهم العبادة تدخل تحته صور عديدة، منها:

أ ـ القصور في معرفة أحكام العبادة ومراتبها. فما أكثر الذين يؤدّون العبادة بجهل، فلا يميّزون بين أركانها وواجباتها، وسننها وآدابها، ويقضون عشرات السنين من حياتهم وهم على ذلك.!

ب ـ القصور في فهم الحكم التشريعيّة من العبادة بوجه عامّ، والحكم التشريعيّة لكلّ عبادة بوجهٍ خاصّ.

ج ـ القصور في فهم آثار العبادة وثمراتها، على المستوى الفرديّ، وعلى المستوى الاجتماعيّ.

2 ـ والاقتصار على بعض جوانب العبادة، والتضخيم لها وإهمال ما سواها، تدخل تحته كذلك صور عديدة، أهمّها:

أ ـ الاقتصار على العبادات الفرديّة، وإهمال العبادات الاجتماعيّة، التي يتجلّى فيها الاتّصال بالمجتمع، والتعاون معه، والاندماج فيه، أوْ عكس ذلك عند بعض الناس.

ب ـ الاقتصار على العبادة بمفهومِهَا الخاصّ، وإهمال العبادة بمفهومها العامّ، وقدْ تكون أحبّ إلى الله تعالى، وفي ميزان العبد أرجح.

ج ـ الأخذ بنوافل العبادات، وترك ما يجب منها ويتأكّد، فكم من الناس من يشتغل بالنافلة عن الواجب، وبالواجب الموسّع عن واجب الوقت المضيّق.

 

3 ـ وأمّا الإضافة إلى العبادة ما ليس منها فذلكَ من الابتداع في دين الله تعالى، الذي ينبغي على المؤمن أن يحذر منه أشدّ الحذر، لأنّه ينحرِف عن سبيل الحقّ والهدى، ولا يدري ما يقوده إليه انحرافه من أودية الضلال، ويتعب نفسه من غير ثمرة أو فائدة، ويضيّع العبادة المطلوبة منه، ويكون ممّن زُيّن له سوء عمله فرآه حسناً..

 

ويتجلّى خطر الابتداع في الدين وسوء أثره مع مرور الزمن، إذ تنطمس معالم الحقّ من حياة الناس، ويصبح المعروف منكراً مستهجناً، والمنكر معروفاً مألوفاً، وهو ما أشرت إليه في بداية هذا المقال، وينذر بأسوأ العواقب والآثار..

 

فماذا على الوالد والمربّي أن يفعل كيلا ينشأ الطفل على الخطأ في فهم العبادة وممارستها.؟ هاهنا جملة أمور ينبغي أن ينتبه إليها المربّي:

1 ـ التدرّج في فهم العبادة، وحكمِها ومقاصدها، بما يتناسب مع المرحلة العمريّة، التي يمرّ بها الطفل والناشئ، وألاّ يقتصرَ الأمر على التلقينِ بدونِ فهم.

2 ـ أن يؤكّد على الطفل المفهوم الشموليّ للعبادة، وتعقد له بينها المقارنة والمفاضلة المناسبة لسنّه.

3 ـ أن ينبّه الطفل في مرحلة الطفولة المتأخّرة على الأخطاء التي يقع فيها الناس في فهم العبادة وممارستها، تحصيناً له عن ذلك، مع التمثيل المناسب.

4 ـ أنّ العبادة كلّما تجرّدت عن هوى النفس، وتحقّق صاحبها بصدق التأسّي والاتّباع كانت أقرب إلى قبول الله تعالى ورضاه.

 

وقبل ذلك كلّه، وخير منه أن يكون الوالد والمربّي قدوةً حسنة في العبادة للطفل والناشئ، فهماً وسمتاً وسلوكاً.. فلا يسع الطفل إلاّ أن يقتدي ويتأثّر.. والله الهادي إلى سواء السبيل.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين